المواطن/ متابعات
شارك الدكتور عبدالقادر علي البناء كباحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني – في الاجتماع السنوي لجمعية الصداقة الألمانية – اليمنية ، المنعقد يومي 10 و11 مايو 2019 .
وقدم الدكتور عبدالقادر وهو رئيس الدائرة الاقتصادية بالحزب الاشتراكي اليمني، ورقة عمل بعنوان (أوربا ودعم السلام واستعادة الدولة في اليمن) ، استعرض فيها بعض التغيرات التي شهدتها علاقات الغرب (ودول اوربا تحديدا) باليمن.
ركزت الورقة على التغيرات في الموقف الاوربي تجاه اليمن بعد اندلاع الحرب فيها عام 2015 ، رغم ان الأوربيين كانوا قد أظهروا تميزا ملحوظا في علاقاتهم خلال الفترة منذ2011 وحتى 2014 حين باركوا ارادة الشعب اليمني في التغيير وتحقيق الانتقال الديمقراطي وقدموا دعما ملموسا لانجاح الحوار الوطني الشامل والوصول الى توافقات هامة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة .
وحرصت الورقة على عرض رؤية الباحث لأهم الأسباب التي قادت الى التغير في موقف الاوربيين وتعاملهم دوليا مع الملف اليمني.
واقترح في ورقته ستة مسارات رئيسية يمكن أخذها في الاعتبار من طرف الاوربيين كي تظل مواقفهم وجهودهم لدعم السلام واستعادة الدولة منسجمة مع قيمهم ومع طموحات اليمنيين في سلام عادل ودولة ديمقراطية فدرالية عادلة تحترم الحقوق والحريات.
وفيما يلي نص الورقة التي ترجمت الى اللغة الالمانية ، وعرضت في الاجتماع:
ورقة عمل مقدمة للندوة المرافقة للاجتماع السنوي لجمعية الصداقة الألمانية – اليمنية،
10 – 11 مايو 2019 فرانكفورت
أوروبا ودعم السلام واستعادة السيادة في اليمن؟
مدخل:
لليمن تجربة تعامل مريرة مع محاولات الهيمنة والتدخل الخارجي في شئونه الداخلية ، وبالأخص من قبل دول الجوار الإقليمي ، رغم ان مصدر تلك التدخلات كان دوما استعدادا داخليا للخضوع للأجنبي . وخلال تاريخهم الحديث لم يهنأ اليمنيون إلا بمراحل محدودة جدا لميكن فيها للتدخل الخارجي دور حاسم في توجيه مسار شؤون بلادهم ، وهي المراحل التي مكّنتهم فيها توافقاتهم الوطنية أساسا من تحقيق منجزات هامة في طريق تطورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي المستقل. ولم يقتصر الدور على دول الجوار الإقليمي في إعاقة التطور المستقل للبلاد ، فالغرب ظل حاضرا في هذا المجال ، وهناك من يلوم دولا كأمريكا وبريطانيا تحديدا على تناسي قيمها و تغليب مصالحها السياسية والاقتصادية الضيقة في مواقفها وعلاقاتها الداعمة لحكومات يمنية استبدادية مارست بالمكشوف القمع والفساد وانتهاكا لحقوق الأساسية للشعب اليمني ، ويستغرب كثيرون كيف كان الغرب يعتبر تلك الحكومات ممثلا شرعيا للشعب ويتعاون معها رغم زيف شرعيتها ، وانكشاف وقائع ضلوعها بفساد رسمي جعل من ثروات البلاد الطائلة و من الدعم الخارجي عرضة لنهب منظم تتولاه مافيا فساد يقودها كبار النافذين في السلطة.
