المواطن/ كتابات ـ وسام محمد
قضية ايوب الصالحي لم تكن بالنسبة لي مجرد رد انفعالي على استفزاز الاصلاحيين. لقد أخذت هذه القضية على عاتقي في الوقت الذي لم يكن الوضع يسمح بذلك. كما هو الحال مع قضية أمجد. الأمر لا يتعلق بهذين الشخصين او لأنهما اشتراكيان. ولكن يتعلق بنا, وكيف انه في حال سمحنا لهذه الجرائم أن تمر, فإن مستقبلنا سوف يصبح قاتما بل وشديد السواد وهو ما لا رجو.
لقد تبرع الحوثي منذ اليوم الأول لصعوده ثم بعد ان تمكن من رقاب اليمنيين, من تقديم نفسه كمجرم يعتقل ويختطف ويقتل. لا يزال محمد قحطان وعبدالكريم المنزلي خير شاهدين على جرائم هذه الجماعة الامر الذي لا يتطلب جهود فردية لتوضيح صورة الحوثي في أذهان الناس.
لكن عندما تعلق الأمر بأمجد وأيوب, فإن هذا كان قد جعلنا نقف أمام نوعان من الجرائم, وطرفان يقومان بارتكابها وارتكاب عشرات الجرائم المماثلة بينما هذين الطرفين يفترض انهما جزء من التركيبة الاجتماعية والسياسية المعترف بها. اليوم يحكمونا بسلطة الأمر الواقع وغدا قد يحكمونا كسلطة رسميةودستورية بل هذا هو المرجح. لهذا يصبح الامر خطيرا عندما يعاد تمثيل ماض الجريمة على مسرح الحاضر مع قطع كمبيالات وسندات جرائم سوف تصدر الى المستقبل وسترشح لنا مزيدا من الويل.
اذن كان اهتمامي نابع من ضرورة ارتفاع الصوت المناوئ لهذه الجرائم على أمل ان يعيد مرتكبوها او من يقفون خلفها, مراجعة أنفسهم وتطمين المجتمع والاهم تميز انفسهم عن الحوثي وسائر الجماعات المتطرفة التي لا يمكن بأي حال من الاحوال القبول بها كجزء من تركيبة السلطة التي تعبر عن الشعب او حتى كمكونات سياسية معترف بها او يمكن التعايش معها.
مثلا لا يمكن للقاعدة ان تصبح في يوم من الايام حزبا سياسيا. وكذلك الحوثي. لأن هذا ضد منطق التاريخ. فالمجرم إما أن يهزم بالحرب او يتم اخضاعه لمحاكمة وانزال الحكم العادل بحقه.
لكن بدلا من أن يتحقق هذا, تحول الاهتمام بقضايا من هذا النوع الى مصدر ارهاب لنا في ظل تراخي المؤسسات والاشخاص الذين يجدر بهم الوقوف صفا واحدا في وجه هذه الجرائم بمختلف انتماءتهم. لأن الامر يتعلق بكياننا الانساني. ايوب وامجد هنا مجرد نموذجين فقط. هناك عشرات الجرائم التي يتهم حزب الاصلاح في تعز بارتكبها وهناك عشرات وربما مئات الجرائم التي يتهم المجلس الانتقالي الجنوبي بارتكابها ومعه السلفيين. وهناك جرائم اخرى ترتكب باسم جماعات وسلطات عابرة.
في قضية أمجد, أعتقد أنني قمت بما يجب. هناك كتاب سوف يطبع خلال الايام القادمة قمت باعداده بالاشتراك مع مجموعة من اصدقاء امجد. وهناك كتاب كنت اشتغل عليه لوحدي وانجزت منه ما يقارب 60%.
أما في قضية أيوب فقد حاولت أن أقوم باللازم. ولا زلت مقصرا. وكنت انتظر كغيري من حزب الاصلاح ان يراجع نفسه ويفكر في هذه القضية ومثيلاتها مليا ويجد الطريقة المناسبة لتسويتها. وكنت أعتقد انه لا يصح الاستقواء على الاصلاح بينما هو يواجه مخاطر ومساعي اجتثاث من قبل دولة الامارات وادواتها. حتى وان كان الاستقواء من خلال قضايا حقوقية وانسانية عادلة. واعني بالاستقواء, عدم الامعان في اثارة القضية بينما هذا هو الوضع لكن أيضا طالما ان هناك معلومات من مصادر موثوقة ظلت تؤكد أن أيوب الصالحي لا يزال على قيد الحياة. لأن اثارة القضية اكثر قد يصبح ثمنها حياته.
