المواطن/ كتابات ـ محمد هائل السامعي
يشهد العالم على أن الصين ومنذ بداية العام 2020، الذي شهد تفشي فيروس كورونا فيها، بقيت صلبة وتصلّب عودها بصلابة رئيسها الحكيم شي جين بينغ وشعبها الواعي والمنضبط، وها هي تشتهر برجاحتها وعلو مسؤوليتها مرابطة في خط الدفاع الاول، تذود في الحرب عن بلادها بمواجهة الوباء الذي بات يهدد بقاء البشرية جمعاء.
المواجهة الشاملة لكورونا تكشف مقايس وعي المجتمعات، وتختبر مسؤولية الانظمة الحاكمة، ووفقا لدراسة علمية، فإن التدخين يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنوياً، وبحسب الدراسة كذلك، فإن عديد ضحايا التدخين سيرتفع بمقدار الثلث بحلول عام 2030، ومع هذا أنا لم أشاهد يوما صيني واحد يتعاطي التدخين، وان دل هذا فأنما يدل على وعي الشعب الصيني المبهر، وما أحدثته الثورة الصينية من انجازات عظيمة، مكنت الشعب الصيني من التخلص من الكوارث والأزمات على اختلافها.
في جانب مقابل، يلاحظ رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الصين العدو الرئيسي، فهو قد عمّد على قيادة حروب عديدة ضدها، بقصد الاضرار بها، وتدمير اقتصادها، واخر أوراق ترامب كانت “الفيروس” الذي يعصف بالعالم اليوم، فهو إذ لم يتمكن من إيقاف النمو المتسارع للاقتصاد الصيني، انتقل إلى البشرية ليفتك بها و يجهض اقتصادها العالمي.
في صورة مغايرة نجد الرئيس الصيني، الرفيق شي جين بينغ الذي برغم انهماكه وشعبه في التصدي أولا لاخطارالفيروس، يشرع بتدشين حملات لغرس الاشجار في العاصمة بكين وغيرها من المدن الصينية، ما يعني ان عجلة الحياة والانتاج والتقدم الصيني تسير للامام برغم المهمة الرئيسية التي تتلخص بقنص الفيروس.
يقول كارل ماركس: “إن الزراعة عندما تتطور بصورة عفوية ولا تكون مخططة بوعي تترك الصحارى خلفها”. لذلك، فان الاقتصادالاشتراكي القائم على التخطيط سيكون له المكانة الاولى وسيحرر العالم والتكنولوجيا من قيود نظام الربح المعادي للبشر، وهذا السبيل هو الوحيد لحماية البيئة الطبيعية والحفاظ على البشرية، والقضاء على تلوث المحيطات والغلاف الجوي، وكورونا يذكرنا بأن الإنسان هو أغلى ما نملك في الوجود، فالانسان ليس “شيئاً” أو سلعة ما، بل هو جوهرة الحياة ومحورها، والاقتصاد يتقدم بوعي الانسان، لكن في المجتمع الرأسمالي يتقدم الربح على حياة البشر وبيئتهم الطبيعية، لذلك فبدلا من ان تصبح الصين ضحية، انقلب السحر على ساحر الكورونا، واثبتت الصين انسانيتها وريادتها سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وبأنها في مقدمة الانسانية.
ما أن وصلت الرأسمالية مرحلة الشيخوخة، بتوحش الامبريالية التي تتاجر بكافة قطاعات الدولة، ومنها خصخصة قطاع الصحة على سبيل المثال، هاهي بثقافتها تركن في الحضيض، وتلفظ انفاسها الاخيرة، وها هي اليوم تأبى الموت دون أن تحدِث كارثة في تدمير وقتل للإنسان والحياة معا، إذ سقطت عنها كل الاقنعة والمساحيق. لقد صمّدت الصين – نجمة الشرق الصاعدة، وها هي حالياً تذود في الدفاع عن شعبها والبشرية جمعاء، وهي تولي اهتمامها رورعايتها الفائقة للانسان على ارضيها دون تمييز بين مواطنيها، اعتبارا لقيمة الإنسان، واعطت مكانة خاصة للآباء والأجداد الذين شقوا للصين طريقا منيراً على امتداد السبعين عاما الماضية.