محطة متميزة في علاقة الاتحاد الأوروبي مع اليمن:
إن تجربة علاقات اليمن الخارجية مع العديد من الدول الأوروبية وما تلقته اليمن منها من دعم- تنموي سابقا ، إضافة الى دورها الراعي للحوار والتوافق الوطني خلال الفترة من 2011 – 2014 كشفت عن نوع آخر من علاقات اليمن الخارجية. فتلك الدول أظهرت تميزا في طبيعة ومصداقية دعمها الموجه أساسا للمجتمع و لبناء المستقبل . لذلك لا يزال الكثيرون اليوم يراهنون على إمكانية مواصلة دول أوربا لدورها المتميز في دعم اليمن لتجاوز محنة الحرب الأهلية الدائرة ، والسير مجددا في الطريق السلمي التوافقي لبناء دولة الديمقراطية والعدالة التي سبق لليمنيين أن توافقوا مطلع العام 2014 على أهم مقوماتها وأسسها.
كان الغرب قد بدأ بعد فبراير 2011 بإعادة النظر في تعامله مع المطالب العادلة لليمنيينالتواقين للتغيير ، و حتى العام 2014 كانت دول أوربا بالذات تدعم بأشكال مختلفة مطالب التغيير تلك ، وهو الدعم الذي ساعد – بقدر ما – على صمود المحتجين لأشهر طويلة في الساحات والشوارع وعلى وصول النظام السابق إلى قناعة للقبول بالحل التوافقي الذي فرضته المبادرة الخليجية ولائحتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن اللاحقة ، والذي ساعد اليمنيين كثيرا للوصول الى توافقات تاريخية هامة جسدتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني . وخلافا للدور الأوربي كانت دول الجوار الخليجية وإيران قد لعبت دورا معاكسا ، حيث واصلت رعايتها المكشوفة والمموهة لحلفائها من قوى النظام القديم والقوى التقليدية والدينية الطامحة لاستعادة سيطرتها على السلطة ، كما انها هي من دعم تماسك النظام وأمّن حصانة كافية لرموزه وللقوى المدافعة عنه ، وهي من حرص على تأمين استمرار نفوذه عبر الاتفاقيات والقرارات الإقليمية و الدولية التي اعتمدت لحسم الصراع . لذلك وجدت قوى التغيير في مواقف الدول الأوربية معادلا مهما وكابحا لدور دول الجوار المرعوبة كذلك من انتشار مطالب التغيير الى بلدانها في حال انتصار الثورة في اليمن . وقد تميزت المواقف الأوربية في الدعم المباشر لإجراءات تيسير وتأمين متطلبات الحوار بين الأطراف اليمنية وفي دعم القرارات الدولية الداعمة للحل التوافقي إضافة الى إصرارها على إشراك مختلف القوى السياسية والاجتماعية في الحوار الوطني الشامل وبالذات الشباب والمرأة ، ودعمها التأهيلي المتعدد الأشكال للقوى المدنية الطامحة للتغيير . وبذلك تأمّنت بيئة ملائمة لحوار بين أطراف شديدة التعارض وحول قضايا معقدة جدا ومصيرية ، و أنتجت اتفاقات لم يسبق لها مثيل بين الأطراف اليمنية . وبرغم اصطفاف جزء من القوى المحسوبة على أنصار التغيير الى جانب ممثلي النظام القديم وحلفائه ، إلا أن المناخ السلمي للحوار وتنوع آلياته وحدوثه أمام أعين الرعاة الدوليين وغياب فرص الاستقواء بالسلطة والمال والقبيلة والنص الديني ، كل ذلك هيأ أجواء ديمقراطية مواتية للوصول الى نتائج تيسّر وتسرّع خطوات الانتقال السلمي للسلطة والشروعفي إعادة بناء مؤسسات الدولة على الأسس المتوافق عليها في مؤتمر الحوار والمعلنة في يناير2014 ولقد كان لدول الاتحاد الأوربي وللأمم المتحدة دورا حاسما في تأمين ذلك.