لكنه الاصلاح, ما ان تبدأ تخف الضغوط عليه, حتى يبدأ في اخراج لسانه للجميع, وارهاب كل من لا يزال يفكر في الوقوف بوجهه سواء كان صاحب حق او باطل. لا يوجد تميز.
لهذا سنجد أن الطريقة التي سيتوصل إليها الاصلاح من أجل تسوية ملف قضية ايوب الصالحي, ستتمثل في انتاج مرويات عن كون ايوب تمت تصفيته من قبل القاعدة. ولا نعرف كيف يمكن للقاعدة أن تصل الى ايوب الذي نعلم بل ولدينا اثباتات عن كونه ظل لوقت طويل مخفيا في مدرسة النهضة التي استخدمها الاصلاح كسجن منذ بداية الحرب.
هناك تفاصيل كثيرة من المهم ان يعرفها الناس. ليس فقط عن ايوب الذي أختطف قبل أربعة أعوام, ولكن ايضا عن الرسائل التي اراد الاصلاح بعثها إلى من يعنيهم الامر من خلال هذه الجريمة. ثم عن سجون الاصلاح وعشرات المخفيين. ثم عن طريقة الاصلاح في محاولة تسوية ملف قضية أيوب وكيف ظلوا منذ عام يسربون الاخبار على امل ان يلتقطها أحدهم ويقوم بترويجها حتى يتسنى لهم اخلاء مسئوليتهم لكن قبل ذلك حتى يتمكنوا من قتل أيوب الصالحي وهم مطئنين لو انه لا يزال حيا او في حال كانوا قد قتلوه حتى يغلقوا هذا الملف ويرتاحوا من عبئه.
والآن يبدو ان مرحلة الترهيب المعلن قد بدأت, والهدف اصبح يتجاوز الصمت إلى حملنا على تصديق مروياتهم التي اخترعوها. بينما ارهابهم الضمني لم يتوقف من لحظة ارتكاب الجريمة لأن الارهاب جزء من طبيعتها. وبالمجمل قضية ايوب هي قضية انتقام من الوضع السياسي الذي سبق اندلاع الحرب, وهي قضية ارهاب ورسائل للمستقبل. او هكذا يمكن تلخيصها بكلمات قليلة.
يتسائل التويجي (كما منشوره الموضح في الصورة) وهو أحد ناشطي الاصلاح في تعز, عن سلطان السامعي ويربط ذلك بأيوب ويخصني بتسائله.
مع علمه اننا لم ننكر في يوم من الايام ان ايوب كان ضمن الاشخاص المقربين من سلطان السامعي وكان الى قبل اندلاع الحرب مبالغا ومتهورا في مخاصمة الاصلاح. بل كانت سيارته (دباب تحمل لافتات ومكبر صوت) مصدر صداع دائم للاصلاح. خصوصا عندما كان يخرج ضمن المظاهرات التي لا تخلوا من عراك حتى أن الامر وصل في احدى المرات الى تعاركه مع قيادي كبير في الاصلاح وصفعه. وذات مرة بعد عراك مع ناشطي الاصلاح قام ايوب بقيادة مظاهرة الى امام مقرهم.
لم ينزعج الاصلاح خلال عامي ما بعد فبراير من شخص بقدر انزعاجه من أيوب. وعلى نحو اكثر من ذلك الانزعاج الذي كان يتسبب فيه محمد صبر مثلا خلال عام الثورة وبشرى المقطري خلال الاشهر الاولى من الثورة والتي سيتم الانتقام منها لاحقا بفتوى تكفير اصدرها عبدالله احمد العديني وخرجت على اثرها مسيرات الى امام منزلها تتهمها بالكفر والالحاد.
خلال الحرب, لأسباب وجيهة, وبسبب طبيعة الوضع, لم يتسبب الاشتراكي للاصلاح بأي ازعاج حقيقي. وكان هذا نابع من مراجعة حقيقية قامت بها قيادة الحزب, للفترة التي سبقت الحرب لكن ايضا لأن طبيعة الظروف اختلفت وفرضت واقعا جديدا من المهم التعامل معه وامامه بمسئولية. وامام هذه الرؤية الواضحة فشلت كل محاولات جر الاشتراكي الى مربعات الاصطفاف ضد الاصلاح. كون ذلك يتعارض مع هدف دعم المقاومة والجيش في معركة التصدي لمليشيات الحوثي وصالح, كهدف رئيسي حملته منظمة الاشتراكي في تعز ولا تزال. بالطبع دون اي مطامح سلطوية, بل كنا غالبا نفضل الصمت أمام حرمان جرحى الحزب واسر الشهداء والمجندين المحسوبين عليه والمشتركين في الجبهات من حقوقهم البسيطة او عند التعامل الانتقائي معهم.
