المواطن/ كتابات – فارس إيغو
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأنا ما زالت محكومة بثقافة القطيع وعقليته
تبدو المشكلة الحقيقية للكائن العربي هي غياب الأنا الحرة، يعني غياب وعي الذات بذاتها وبحقوقها وبمستقبلها وبحريتها، وليس بمعنى الأنانية.
القضية الأساسية يجب أن تنطلق من سؤال: هل هناك كائن قادر على صناعة الحياة أم لا؟ كيف تكون الحياة قابلة للصناعة في غياب شخص يقول انبثاق الذات الحرة، أريد في هذه الفقرة الصغيرة أن أشير الى مسألة مهمة وحيوية، وهي تحرير الأنا من نظام التعالي الذي يجبرها أن تكون ليست هي، إن السلطة تقول لها يجب أن لا تتمظهري، المحافظة تقول لها يجب ألا تنضوي في العادات المتعارف عليها، الدين يقول لها يجب ألا تخرج عن الجماعة في طريقة تدينها إلخ إلخ، وبالتالي، كيف يمكن للأنا أن توجد خارج شرط الحرية؟ أي تظهر على النحو الذي تريده. الثورة عملياً سمحت للأنا أن تظهر وتقول ما تريده فيما يخص السلطة، لكن ولا أي كلمة نقد التراث ونمط التدين القروسطي. لقد ظهرت الأنا ظهوراً سياسياً ناقصاً، لم تعرف أن الحرية لا يمكنها أن تظهر في السياسة فقط، فإما أن تبزغ الأنا بصورة كاملة، أو تبقى “أنا” عرضة لتجاذبات قد تنتقل بها الى أقصى العقائد والأيديولوجيات المنغلقة على أنويتها المتصلبة الدوغمائية.
“الله وحده هو الذي أسقط النظام”
يقول المفكر المصري الراحل المأسوف عليه المصري علي مبروك، سقط نظام حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير 2011، مسلماً السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفي ذلك اليوم العظيم نزلت الى الشارع مع أحد الزملاء لنشارك الجموع الفرحة العظيمة بسقوط الدكتاتور، وفي طريقنا نحو ميدان التحرير مروراً بكوبري النيل صُدعنا لانتشار يافطات كُتب عليها “الله وحده هو الذي أسقط النظام”.
باختصار، إن هؤلاء المتظاهرين الذين كانوا يرفعون هذا الشعار، كانوا مقتنعين بقوة بما كتب على هذه اليافطات، وأن لا فعل للمظاهرات والحراك الشعبي في دفع الرئيس مبارك للتنحي، ولا لإرادة داعمي النظام العالميين بترحيله. ويفسر الأمر بانتشار العقيدة الأشعرية بين جمهور المؤمنين، بعد نزع إسلامية المعتزلة وأفكارهم واعتبارهم مرتدين. ومن المعروف أن الأشعرية تعتبر كل أفعال الإنسان (كسب) من الله، المؤمنين في المدرسة الأصولية الأشعرية هم مجرد مكتسبين للفعل، لا خالقين له.
يبدو أن الثورة الحقيقية يجب أن تبدأ في القاعات المظلمة لوعي أو للاوعي الإنسان العربي، حتى نستطيع الحديث عن تجديد فعلي للخطاب الديني، وثورة حقيقية في الواقع العربي، ينتقل فيه من وعي قروسطي يدور حول الدفاع عن الهوية الدينية، الى وعي حديث يعتبر الدين أمر شخصي بعيداً عن التسييس وعن الوعي الديني الجمعي.
التفكير المركب، كبداية للخروج من المستنقع العربي
جردة حساب الانتفاضات العربية، فيما عدا الاستثناء التونسي، يمكن القول إن النتيجة كارثية؛ حروب أهلية في سورية واليمن، حروب ميليشيات في ليبيا، وعودة الجيش للحكم من جديد في مصر. بالطبع، المسؤول الأول عن هذه الكارثة العربية هو النظام السلطوي المتوحش القائم منذ الخمسينيات في العالم العربي، لكن، لا يجب أن نقف هنا، دون إلقاء النظر في أسباب هذا الفشل في المعسكر الذي يطالب بالتغيير.
هذا الفشل يجب أن يدفعنا كمثقفين وناشطين مدنيين في الحقل الثقافي والسياسي الى مراجعات سياسية جذرية وإعادة تفكير في كل منظوماتنا الفكرية والسياسية التي نشتغل بها، لا الإغراق في التفكير الأيديولوجي المغلق (كممارسة من النوع الحديث لفقه النكاية عند دعاة الباراديغم الفقهي)، أو البكاء والتعويل والشتم والسباب على الأعداء الذين وقفوا ضد الثورة (وكيف لهم أن يفعلوا غير ذلك إذا كانوا أعداءاّ)، ولوم الأصدقاء لأنهم لم يقفوا ما يكفي أو خانوا في منتصف الطريق.
وإذا تتبعنا المدونات وما يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي فيما يخص الانتكاسة التي أصابت الانتفاضات العربية، لا نلقى سوى التبريرات وإعفاء النفس من النقد، والغرف حتى الثمالة في نظريات المؤامرة التي هي أرذل التفكير الايديولوجي المغلق. ويبدو أن رواج نظريات المؤامرة ليس فقط في العالم العربي، بل حتى في الغرب، والسبب سهولة تعاطيها وتداولها وتلقيها، في ظل هيمنة حضارة الصورة، وسيادة الفلاشات الكلامية الخاطفة، وبالتالي انعدام الصبر والقدرة على ممارسة وتحمل مشاق التفكير الاستراتيجي المركب.
* عن الحوار المتمدن