الحرب تخرب مسار التميزٌ للدور الأوربي:
كان واضحا ان المناخ السلمي والتوافقي الذي تأمّن أثناء تجربة الحوار لا يجيد استثماره وتوظيفه سوى المتعطشين للديمقراطية ، أنصار التغيير والتحديث والدولة المدنية . لذلك سرعان ما استنفرت القوى الاخرى قواها لنقل المعركة الى المربع المحبب لها ، مربع العنف والمواجهات المسلحة المكشوفة ، وهو ما تحقق عبر انقلابها التدريجي على مؤسسات الدولة الشرعية منذ سبتمبر 2014 وحتى يناير 2015 ، ثم عبر السيطرة على معظم المحافظات وجر البلاد الى صراع عسكري واسع و حرب أهلية . وبعد اكتمال حلقات ذلك الانقلاب على الشرعية التوافقية ، اعتبر الحلف الداعم للشرعية أن الاستعانة بالخارج هو المخرج الوحيد المتاح لاستعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على ما تحقق من توافقات منذ 2011. فكانت استعانته بدعم عسكري خارجي ابتداء من مارس 2015 ، خطوة مهمة لتأجيج وتوسيع حمى الصراع العسكري والحرب الأهلية التي تتواصل حتى اليوم.
هكذا تمهّد الطريق أمام القوى المتضررة من الحوار ومن الانتقال التوافقي السلمي للسلطة ومن التحول الديمقراطي إجمالا كي تبدأ بخوض جولات حرب مكشوفة لاستعادة هيمنتها وسلطتها المتهاوية . ولأن أشباه هذه القوى كان نفوذهم قد انتشر حتى ضمن الطرف المحسوب على الشرعية التوافقية ، فقد انفتح بذلك مسار أسهل لإنفاذ مؤامرة أوسع على سيادة ومستقبل اليمن وعلى حلم أبنائه بالدولة المدنية الديمقراطية . لقد تكاملت ممهدات تدشين حرب مفتوحة لا أفق لوقفها بعد أن حبك مشعلوها ما يكفي من التبريرات لمواصلة خوضها باسم الدين و الوطن ، وحشدوا ما يكفي من وقود بشري لها وبعد أن تدافع المتدخلون من الخارج ليتكفلوا بالرعاية والدعم للمتحاربين من الطرفين .وفي هذا الوضع الجديد كان طبيعيا أن يتراجع الدور الأوروبي بعد زوال المقومات التي مهدت لتميزه السابق في رعاية الانتقال التوافقي السلمي.
اندلاع الحرب وتغيُّر دور الدول الأوربية في اليمن:
أمام ما خلفته الحرب من مآسي إنسانية لم يسبق لها مثيل ، ظل الأوربيون متميزون كعادتهم في مواصلة دعمهم الانساني لليمن عبر مختلف القنوات المتاحة ، إضافة الى مطالباتهم الحثيثة بوقف الحرب ومراعاة الحالة الإنسانية لضحاياها . لكن الأدوار الأوربية في دعم الجهود الأخرى لإحلال السلام وفي الحفاظ على التوافقات بشأن إعادة بناء الدولة اليمنية واستعادة سيادتها ، أخذت في التباين . واستطاع بعض من دول أوروبا – كألمانيا – التم ي ز في درجة اهتمامها بأن لا يطغى حرصها على مصالحها الاقتصادية والسياسية على مواقفها الداعمة للتحول الديمقراطي والمدافعة عن حقوق الانسان . لكن بعضها الآخر – من منتجي وبائعي السلاح تحديدا – لم تكره ان تجد سوقا رائجة لسلاحها ، كما ان منها من لم يرغب في فقدان علاقاته مع بعض القوى المحلية المتعاونة معه سابقا ومع بعض دول الإقليم التي تربطه بها مصالح واسعة ، فكان لا بد لذلك أن يترك أثره على دور اوربا في تعاملها مع الصراع الدائر في اليمن والمنطقة عموما منذ العام 2015.