لكن اليوم, عندما لم يعد من معركة مع الحوثي وقد جمدها الاصلاح بعد ان استكمل بناء جيوشه وأرصدته البنكية سوف يخرج الاصلاحين ويذكرونا بماضي ايوب الذي مع اندلاع الحرب قطع علاقاته بمن كان يجالسهم ورفض الذهاب معهم او حتى تأييدهم وفضل البقاء في المدينة يعمل على سيارته البسيطة من أجل اعالة اسرته.
اليوم يريدنا التويجي ومن اليه, ان نرضخ للرواية التي يتم الهمس فيها على هامش اجتماعات مخصصة لقضايا أخرى او عندما يأتي وهيب الهوري (القائد العسكري الهمام والمقاوم الباسل) ويلقي بما لديه من معلومات في الشارع. يقول انها موثوقة ويتحدث عن اثباتات واعترافات دون ان يخبرنا ما هي صفته القانونية ليخبرنا بذلك ولماذا لا يذهب لتسجيل شهادته لدى الجهات المختصة لو ان لديه شهادة وحتى يتسنى للجنة المخفيين قسريا (المشكلة رسميا) التحقق من اقواله وتقرير ما ان كانت صحيحة أم مجرد استمرار لمسلسل الألاعيب الغبية لكن هذه المرة بقالب الارهاب المباشر.
حسنا. يبدو أنه حان الوقت لتنزعجوا من شخص اشتراكي لطالما انكم تصرون على محاولة ارهابنا واستغباءنا ولطالما انكم لا تحترمون الشراكة ولا تحترمون من ظلوا يقدرون طبيعة الظروف التي تواجهنوها رغم يقينهم ان ايوب يقبع منذ اربع سنوات في سجونكم. وكم كان هذا صعبا ومؤلما.
لن ترهبونا ولن نخاف. ثم ان جريمة اخفاء ايوب الصالحي اصبحت شبيهة بجريمة قتل جار الله عمر. على الاقل من زاوية ان الجميع يعرف ان جار الله عمر قتله علي صالح وان سيناريو الصاق الجريمة بالاصلاح لمجرد انها وقعت في مؤتمره العام, لم يصدقها أحد وقد حدث ذلك أمام الكاميرات. وليس كما هو الحال مع مروياتكم التي تريدون لنا ان نصدقها, بينما هناك معلومات واعترفات قدمها أناس في حزبكم. الفارق الوحيد بينهم وبينكم انهم يمتلكون ضمير وانسانية لم تعد لديكم الى جانب انهم بلا سلطة ولا حول لهم بعكسكم وقد جمعتم ما يكفي ليس فقط لاخفاء قيادي اشتراكي ولكن لجعلكم تستخدمون تعز كرهينة وورقة لعب. غير أن هذا لن يطول. ولكم في من سبقكم أيه.
منشوري هذا مجرد بداية فقط. وكتبته كما أتفق. لكن مهما بلغت المشاغل, فهي تصبح مشاغل بلا قيمة عندما يجد المرء نفسه أمام من يحاول ان يصدر الارهاب اليه ويدخل الخوف الى قلبه. بهدف حمله على الصمت او كما هي وقاحتكم لكي يصدق مذعننا تخريجات الجريمة ويبدأ في التصالح معها.
ابحثوا عن شخص آخر. لست انا من يخاف. وان خفت لبعض الوقت كوني اسكن بينكم, فهذا لأن لدي طفلتين وزوجة لا اعرف كيف يمكن لهم مواصلة الحياة بدوني. وليس لأني اخاف الموت او التغييب. فأنا اعرف ان لديكم الف طريقة للقيام بذلك. ويوما عن يوم تتبرعم غطرستكم ونوازعكم البدائية تحت وهم القوة والتمكين.
هي راية الحق والحرية يا أعزائي الاصلاحين, وكما ترون لا نزال مستعدين لئن نرويها بأغلى ما نملك. بما في ذلك دماءنا وحياتنا. إلى جواركم أو على الضد منكم اذا ما تطلب الأمر ذلك.
خالص التحية لكثير من الاصلاحين. لأن الخطاب هنا موجه لقيادات حزبهم في تعز وليس لهم كأعضاء وكأصدقاء ورفاق حلم واحد.
انتهى