صالح شمسان
جاء الـ 30 من نوفمبر، يوم الاستقلال الوطني الناجز، تتويجًا لانتصار ثورة 14 أكتوبر 1963م التي انطلقت من جبال ردفان الشامخة، معلنة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني الذي دام أكثر من أربع سنوات. قادت هذا الكفاح الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، بمشاركة بعض القوى السياسية. وكان المناضل البطل غالب بن راجح لبوزة أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر، بعد المواجهة الدامية بين جنود الاستعمار البريطاني والثوار بقيادته، حيث سقط شهيدًا في تلك المواجهة.
واصل الثوار كفاحهم المسلح وانتشر النضال في الأرياف والمدن، ليغطي كافة مناطق الجنوب، مما أجبر المستعمر البريطاني على الرحيل وانتزاع الاستقلال الوطني الناجز. هذا الحدث التاريخي الذي سنحتفل بذكراه الـ 57 غدًا السبت، هو يوم وطني خالد يذكرنا بالملاحم البطولية التي سطرها شعبنا اليمني في الجنوب، مقدمًا قوافل من الشهداء وكل غالٍ ونفيس من أجل الحرية والاستقلال.
بين مفهومين متناقضين
إن مفهوم الاستقلال الوطني ومفهوم الجلاء يضعاننا أمام فهمين متناقضين يجب التمييز بينهما، وسنحاول هنا توضيح الفرق الشاسع بينهما:
مفهوم الاستقلال الوطني
مفهوم الجلاء
يمثل كل من هذين المفهومين معنى وهدفًا مختلفًا عن الآخر. إن إطلاق مفهوم الاستقلال الوطني على يوم الـ 30 من نوفمبر 1967م كان تعبيرًا تبناه كل الثوريين اليمنيين الذين شاركوا في الثورة الشعبية المسلحة في الأرياف والمدن، وكذلك من أيدوا الثورة ووقفوا إلى جانبها. هؤلاء خاضوا النضالات السياسية والنقابية والجماهيرية حتى تحقق هذا الانتصار التاريخي بقيادة الجبهة القومية، التي لعبت الدور الرئيسي والحاسم في انتزاع الاستقلال الوطني.
معنى الاستقلال الوطني
يشير مفهوم الاستقلال الوطني إلى أن هذا الإنجاز تحقق بقوة السلاح، ولم يكن هبة أو منحة من المستعمر كما يروج البعض. بل هو انتصار حققته إرادة الشعب وتضحياته الجسيمة.
معنى الجلاء
أما مفهوم الجلاء، فيقلل من أهمية هذا اليوم العظيم ويضعف قيمة ثورة 14 أكتوبر ونضالات الشعب اليمني. استخدام هذا المصطلح يشير ضمنيًا إلى أن الاستعمار البريطاني غادر البلاد برغبة وقناعة ذاتية، وليس بفعل القوة المسلحة والإرادة الشعبية.
الأهداف السياسية خلف المصطلحين
إن استخدام مصطلح الجلاء يعكس موقفًا سياسيًا متناقضًا مع أهداف الثورة، وغالبًا ما يرتبط هذا الاستخدام بقوى كانت معادية للثورة والاستقلال الوطني. بعض هذه القوى تستغل الأوضاع الحالية من تمزق البلاد والانقلاب الحوثي-العفاشي لتقويض المنجزات الوطنية وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 30 نوفمبر 1967م.
إشكالية استخدام المصطلحات
المزعج أن بعض القوى السياسية التي تدعي المشاركة في ثورة أكتوبر المسلحة ما زالت تستخدم مصطلح الجلاء، رغم معرفتها الدقيقة بمعناه وأهدافه. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تسمح هذه القوى لنفسها باستخدام هذا المصطلح وهي تعلم تمامًا أنه يناقض نضالات وتضحيات الشعب اليمني ضد المستعمر البريطاني؟
إن استخدام مفهوم الاستقلال الوطني هو ما ينسجم حقًا مع نضالات الشعب اليمني، الذي أجبر المستعمر على الرحيل في الـ 30 من نوفمبر 1967م. هذا المصطلح يعبر عن عظمة الثورة وتضحيات شهدائها، ويبقى شاهدًا على إرادة اليمنيين في تحقيق الحرية والسيادة الوطنية.