مع تباين الدور الأوربي ، أصبح البعض يلوم الاوربيين ويتهمهم بالعجز عن لعب دور الوسيط الداعم للتحول الديمقراطي في اليمن ، خاصة بعد انخراطهم المباشر وغير المباشر بوساطات لمشاورات واتفاقات فرضت فيها الميليشيات نفسها كطرف يمُلي مطالبه حول مستقبل البلاد ، وهي مطالب تتعارض مع مخرجات الحوار ومع غيرها من التوافقات التي سبق للأوروبيين أن أسهموا بشكل متميز في بلوغها . إن عجز الأوروبيين عن مواصلة لعب دور فعّال مكمل لمنجزهم السابق في رعاية التوافق وفرض خيار التحول الديمقراطي استنادا الى مخرجات الحوار و القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ، قد أدخلهم في دوامة مشاورات ومساومات لا أفق واضح لها ، خاصة وأن القوى التقليدية و الدينية المتطرفة أصبحت صاحبة دور مهم في صياغة أجندتها ، فدعاة الحرب والمتسببين فيها أصبحوا مساهمين فعالين ومنتفعين مباشرين من مساومات قد تغدو وسيلتهم للالتفاف على مطالب التغيير الديمقراطي التي سبق التوافق عليها.
ونعتقد أن من بين الأسباب التي قادت إلى التغير في الموقف وفي الأداء الأوربي ، ما يلي:
أولا – ضعف تنسيق دول الاتحاد الاوروبي فيما بينها ومحاولة انفراد بعضها – كبريطانيا – في مواقف ومسارات خاصة بها ، دونما مراعاة لأهمية وجود موقف اوربي أكثر تنسيقا وتماسكا.
ثانيا – تر هل دور الأمم المتحدة ، وقبول الأوربيين السهل باستحواذ كل من أمريكا / بريطانيا دوليا و السعودية / الإمارات عربيا على الملف اليمني ، ليبقى دورهم ثانويا وتابعا لدول تبالغ في فرض مصالحها وأجندتها على مجريات التشاور والحوار لحل الصراع في اليمن.
ثالثا – تقب ل سياسة إضعاف وتحجيم دور القوى السياسية الفاعلة في اليمن ، وهو التوجه الذي فرضته دول الإقليم ، لاستبدال قوى التوافق السياسي الوطني بقوى التوازن العسكري الحامي لنفوذها على الأرض ، وقد استحسنت دول غربية هذا الوضع وبدأت بالتعامل الحذر مع القوى المحتكمة للسلاح ثم صارت تتقبلها كطرف فرضه الأمر الواقع .
رابعا – عجز الاوربيين حتى الآن عن تحديد حلفاء محليين منظّمين وموثوقين للعب دور الحامل الوطني لتطلعات غالبية اليمنيين . فبعد تمرد بعض القوى على مخرجات الحوار وعلى دور القوى السياسية في معادلة الحل التوافقي والسلمي ، كان طبيعيا ان تتولد لدى الاوربيين خيبة أمل ممن تلقوا دعمهم سابقا ، كرموز النظام السابق مثلا الذين أصبحوا موزعين على مختلف أجنحة الصراع . كما أنه من الطبيعي التوجس وعدم الوثوق بميليشيات وتنظيمات متطرفة وطارئة ، فهذه مفتقره لأي شرعية أو رؤية سياسية برنامجية مقبولة ، رغم ما تفرضه من وجود قوي على الأرض شمالا وجنوبا. لكن الأوربيين -للأسف- لا يزالون في الوقت نفسه مترددين من الانتقال للدعم الواسع للقوى الأكثر خبرة سياسيا والأكثر التزاما بقيم الحداثة والتحول الديمقراطي ، والسبب الضعف النسبي لهذه القوى على الأرض و موروثها الايديولوجي اليساري أو القومي المعادي للغرب ، وهو تردد ليس له ما يكفي من التبرير . ومن أجل أن تظل مواقف الدول الأوربية وجهودها لدعم السلام منسجمة مع قيمها و مع طموحات اليمنيين في سلام ودولة ديمقراطية عادلة تحترم الحقوق والحريات ، فإنه الى جانب مراجعة الاسباب المذكورة أعلاه ، يمكن أن يؤخذ في الاعتبار مستقبلا الآتي:
1 – أن جذر المشكلة وسبب نشوئها وتواصلها هو الانقلاب على التوافق الوطني والتوازن السياسي ، ولا بد من التعامل مع منفذي الانقلاب كمتسببين أساسيين في خلق المشكلة لا كضحايا ، وكساعين بالعنف للاستيلاء على السلطة وفرض نفوذ جماعتهم السلالية لا كدعاة سلام و دولة مواطنة متساوية ، وكمتعاونين مع قوى أجنبية لفرض نفوذها في اليمن والمنطقة.
