المواطن / كتابات _طه العزعزي
من المعروف أن الأعمال الروائية الأدبية التي ظهرت على التلفزيون كمسلسلات تم تحويل مادتها الحكائية وحبكااتها إلى سيناريست عملت على إيجاد قيمة فنية وذوقية يتلمسها المشاهد وهي من أخرجته من تعثره وسندته على نحو لم يكن سيناريست المقاولات في سوق الفن المتعجل أن يفعل ذلك أو يحفظ له مكان في أرشيف صدور العامة من المشاهدين .
الغريب من هذا النوع ، وربما على جانب لايتعدى الفكرة فقط أن يقوم عمل درامي على أساس قصيدة كتبت في سبعينات القرن الماضي ، إنني بلا شك لست مبالغاً في مقالتي هذه وقد أكون كذلك حين أنجح في أن أجد دليلاً يثبت صحة شكوكي في هذا الشأن ، ماحدث في مسلسل ” غربة البن ” مأخوذ بحذافيره من قصيدة ” مسعود هجر ” للشاعر الكبير سلطان الصريمي التي تماهت في وصف الغربة وحالة زوجة المغترب وحنينها وأشجانها وأوجاعها لغربة زوجها الذي هاجر مثقلاً بهم الدين والنكد وأسمه الذي يلتف عليه كأسم وطنه ” اليمن السعيد ” وهو ليس سعيداً ومسعوداً سوى بالإسم فقط ، إنها غربة البن ” الوطن ” وغربة مسعود ” إنسان هذا الوطن ” هي حاصلة وماتزال .
تكون قصيدة سلطان الصريمي ” مسعود هجر ” قد حفرت لها مكان في وجدان العامة خصوصاً في مدينتي تعز وعدن ، ولذلك لاتبدو الدهشة غريبة جداً وأنا أستمع لنقد حساس من العامة الذين أستمعوا لهذه القصيدة الصريمية وشاهدوا مسلسل غربة البن بأحداثه وشخصياته المسماه ” على حسب ” في أن يقفز بك أحدهم في الربط بين مسعود مسلسل البن ومسعود سلطان الصريمي ، وبين زوجة مسعود في كلا العملين الفنيين اللذان يلتقيان في آخر المطاف بعمل فني واحد أبدعت فيه فكرة الصريمي سلطان في إنقاذ الدراما اليمنية من مأزق الفكرة الدرامية وتعثرها ، بل وبين الغربة التي هي الأساس في القصيدة والمسلسل ، وأخيراً تأخذ المقارنة زمناً ومداً أبعد حين تكون العودة إلى الماضي تاريخياً هي سرة ربط جديدة بين زمن كتابة القصيدة ” سبعينات القرن الماضي ” واللحظه التاريخية للمسلسل الذي يعود بنا إلى ماقبل نصف قرن من الآن ، يدفعنا هذا العمل الدرامي الممتاز حقاً في المقارنة بين راهنية التاريخ المؤسفة والغير إفتراضية التي تثبت أنّ غربة البن المؤسفة ماتزال حتى الآن وكذلك غربة مسعود الذي يعارك بقساوة بين نقيضي الحياة والموت .
ومن جانب آخر ، كَتبت أو إدعت القاصة أروى الشميري أن عمل مسلسل غربة البن مأخوذ من مجموعتها القصصية ” غربة الضياع ، وفي صفحتها على فيسبوك عنونت أروى الشميري مقالها ” مسلسل غربة البن فكرته مأخوذة من مجموعتي القصصية غربة الضياع ” ، متهمة مدير مكتب الثقافة في تعز عبدالخالق سيف بسرقة فكرتها والذي كان قد منعها سابقاً في متجر بوك تايم الذي أقيم فيه معرض الكتاب في تعز 2019م من عرض مجموعتها القصصية، وبالنسبة إلى أن العمل ليس لديه مؤلف محدد وواحد فإن ذلك يكون قد زاد من حدة الأمر في مثل هكذا إدعاء ، من وجهة نظري أن العمل مأخوذ بحذافيره من قصيدة الصريمي ” مسعود هجر “.
