المواطن/ كتابات ـ وسام محمد
يذكرني مشهد احتشاد الجزائرين اليوم إلى العاصمة بمناسبة ذكرى الاستقلال وبعد تسعة أشهر من ثورتهم، بمشهد مسيرة الحياة، التي خرجت من تعز باتجاه صنعاء بعد عشرة أشهر من الثورة. ما أستوقفني ليس فقط التشابه ولكن الفروقات أو هذا هو الموضوع الأهم.
فالتشابه يأتي من كون احتشاد بهذا الحجم بعد أشهر طويلة من الثورة ومحاولات لإعادة ترتيب السلطة بعيدا عن الإرادة الشعبية وتطلعات الجماهير وبالمراهنة على تعبها. إذا كان احتشاد الجزائريين اليوم بمثابة تأكيد على خط الثورة ورفض أي محاولات للالتفاف عليها، فإن مسيرة الحياة جاءت في توقيت حاسم حيث كان صالح لا يزال يناور ومتردد في إتمام خطوات نقل السلطة بحسب ما نصت عليه مبادرة مجلس التعاون الخليجي.
بالطبع نحن في اليمن لا نزال إلى اليوم نفتقد للرؤية الواضحة، وحركة الجماهير تعتمد في الأساس على الحدس وعلى ظروف معينة. حينها ذهبت النخبة السياسية لتقاسم السلطة وكانت مخاوف الناس قائمة وحدسها يخبرها أنه لا يزال عليها القيام بدور ما لترجيح كفة الثورة. وهو ما سيحدث مع مسيرة الحياة لبعض الوقت.
الإشكالية تكمن في غياب النقاش السياسي الذي يساعد الجماهير على صقل حركتها واستكناه طريقها. لهذا يظل الحدس والعفوية هما كل ما يتوفر من عدة لأي تحرك شعبي. بدليل أن مسيرة الحياة لم يثار حولها نقاش جاد حتى اليوم ولم تقدم قراءة لحدث بهذا الحجم حيث كانت الساحات قد أصبحت تعاني من موت سريري، وكان الإحباط والترقب هما السائدان فجاءت مسيرة الحياة لتعيد ضخ الدماء في جسد الثورة الذابل وتعيد إنعاشه.
لم تقدم قراءة حقيقية لهذا الحدث لأنه كان لدينا نخبة سياسية ذهبت لتقاسم السلطة حينها أما اليوم لم يعد في جعبتها شيء لتقدمه. لهذا حدس الجماهير لا يزال سائدا ونتائج حركتها كما هي أهداف هذه الحركة تظل عائمة كنتيجية طبيعية لبقاء العفوية.
بالطبع من الفروقات التي يمكن الحديث عنها، أن مسيرة الحياة جاءت بمبادرة عفوية من قبل عدد من الأشخاص الذين رفضوا الاستسلام للوضع الذي كانت قد وصلت إليه الثورة. ثم التحقت الجماهير من كل حدب وصوب بركب المسيرة. ولأن الأمر كان عبارة عن مجرد محاولة لتحريك المياه الراكدة (كل تحرك لاحق سيأخذ هذه السمة) فإنها ظلت مسيرة الحياة القادمة من تعز نحو صنعاء. بينما لو كانت الرؤية واضحة كان يمكن لليمن أن تحتشد كلها نحو العاصمة من أجل ليس فقط ترجيح كفة الثورة ولكن تجاوز التسوية التي سيترتب عليها لاحقا كثير من الأعباء سوف نصل معها إلى الحرب. الأمر الذي ظل متوفرا أثناء مرحلة الحوار الوطني لكن دون أن يجد من يلتقطه. أعني امكانية إبقاء الحراك الشعبي كضمانة لعدم سقوط البلد بين مخالب ثورة مضادة كان الإعداد لها يجري على مرأى ومسمع الجميع.
مع بداية تبلور حركة احتجاجية في تعز، تبرز أمامنا نفس الأسئلة عن هدف هذا الحراك وعن قياداته وعن الرؤية التي يفترض أنه يستند عليها؟ لكن الإجابة هي نفسها. لا توجد قيادة حقيقية. لا وجود لرؤية. أما الهدف فلا يعدو عن كونه محاولة لتحريك المياه الراكدة بعد أن وصل الوضع السياسي والعسكري إلى مرحة انسداد على مستوى تعز وعلى المستوى الوطني.
الجدير بالملاحظة أيضا أن تلك الأطراف التي شيطنت مسيرة الحياة في البداية ثم التحقت بها عندما أصبحت على مشارف محافظة إب وقد حققت زخما، هي نفسها الأطراف التي تشيطن اليوم حركة الشارع في تعز وتستعد للالتحاق بها في حال أكتسبت زخما. وبالطبع لأجل نفس الهدف والمتمثل في كبح جماح الجماهير وشل حركتها أو منعها من بلوغ أهداف واضحة. فمسيرة الحياة بدأت غريبة في ساحة الحرية بتعز ثم بعد أن وصلت ساحة التغيير في صنعاء تم قمع منظموها والاعتداء عليهم بهدف كسر إرادتهم.
ما أشبه اليوم وغدا بالبارحة ما لم يتبلور وعي ثوري قادر على انتاج رؤية واضحة وهو ما لن يتحقق في ظل غياب التنظيم القائد لحركة الجماهير. على ان تحريك المياه الراكدة أيا كانت النتائج التي ستترتب عليه، يظل بمثابة فرصة ليس فقط لإعادة قراءة المشهد في ضوء ذلك ولكن منحنا دفعة لسد الثغرات التي يتسلل من خلالها الأوغاد دائما.