نشرت صحيفة “إيزفيستيا” مقالا لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، السيناتور قسطنطين كوساتشوف، يتحدث فيه عن التناقضات بين الرئيس الأمريكي الجديد والنخب الأمريكية.
كتب كوساتشوف:
لعل العالم لم يترقب منذ وقت طويل هكذا – بعضٌ بارتياح، وآخرون بحقد وغضب، والباقون بفضول – تسنُّمَ الرئيس الأمريكي الجديد مهام عمله. إذ إن الشكوك بقيت إلى آخر لحظة حول ما إذا كان سيُسمح لدونالد ترامب بتولي منصبه رئيسا لدولة عظمى، حتى لقد ظهرت سيناريوهات عن كيفية اغتياله.
وأشير هنا إلى أن الرئيس أوباما أعلن في آخر خطاب له يوم 10 يناير/كانون الثاني الجاري أن “العالم سيرى بعد عشرة أيام السمات الرئيسة لديمقراطيتنا، تسليم السلطة سلميا من رئيس منتخب إلى آخر. لقد وعدت الرئيس المنتخب ترامب بأن إدارتي ستقوم بتسليم سلطاتها بسلاسة كاملة، كما فعلت معي إدارة الرئيس بوش”.
ولكن هذا بالذات لم يكن العالم ينتظره. لقد جرى تسليم السلطة بأي شكل، إلا سلميا، إذا لم نأخذ بالطبع العمليات الشكلية. لقد عملوا كل شيء من أجل التشكيك بكون فوز ترامب جاء نتيجة انتخابات حرة. مع أنه كانت هناك فرصة لإظهار التزامهم بالديمقراطية واحترام رأي الناخبين. ولكن هنا تكمن مشكلة تلك النخب، التي تشعر اليوم بخسارتها نتيجة فوز ترامب، ليس فقط في الولايات المتحدة، لأنهم ليبراليين أكثر من كونهم ديمقراطيين.
ماذا يعني هذا بالنسبة إليهم: من أجل إعلاء أفكارهم “العادلة” تصبح جميع الوسائل جيدة، حتى الانقلابات غير الديمقراطية، وسحب الثقة والتدخل في شؤون الدول الأخرى وإطلاق اتهامات كاذبة بحقها تتعلق بهجمات وهمية على أمريكا. هذا منطق أحد أبطال رواية الكاتب ميخائيل شولوخوف الذي قال: ما دام الكولخوز (المزرعة التعاونية) أمرا صائبا، فما الحاجة إلى اقناع “غير الواعين” إذا كان إجبارهم أسهل، وليس منطق آباء أمريكا المؤسسين.
ويمكن بوضوح أن نرى اختلاف مواقف أوباما وترامب، من خلال تصريحاتهما خلال الأيام الأخيرة. فقد قال أوباما في آخر مؤتمر صحافي له عقده في البيت الأبيض “في جميع المحافل الدولية، هيئة الأمم المتحدة، G 20، و7 Gتكون الولايات المتحدة على الجانب الصحيح، عند التعامل مع القضايا ذات الأهمية بالنسبة إلينا، وستبقى كذلك”. أما الرئيس الجديد ترامب فيقول “سوف نسعى إلى الصداقة وعلاقات حميمة مع بلدان العالم، ولكننا سوف ننطلق في هذا من أن جميع البلدان لها الحق في وضع مصالحها فوق كل شيء”.
وحتى من دون الخوض في التفاصيل – هل سيتمكن أو سيرغب ترامب في تحقيق ما قاله على أرض الواقع؟ إن الفرق بينها واضح جدا: إذا كنت واثقا من أن هناك في العلاقات الدولية جوانب صحيحة وأخرى سيئة، وليس فقط جوانب تختلف مع مصالحك، فهذا يعطيك عمليا حقا معنويا في عمل أي شيء. وهذا ما كانت تفعله ادارة أوباما، لأنها كانت تعدُّ نفسها ليس فقط زعيمة “العالم الحر”، بل ومن حقها إعادة بناء بلدان العالم غير الحر وفق أفكارها. وإذا تمعنا في هذا المنطق الرهيب، باعتبار أنه أساس غالبية النظريات العنصرية والتفوق العرقي، التي كانت السبب في نشوب أبشع الحروب والعمليات الارهابية والنزاعات في التاريخ.
لهذه الأسباب بالذات، يبدو ترامب أكثر ديمقراطية من دعاة الديمقراطية، الذين غادروا البيت الأبيض. وإذا لم يتحدث عن حقوق المثليين، فهذا لا يعني أنه يريد محاصرتهم وتحديد حريتهم، بل فقط لأن من المهم بالنسبة إليه توفير أماكن عمل للإنسان، أما ماذا سيعمل هذا الإنسان بعد العمل ومع من، فهذا من حقه بالكامل. ولكن أعلى مستويات سلطة الدولة ليست مكانا للحديث عنه. بيد أن هذا الأمر البسيط كان سبب خروج ألوف المحتجين إلى شوارع المدن الأمريكية مطالبين بإيلائهم الاهتمام المعتاد.
عموما، من الصعب أن يعيد ترامب النظر في وجهة نظره حتى تحت ضغط الشارع ووسائل الإعلام. فقد أعلن أن أول عمل سيقوم به في البيت الأبيض سيكون إعادة تمثال تشرتشل النصفي إلى القاعة البيضوية لأنه معجب بمقولته: “لن تتمكن من السير في طريقك إلى النهاية، إذا توقفت لرمي كل كلب نابح بحجر”