المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
نستطيع أن نتحدث في عجالة سياسية عن دور أبناء تعز في ثورة 26/ سبتمبر عن طريق الوقوف على ثلاث محطات كانت مفصلية وحاسمة في تاريخ الثورة السبتمبىرية الخالدة لاسيما في معركتها العسكرية والسياسية التي أستمرت ثمان سنوات مع القوى الملكية المدعومة أقليميا= {منذ 1962/وحتى 1970/م } العام الذي اعترفت فيه السعوديه بالنظام الجمهورية وتخلت عن دعم فكرة الإمامة و بيت حميد الدين، مقابل إقصاء الخط السياسي الجمهورية الراديكالي داخل مؤسسات ومفاصل سلطة الثورة والجمهورية (العسكرية والمدنية ) وجل هؤلاء المعنيين بالإقصاء كانوا لسوء الحظ من أبناء تعز الذين التحموا مبكراً بحس سياسى وحزبي في مسار الثورة وفي الدفاع عن مشروعها الجمهوري عبر ثلاث محطات هامة ورئيسة انتصرت فيها الثورة والجمهورية على القوى الملكية وعلى النظام الإمامي السلالي في شمال اليمن .
المحطة الأولى
قبل إندلاع ثورة 26/ من سبتمبر 1962 كانت تعز على المستوى الجغرافي في شمال اليمن الخاضع لحكم النظام الإمامي، قد شكلت يومها مساحة سياسية تموضعت فيها الفكرة الحزبية، وتشكلت فيها أول الخلاياء الحزبية ذات المشاريع الثورية والتقدمية ={ حركة القوميين العرب حزب البعث… } التي كانت متطلعة لتغيير النظام الإمامي في الشمال وتحرير الجنوب اليمني من قبضة الاستعمار البريطاني ، ومع اندلاع ثورة الـ26 من سبتمبر بقيادة تنظيم الضباط الأحرار الذي كان على رأسه عشية الثورة على عبد المغني ( الثائر الشهيد والتنظيم السياسي المغيبين دائما في وسائل الإعلام ) شكلت تعز يومها بحكم خصوصيتها السياسية والحزبية الجهاز المفاهيمي الذي نفخ الروح الثورية بإستمرار في مسارات الثورة والجمهورية، بل أن الأحزاب السياسية من تعز قد دفعت يومها بجل أعضائها وكوادرها في معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية وهو ما انعكس على حجم حضورهم الكثيف في مؤسسات ومفاصل سلطة الثورة = { العسكرية والمدنية } حتى مشائخ هذه المحافظة لعبت دوراً إيجابيا مع الثورة وفي معركة الدفاع عن الجمهورية لكون هؤلاء المشايخ كانوا مؤمنون إيمان حقيقي بأهدافه ثورة سبتمبر وبالنظام الجمهورية وليس بدافع الخصومة الشخصية مع الإمام والنظام الإمامي كما هو حال بعض مشايخ القبائل الذين انضموا إلى صف الثورة في المحافظات الأخرى دون إيمان حقيقي بمشروع الجمهورية، بل عملوا بعد ذلك على إعاقة مشروع الجمهورية لصالح سلطة القبيلة السياسية التى ورثة السلطة في شمال اليمن
المحطة الثانية
بعد أن تدخلت مصر العربيه في دعم ثورة سبتمبر وتدخلت السعوديه في دعم الملكية الإمامية تحول المشهد في الشمال إلى حرب مفتوحة وطويلة بين قوات الثورة والقوات الملكية التى تدخل الطيران الإسرائيلي لنصرتها في عملية عسكرية ولوجستية ={ عملية المنجو} وعلى إثر الضغوطات على القيادة السياسية في مصر وطول فترة الحرب دون حسم، انعقدت بعض المؤتمرات بين القوى الثورية والملكية بهدف إيقاف الحرب والمصالحة السياسية،
في بعض تلك المؤتمرات السياسية بدأ يلوح في الأفق أن النظام الجمهوري أصبح بحد ذاته قابل للمساومة والتفريط في صفقة سياسية تعمل على إيقاف الحرب، ما يعني التخلي عن النظام الجمهوري والنظام الإمامي على حد سواء لصالح نموذج سياسي ثالث تم تسميته في إحدى تلك المؤتمرات = { بالدولة الإسلامية } لاسيما مع حدوث إنقسام داخل الصف الجمهوري بين قوى راديكالية وقوى تقليدية، أصبحت يومها هذه الأخيرة غير مكترثة بالضرورة ببقاء النظام الجمهوري، المهم عندها أن لاتعود أسرة حميد الدين للحكم من جديد ، وفي هذا المنعطف الهام حضرت تعز بزخمها السياسي والحزبي وبقيادتها السياسية وبوعيها الإجتماعي لتُشكل يومها حالة سياسية وجماهيره ضاغطة بالمظاهرات المتواصلة التي دفعت وفد الجمهورية لتمسك بخيار النظام الجمهوري .
المحطة الثالثة
بعد أن تمكن الجناح التقليدي في سلطة الثورة من الإنقلاب في الداخل على الخط الراديكالي وأزاح الرئيس السلال من رأس السلطة، وفي المقابل تمكنت السعوديه من إقناع أمريكا بتوجيه ضربة عسكرية خاطفة لرأس النظام القومي في مصر ( كلفت اسرائيل في 1967/ بتنفيذها ) على إثرها انسحبت القوات المصرية من شمال اليمن وهو ما جعل الثورة والجمهورية على مفترق طرق، لاسيما مع بقاء الدور السعودي حاضراً وفاعلاً في معادلة الصراع والحرب الأهلية في الشمال .
يومها قررت السعوديه دعم القوات الملكية بكل ثقلها السياسي والعسكري في معركتها الحاسمة للقضاء على الثورة والجمهورية مستغلة فراغ إنسحاب القوات المصرية، وفعلا زحفت القوات الملكية من كل حدب وصوب وأحاطت بصنعاء عاصمة الجمهورية من كل جانب فيما سمي يومها بحصار السبعين يوم، وفي المقابل غادر مدينة صنعاء عدد من القيادة السياسية والعسكرية والمشائخية خوفاً من تكرار مصير ثورة 48/ في حقهم ، وفي هذا المنعطف الخطير حضرت تعز من داخل صنعاء بشبابها المنتمين مبكراً للقوات المسلحة الذين تم تعيينهم من قبل وحداتهم العسكرية قيادة عسكرية أثناء الحصار، وهم عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئة الأركان وعبدالرقيب الحربي نائب رئيس هيئة الأركان ناهيك عن سلاح المدرعات والمدفعية والمشاة والصاعقة التي تولى قيادتها على مثنى جبران، محمد صالح فرحان، حمود ناجي سعيد، محمد مهيوب الوحش، وهؤلاء الضباط الصغار وحدهم من رفعوا من داخل شوارع صنعاء شعار الجمهورية أو الموت وصمدوا في وجه القصف والحصار الملكي سبعين يوم حتى تمكنت القوى الجمهورية خارج صنعاء وفي بعض المحافظات من توحيد صفوفها والمشاركة في المعركة العسكرية وفك الحصار عن العاصمة صنعاء، ناهيك عن حضور تعز بزخمها السياسي والجماهيري والحزبي في هذه المعركة الحاسمة التي أسقطت فعلياً كل الرهانات الداخلية والإقليمية والدولية في مسألة إستعادة الملكية والإمامة في شمال اليمن.