2 – أن التدخل العسكري الخارجي انحرف بوضوح عن إطار المهمة التي بررت وجوده في اليمن في مارس 2015 ، وأصبح يعيق جهود السلام ، بسعيه لتعزيز و حماية مصالحه متجاوزا للقانون ، فهو ينتهك السيادة ويساعد على تقسيم البلاد ويفرض على الأرض سيطرة غير قانونية لقوى محلية تابعة له ، ناهيك عن الدمار والانتهاكات الانسانية الجسيمة التي تسبب بها . وعليه فتحقيق السلام يستدعي رعاية دولية حقيقية ، بديلة عن الهيمنة المطلقة للسعودية و الامارات ومن ورائهم (الامريكان والبريطانيين) على الملف اليمني ، و يستوجب حصر دور هذه الدول في المساعدة العسكرية والاقتصادية والإعمار الإلزامي للبلاد عبر السلطات الشرعية التوافقية ، مع الوقف الفوري للممارسات ذات الصبغة ” الاحتلالية ” للقوات المنتشرة في الأراضي اليمنية ، وإلغاء ما اُنشئ من ميليشيات يمنية لا تخضع للقانون اليمني وللقانون الدولي.
3 – أن سلطات الدولة الشرعية التوافقية برئاسة عبد ربه هادي تفقد استقلاليتها يوما عن يوم ، وتوشك على فقدان شرعيتها دوليا ، بعد أن أوصلتها الإملاءات من الأطراف المستفيدة من شرعيتها والممولة لبقائها ، الى وضع أنهى بنيتها التوافقية وغيّر مواقفها التي ارُيد لها ان تكون مجسدة لمشروع التغيير . لهذا فكيان الدولة الشرعي الجدير بالاعتراف الدولي ، يستدعي أولا استعادة العملية السياسية غير الخاضعة لإملاءات القوى الخارجية ، واستعادة دور القوى السياسية المؤهلة لتنفيذ مهام مرحلة انتقالية تؤسس للدولة الاتحادية . وتمهيدا لذلك لابد من استعادة استقلالية سلطات الشرعية وإعادة بنائها كليا على نحو توافقي مجسد للإجماع الوطني ولأفق التحول الديمقراطي . وذلك سيتطلب جهدا دوليا يفرض تواجد مؤسسات وطنية توافقية داخل حدود اليمن لا خارجها ، تجعل من يدعي الشرعية قادرا على امتلاك قرار سيادي على موارد البلاد كافة (بعيدا عن هيمنة الميليشيات أو الهيمنة السعودية – الاماراتية أو الإيرانية) ، ويمكن أن يبدأ ذلك بدعم وإشراف دولي مكثف لإعادة بناء مؤسسة الجيش والأمن على أسس وطنية في المناطق الأقل خضوعا لهيمنة الميليشيات والقيادات الادارية والعسكرية المتطرفة ، ويترافق مع ذلك إعادة بناء أهم المؤسسات الاقتصادية السيادية ووقف التعامل مع كل هيئات وممثلي الدولة اليمنية (من غير السلك الدبلوماسي) الذين لا يزالون يقيمون خارج الأراضي اليمنية.