لم تقل القيادة الصينية لشعبها: استعدوا لفقدان أحبائكم! كما قال جونسون، بل قالت: أن كل مواطن صيني هو جزء من العائلة الشعبية الصينية الكبيرة، وأن حماية الشعب الصيني فوق كل اعتبار، فالإمبريالية المتوحشة لا تعمل بعفوية، وسياساتها انما تنبع من مسيرتها المعادية للانسان.
اليوم نرى كيف ان الصين تواجه العدوانية وتسقط نظرية المفكر الاقتصادي الانجليزي، العالم ـ مالتوس ـ التي تسمى ب “مبدأ السكان” والتي تقضي بأن الفقراء هم السبب في فقرهم، وان الحل لوقف هذا النمو في السكان هو ان تتدخل الضوابط الطبيعية والبشرية من الكوارث والامراض والحروب، لقتل اكبر عدد ممكن من البشر، حتى “يُعاد التوازن بين اعداد السكان والموارد الاقتصادية المتاحة”!، وهي افكار تستهين بالانسان ووعي قطاعات واسعة من شعوب هذا العالم المفقر.
في حال استمرار نظام القطب الواحد المهيمن على الاقتصاد العالمي، الذي يحكم العالم بدافع الربح لتحقيق تراكم مالي، ومنذ اغتصابه للنظام العالمي، ماتزال هذه المنظومة المتطفلة مستمرة، تأبى الاعتراف بالعجز والفشل في ادارة الشأن العالمي، وتأبى الا أن تظل مستمرة في الهيمنة على حساب العالم أجمع، وهنا لا مجال في التخلص من الازمة العالمية، الا بالحل كما ترى القيادة الصينية ويتمثل بتصحيح هياكل الاقتصاد العالمي، بعيداً عن الهيمنة، فالصين التي استطاعت الخروج منتصرة عقب الازمة المالية في العام 2008، واستطاعت اليوم ايضا الخروج منتصرة من هذا الأزمة التي تعصف بالعالم، وتخلف أضرارا كبيرة وخسائر بشرية، وفي حال استمرار القوة الغربية المغامِرة والمهيمنة على القرار العالمي، وإلا سيستمر اغتصاب الكوكب، وتتواصل الكوارث، ويتطلب الامر اليوم التحكم في الاقتصاد العالمي بناء على اقتصاد مخطط، أي بناء الاشتراكية العالمية بعيدا عن الهيمنة، وليس هناك من وسيلة أخرى لوقف تغير الاوضاع الدولية ووقف تدمير البيئة وانسانها، غير ايقاف الولايات المتحدة الأمريكية عند حدودها، ووقف هيمنتها على أي قرارات دولية.
خلاصة: سيصل الاقتصاد الصيني الى المرتبة الأولى عالميا، وسيُطيح باقتصاد الولايات المتحدة وينزع عنها تاجها الذي توّجت به مُنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. ويقيناً أن الصين ستقود العالم الى بر السلام والامان بدون حروب او كوارث، فهي تقدس العمل، وتولي إهتمام بالتعليم، وتشجع على الاستثمار والانتاج والتحديث، وتعمل مع الدول الصديقة لها والرافضة للهيمنة لإقامة نظام مالي جديد بديل يُنهِي هيمنة الدولار ويقلص من نفوذه، بدون احداث اي اضرار لاقتصاديات بلدان، اجبرتها الظروف الارتباط بالدولار، والى جانب هذا، الصين تؤيد تكوين نظام دولي متعدد الأقطاب، ونحن بحاجة اليوم إلى مثيل له يركز على إنتاج حلول تخدم مصالح جميع الدول حتى نتجنب مزيداً من الصراعات الكارثية والمدمرة، كما يحتم هذا الامر على العالم السير على النهج الذي تسلكه الصين: العقلانية في استخدام الطبيعة، من اجل الانسان، والتطوير في الاكتشافات واستمراريتها والبحث عن مصادر جديدة للطاقة النظيفة، مما سيفتح إمكانية التنمية المستدامة، والتخلص من الازمة التي تخنق الاقتصاد العالمي.