يأخذ على هذا العمل الجميل والمرحب به بشوق وبفرحة كبيرة ، القليل من المآخذ وهي مآخذ تتعلق باللحظة التاريخية التي كان يجب أن يتم التعامل معها والعودة إليها بمنتهى الدقة وبمنتهى الخبرة الصارمة ، فتمثل لحظة تاريخية والعودة إليها شئ صعب جداً ومتعب في نفس الوقت ، مثلاً ” الملبس ” الذي هو من الصعب تحديد نوعه وشكله في تلك الفترة ، ومايأخذ على هذا العمل كما كتب صديقي الصحفي الجميل ” منصور أصبحي ” مذكراً بأنها ملاحظات إكسسواراتية كالتالي :
أولاً أنواع الأسلحة المستخدمة بالمسلسل كلاشنكوف الذي لايوحي بأن المرحلة قديمة وكان يفترض وجود ” فرنصاوي ، كندا ”
ثانياً كان يفترض أن يرث مسعود من جده ” جنبية ” بدلاً من الساعة الذهب
ولكني أخالف صديقي منصور أصبحي في ملاحظته الأخيرة بشأن الفنان عمار العزكي ” نشوان ” ولد مسعود من أن ظهوره سيكون ” أشبه بإستعراض شخصي أكثر منه تكاملي ” وهذا خطأ مقارنة بالدور الأصح والمكمل الذي سيقوم به ” نشوان ” في صنع الغد بإعتباره طفله ومحارب محور الشر ” حافظ ” الفنان الجميل والموهوب حسن الجماعي في القرية الذي بدى واضحاً من أول حلقة في المسلسل أن الجميع في القرية يخافون منه .
مايأخذ على المسلسل وهو مأخذ يجب تجاوزه بإعتباره مأخذ تسقط فيه الدراما اليمنية ولم تفلت من عقاله حتى الآن ، وهو مأخذ ” الضحاك ” أو التهريج الذي يعمل على رخاوة مفاصل العمل الدرامي وإضعافه ، وبالنظر إلى أن كبار ممثلي هذا العمل هم كوميدين بالأساس فإن ذلك لن يكون عائقاً مانعاً من تقديم عمل درامي خالص حتى وإن وجدت عليه مسحة بسيطة من الكوميديا التي يجب أن لاتكون سبباً لرخاوته وتشويهه درامياً .
ومن الملاحظات التي يجب على العمل أن يستفيد منها هو كلمة ” عاقل ” الذي كان من المفترض تسميتة بالشيخ بدلاً من العاقل إذ أن من المعروف أن أبناء القرى يسمون هذه التسمية خلافاً عن أبناء حارات المدن وساكنيها.
إن عمل مسلسل ” غربة البن ” عمل رائع وجهد كبير ، شخصياً أنتظرت أنا مثل هذا العمل لأعوام كثيرة ، لكن كان يجب على صناع هذا العمل الأشارة إلى أنه مأخوذ من فكرة الشاعر الكبير سلطان الصريمي الذي هو أباً لمسعود ولنشوان أيضاً الذي قدم له الكثير من النصائح ومن جعبته والذي هو فكرة حية للمقاومة مقاومة الشر وصناعه ” نشوان لاتفجعك خساسة الحنشان
ولاتبهرك إذا ماتت غصون البان ”
قصيدة سلطان الصريمي والتي غناها الفنان الكبير عبدالباسط عبسي .
قصيدة ” مسعود هجر ” .
واعمتي منوه شقول لمسعود ..
بعامنا الأول رزقنا مولود
مسعد هجر وخلف المصائب ..
والبعد طال وزادت المتاعب
من قلة المصروف وكثرة الدين ..
بكر مسافر فجر يوم الإثنين
وقت الوداع سلم وقال مودع ..
لاتحزنيش ششقي سنه وشرجع
شفارقك بعد الزواج بأسبوع..
العين تدمع والفؤاد موجوع
شتذكر الحنا وحمرة الخد..
شتذكر الزفه اليد باليد
واليوم لا مكتوب ولا صداره ..
وعود خلي كلها خسارة
مرت سنين والقلب مسكن الدود ..
ما أحد درى أين الحبيب موجود
واعمتي كيف البصر لحالي ..
ضاع لشباب وطالت الليالي
قوتي القليل من الشقا مع الناس ..
البسل أكل وجهي وشيب الرأس
واعمتي أبني هلك من الجوع . .
الحب زلج وأني مريض مفجوع
رك النظر وجرحوا السواعد ..
وكم شكون صبري وكم شجاهد
مقدرش عاد أشقي ولا أقدر أسأب..
ولا أقدر أتمهر ولا أطحن الحب
شهرين مريض ما أحد ظهر يراني ..
يارب تسامح الذي بلاني
أحرقتني لاتبكي يامحمد ..
الموت أفضل للفقير وأسعد
أبوك نسى الحنا وحمرة الخد
وأني الوفاء لحدي والموت يشهد ..
وصيتي يابني تكن شهاده
بأن أبوك أحرمني السعاده ..
لكن مسامح قد يكون مغدور
وربما هو الأخير مقبور .