المواطن / كتابات _فهمي محمد
مقارنة مفاهيمية ووطنية
إذا ما جاز لنا الحديث بوجود مقارنة مفاهيمية أو حتى جدلية تتعلق بمسألة السلطة والدولة، فإننا نستطيع القول أن الدولة في حال وجودها ككيان سياسي دائماً ما يتطابق مدلولها السياسي وحتى الأخلاقي إيجابياً مع مفهوم الوطن والمواطن، بحيث تتحول الجغرافيا أو البلدان في ظل وجودها إلى وطن ويتحول الفرد إلى مواطن له كامل الحقوق والحريات التي تكفل له “سياسياً وقانونياً” معنى العيش الكريم والحياة الآمنة،
فالمواطن على سبيل المثال، في ظل وجود الدولة الوطنية لا يشعر في كل الأحوال بما يُوصف في الأدبيات السياسية بمصطلح الإغتراب السياسي وحتى الإجتماعي الذي يصيب الأفراد – وحتى الجماعات – داخل بلدانهم، وعلى العكس من ذلك في حال وجود السلطة ( بذاتها ولذاتها ) فإن مدلولاها السياسي والأخلاقي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون متطابقاً مع مفهوم الوطن والمواطن، أو أن السلطة بهذا المفهوم ليست مؤهلاً بالمطلق لمسألة التعاطي الناجع مع هذه المفاهيم الوطنية الحديثة.
فالسلطة المقصودة هنا والتي بلاشك ما نزال – كرعية – نعيش الأمرين في ظل حكمها ( داخل اليمن أو في جميع الأقطار العربية ) لا تعد أن تكون سوى كائن سياسي تقليدي غير متأنسن ={ سلطوي } يعبر في كل الأحوال عن مصالح النخب أو الطبقة الحاكمة ولا يعبر عن مصالح الجماعات المحكومة = { الشعوب } هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن السلطة الحاكمة “بذاتها ولذاتها” تتحول في حال ديمومتها السياسية والسلطوية في أي مجتمع تحكمه ويتقبل وجودها، إلى شبكة معقدة “من المصالح ” يجري من خلالها تصريف الأموال العامة، ( وحتى النفوذ السياسي ) نحو جيوب المسؤولين والنافذين والمحسوبين على أجهزتها، ما يعني في الواقع المعاش أن السلطة بعكس الدولة دائماً ما تخلق الثراء الفاحش في وسط النخب الحاكمة وفي المقابل تولد الفقر المدقع داخل الجماعة المحكومة، فالسلطة كما هي في اليمن على سبيل المثال وليس الحصر تمتص مقدرات المجتمع وثرواته، ولا تدير هذه المقدرات والثروات وتحولها إلى مشاريع تنموية ونهضوية تساهم إقتصادياً واجتماعياً في مسألة الإندماج الوطني رغم إمكانية حدوث ذلك في اليمن، كما أن قاموسها السياسي وحتى الإداري لا يعرفان بالمطلق ظاهرة الموظف أو المسؤول الذي يملك جيب من زجاج = { مبدأ الذمة المالية } لذلك تظل السلطة دائماً ومن هذه المنطلقات مفسده مطلقة، وليست لجام يمنع عدوانية وشهوة هذا الحيوان الضاري الذي هو الإنسان كما هو حال الدولة ومفهومها المعاصر عند الفيلسوف “شوبنهاور” وهو مفهوم حداثي يتعاطى سياسياً ووظيفياً عند تعريف الدولة الحديثة مع الفكرة القانونية ببعدها السياسي اولاً ثم مع الفكرة الوطنية بدرجة أساسية، بمعنى آخر أصبح تعريف الدولة يقوم الآن على تجاوز المفهوم التقليدي الذي حدد في الماضي البعيد وجودها أو حالة قيامها من. عدمه، على أساس وجود الأرض والشعب والسلطة الحاكمة، فهذه المحددات أصبحت اليوم غير قادرة على إعطاء فارق جوهري بين حالة وجود الدولة الحديثة وبين حالة وجود السلطة التي لم تتحول بعد في بعض المجتمعات إلى دولة، ناهيك عن كون السلطة المقصودة هنا أصبحت “بماهي سلطة” في بعض الشعوب حجرة عثرة تعيق بناء الدولة، كما هو حال السلطة في اليمن، وإلا ماذا يعني من كلامنا – إذا لم يكن هناك فرق بين السلطة والدولة – عندما نحاول تلخيص مُعاناتنا ببساطة شديدة بالقول لبعضنا البعض – يا أخي نريد دولة تحكمنا – وكذلك ما تضمنته المشاريع والأدبيات السياسية لأحزاب المعارضة، التي تتحدث دائماً عن ضرورة بناء الدولة في اليمن، كل ذلك ماذا يعني في النتيجة إذا كنا كشعب نعيش على أرض تسمى اليمن وتحكمنا سلطة منذ القدم ؟
اذاً الدولة تصبح موجودة وفق هذا المفهوم التقليدي ومطالبتنا لمسألة بنائها اليوم تظل مطالب عبثية أو غير واقعية حتى في ظل وجود سلطة الإنقلاب في صنعاء !
لكنها بالمنطق الواقعي وحتى بالمفهوم الوطني الذي تعتمد عليه هذه الدراسة تظل الدولة ككيان سياسي ووطني في الواقع غير موجودة بالمطلق، لكون الفكرة الوطنية هي القادرة وحدها في العصر الحديث على إيجاد الفرق الجوهري بين السلطة وبين الدولة التي ما تزال غائبة في اليمن، كما هو حال الغياب المستمر لمفهوم الوطن والمواطن في هذا البلد.
يتبع….