المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
لا يوجد فرق بين نظام صالح وبين من ثاروا عليه فيما يتعلق بثقافة الخطاب والصورة الإعلامية الراغبة في تزوير حقائق التاريخ أو تغييبه بالنسبة لأهم حدثين ، غيرا مجرى التأريخ في اليمن= { ثورة 26/ من سبتمبر في الشمال وثورة 14 أكتوبر في الجنوب } !!!
منذ الصغر ونحن نكبر مع عهد الرئيس صالح كنا نشاهد ونسمع الإعلام الحكومي بالصوت والصورة أثناء تعاطيه مع ذكرى ثورة سبتمبر 1962/م، وثورة أكتوبر 1967/ يتحدث إلينا في كل عام لاسيما ــ في ذكرى أعياد الثورتين ــ عن عموميات وسطحيات تعمل على تغييب حقائق التأريخ ورموز الثورة في وعيِّنا السياسي؛ بل إن ذلك التعويم الإعلامي كان يتم مع تكرر رتيب في عرض الصورة التي تعمل تلقائيًا وبحس سياسي على تزوير تأريخ الثورتين ، بعد تغييبه في متن الخطاب الإعلامي السطحي لاسيما ــ فيما يتعلق بدور الفرد والقائد الحقيقي ــ وكذلك فيما يتعلق بالتنظيمان السياسيان اللذان كانا في حقيقة الأمر وراء صناعة أحداث سبتمبر وأكتوبر في اليمن، ونفس الخطاب الإعلامي مع تكرار الصورة ، نجده اليوم في القنوات الفضائية المملوكة للأحزاب التي ثارت على صالح ، وحدها قناة (السعيدة) تستحق الإحترام في مسألة التعاطي الإعلامي فيما يتعلق بالحديث عن الثورة في اليمن .
شخصياً أنا وعشرات الآلاف من أقراني على مستوى العمر ، كنا بلاشك ضحايا لثقافة الصورة الإعلامية الرتيبة وللخطاب الإعلامي المحبوك بمخياط سياسي يعمل بإجتهاد على تغييب أحداث وأسماء وتأريخ الثورتين في الشمال والجنوب .
بلاشك نشأنا ، وقبلنا وبعدنا آخرين من الشباب في ظل إعلام حكومي وحزبي كان ومايزال يحدثنا في شهر سبتمبر وأكتوبر من كل عام بالقول المكرر = { أن الشعب اليمني ثار على الطغاة وعلى النظام الإمامي الكهنوتي في الشمال ، مع العرض المتكرر لصورة الشهيد محمد محمود الزبيري } وهذا ما جعلنا نعتقد أن الزبيري هو من مثل عشية الـ26 من سبتمبر دور الفرد في صناعة الحدث الثوري والجمهوري = { القائد في الإعداد والتحضير والتفجير } وفي مقابل ذلك فيما يتعلق بثورة أكتوبر المجيدة كنا ومازلنا نسمع عن ثورة الشعب اليمني في وجه المستعمر البريطاني وعن شرارة الثورة التى انطلقت من جبال ردفان، وبالكاد عن ذكر تفاصيل الثورة والأسماء والأحداث التأريخية الثورية في أكتوبر المجيد نسمع اسم الشيخ غالب بن راجح لبوزة الذي يعد أول شهيد في ثورة أكتوبر، ثم تنتقل الصورة الإعلامية بعد هذا الإقتضاب المقصود إلى صنعاء لعرض المدفعية لحظة قصفها لقصر البشائر في الـ26 من سبتمبر، ومع تغيير الصورة إلى داخل صنعاء ينتقل الحديث معها عن ثورة سبتمبر الأم في الشمال ودورها في دعم ثورة أكتوبر في الجنوب ، ثم يتسع الحديث عن سبتمبر أكثر من اللازم في ذكرى ثورة أكتوبر بنفس المخياط السياسي الذي يَحِيك دائمًا على مسامع اليمنيين “رواية المنة” على ثورة أكتوبر البنت، وكأن لسان حال هذا المنطق الإعلامي بالصوت والصورة يقول للأجيال القادمة = { أن ثورة 14/ اكتوبر في الجنوب كان حالها كحال الإسلام ما بعد الفتح تحصيل حاصل ولا بطولة فيها لمن أسلم من قريش } وآية ذلك التعاطي الباهت إحتفالياً وإعلامياً حتى هذا التاريخ مع ثورة أكتوبر لاسيما ــ في المحافظات الشمالية ــ بما في ذلك تعز عاصمة الثقافة والسياسة !
من حسن الحظ أن البعض أتخذ من الكتب والقراءة والبحث في بطون المراجع الأمينة خياراً لهم ما يستطعون إليها سبيلًا؛ وخلال هذه الرحلة الطويلة “اكتشفوا” كم كنا وغيرنا ضحايا لثقافة الصورة الإعلامية وللخطاب الإعلامي المتحزب بمنطق العصبية والذي تحاك فصوله المناسباتية والإحتفالية كما قلنا بمخياط سياسي لا يتوارى خجلاً ولا حتى أخلاقياً عن تغييب تأريخ وأسماء ورموز ثورة سبتمبر وأكتوبر في الوعي السياسي للأجيال الناشئة في اليمن ، لهذا وذاك يجب الحديث عن الحقائق التأريخية التالية.