4 – ان جميع ميليشيات وتنظيمات التطرف الديني والسياسي ومافيا الفساد في اليمن لا يمكنها أن تسمح بنجاح عملية السلام ، فبعد أن وجدت محيطا محليا وإقليميا داعما لها بشتى الوسائل ، جاءت ظروف الحرب لتهيئ لها مناخات أنسب لإعادة بناء كياناتها ولمراكمة موارد هائلة تمكنها من توسيع نفوذها وسيطرتها على الكثير من أقاليم اليمن ، ما يساعدها حتى على تأسيس دويلات طائفية . لذلك ينبغي الحرص على عدم حرف الصراع السياسي والاجتماعي عن مساره الحقيقي وعدم تأجيل مهمة التصدي للتطرف الديني والإرهاب الى ما بعد استعادة الدولة ، فالدولة ينبغي ان تستعاد الآن ايضا من ايدي هؤلاء ، ولا بد من إفشال جهود بعض دول الاقليم ومعهم المتطرفين اليمنيين الساعية الى تحويل الصراع في اليمن الى صراع مذهبي بحت (سني – شيعي) . فتلك هي الوسيلة الأمثل اليوم للمتطرفين دينيا لاستعادة سيطرتهم المباشرة وغير المباشر على سلطات الدولة.. كما ينبغي ضمان عدم تمكن الميليشيات من السيطرة على الدعم الدولي الواصل الى مناطق نفوذها ، حيث كانت ولا تزال تستثمره لدعم مشاريعها العسكرية والتوسعية.
5 – أن القوى الأكثر أهلية ومصلحة في تحقيق السلام ومواجهة الحرب الاهلية ومخلفاتها هي قوى التحديث (وفي مقدمتهم اليسار والليبراليين) الذين كان لهم تأثير بالغ في خلق التوازن السياسي والتوافق الوطني خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل ، وهم اليوم محتاجون لدعم وتنسيق جهودهم مع القوى المدنية و الاجتماعية الأخرى وبالذات الشباب والنساء ، لمواصلة نفس الدور وتشكيل تحالف وطني واسع توحده الأفكار المحورية لمخرجات الحوار الوطني . فبعد أن تدخلت عوامل الحرب وبدعم من القوى الاقليمية تم فرض توازن بديل يراد له التحكم بمصير البلاد ، هو التوازن العسكري – الديني لقوى الحرب التي سيطرت على الأرض بقوة السلاح ، وأصبح قيام تحالف وطني كهذا معادلا ضروريا لذلك التوازن العسكري ، وشرطا لنجاح العملية السياسية الكفيلة بإعادة فرض خيار السلام والتوافق الوطني . والاتحاد الأوروبي بقيمه المعروفة وخبرته المتراكمة هو الجهة الأكثر مصلحة وأهلية لدعم نشوء وتر سخ تحالف كهذا ليغدو قادرا على قيادة عملية استعادة وبناء الدولة ومؤسساتها على أسس ديمقراطية.
6 – بعد ما شهدته القضية الجنوبية من تعقيدات ومنازعات أصبحت تؤثر كثيرا على مسار تحقيق السلام واستعادة الدولة ، يمكن أن يغدو خيار دولة يمنية اتحادية ، يكون فيها الجنوب اقليما واحدا ، بحدود ما قبل مايو 1990 (وبشرط استفتاء مواطني هذا الاقليم حول تقرير المصير بعد عدة سنوات من إعلان الدولة الاتحادية) ، هو المدخل الأنسب لمعالجة القضية الجنوبية . والاتحاد الأوربي هو الجهة الأكثر أهلية لإقناع ودعم الجنوبيين في بلوغ هدف كهذا.
ــــــــــ
الدكتور عبدالقادر علي البناء
باحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني