المواطن/ تحليلات – عيبان محمد السامعي
خامساً: دور قطر في اليمن:
تلعب دولة قطر أدواراً كبيرة في المنطقة العربية أكبر من حجمها كدولة صغيرة (دويلة), وما يفسّر الأمر هذا عاملان:
الأول: حجم الفائض المالي الذي تحوزه,
والثاني: مساعي النظام القطري لتأكيد “توجه مستقل” عن الهيمنة السعودية. ولهذا غالباً ما اصطدمت دولة قطر بجيرانها ولاسيما السعودية والإمارات, بلغ ذروة هذا الاصطدام فيما اصطلح عليه بـــ “أزمة الخليج” التي حدثت في يونيو 2017م حيث اتخذت كلاً من: السعودية, والإمارات, والبحرين, ومصر قراراً بقطع العلاقات مع دولة قطر وفرض ما يشبه حصاراً عليها بسبب علاقاتها مع إيران.
ويتمظهر الدور القطري في اليمن من خلال الوقائع الآتية:
_ قادت دولة قطر وساطة سياسية لإنهاء المواجهات المسلحة بين الحكومة اليمنية والحركة الحوثية في يونيو 2007م, حيث قضت بنود الوساطة بإنهاء الحرب الدائرة في صعدة مقابل مغادرة الحوثي وإخوته مع عائلاتهم والقائد الميداني البارز عبد الله الرزامي للإقامة في دولة قطر لفترة غير محدودة وعدم ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي معاد لليمن من قطر أو خارجها. بينما تساهم قطر ودول أخرى في تمويل إعادة الإعمار محافظة صعدة.[63]
وقد وقع على هذا الاتفاق في فبراير 2008، لكنه لم يصمد طويلاً إذ تجددت المواجهات المسلحة بين الطرفين في مارس 2008م, وقد اتهمت قطر عبر وسائل إعلامها علي عبدالله صالح الرئيس السابق بالوقوف وراء إفشال الاتفاق, بينما رد نظام صالح باتهام قطر بدعم الحوثيين.
_ شاركت قطر في إطار التحالف العربي الذي تقوده السعودية, لكن مساهمتها كانت محدودة وغير مؤثرة, وانتهى بها المطاف إلى الانسحاب منه في أعقاب تفجُّر أزمة أزمة الخليج في يونيو 2017م.
_ تُتهم قطر بتقديم دعم مالي لأطراف سياسية يمنية, وعلى وجه الخصوص حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي _فيما يبدو _ يرتبط بها من خلال جمعيات ومؤسسات خيرية تابعة له.
سادساً: دور تركيا في اليمن:
لتركيا مطامع قديمة _ جديدة في اليمن, ومن المعروف أن اليمن خضعت للاحتلال العثماني في مرحلتين: تمتد المرحلة الأولى بين أعوام (1538 – 1635م), والمرحلة الثانية (1872 – 1918م).
راهناً, تنامى النفوذ التركي في اليمن بُعيد ثورة 11 فبراير 2011م, من خلال العلاقات التي أقامتها السفارة التركية ببعض الأوساط السياسية وبالأخص المحسوبة على حزب التجمع اليمني للإصلاح.
ويلفت الكاتب عاتق جار الله الانتباه إلى النشاط التركي “في اقامة معارض ترويجية للجامعات التركية بغرض استقطاب الطلاب إليها فضلا عن تقديم منح دراسية محدودة «80 منحة سنوياً»، (…) وتقديم دورات [لتعلم] اللغة التركية وافتتاح معاهد تعليمية وحرفية واعادة ترميم بعض الآثار العثمانية، وتقديم عروض اقتصادية وتعريف التجار الأتراك بفرص الاستثمار في اليمن.”[64]
في مايو 2013م, تناقلت وسائل الإعلام خبراً يفيد بضبط السلطات اليمنية لشحنة أسلحة تركية الصنع في مديرية حيس التابعة لمحافظة الحديدة غربي اليمن, وأن الشحنة كانت تحتوي على أسلحة رشاشة ومسدسات كاتمة للصوت!
وتحتضن تركيا حالياً قيادات ونشطاء في حزب الإصلاح, أبرزهم: حميد الأحمر _ رجل الأعمال والشيخ القبلي, وتوكل كرمان_ القيادية في الثورة الشعبية والحائزة على جائزة نوبل للسلام.
وبصورة إجمالية يمكن القول بأن تركيا تخوض وبمعيّة قطر منافسة محمومة في مواجهة السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة ثانية للعب دور تأثيري في مجريات الحرب القائمة في اليمن وتقرير مستقبله, وتتمظهر هذه المنافسة المحمومة أكثر ما تتمظهر في محافظة تعز وسط البلاد.
سابعاً: دور الكويت في اليمن:
تحضر دولة الكويت في ذهنية الشارع اليمني أكثر ما تحضر في الدور التنويري الطليعي منذ سبعينيات القرن الفارط, إلى جوار الدور التنموي طبعاً.
وتتخذ الكويت من الاكتفاء بلعب دور الوسيط والنأي بنفسها عن التدخلات المباشرة أو التعسفية في أزمات المنطقة منهاجاً عاماً لسياساتها الخارجية وهو ما أكسبها ثقة واحترام واسعين.
وقد احتضنت الكويت الجولة الثالثة من المفاوضات بين السلطة الشرعية والانقلابيين في 21 أبريل 2016م, لكنها لم تسفر عن أي نتائج ملموسة بسبب تصلّب الانقلابيين.
كما تقوم الكويت _حالياً _ بأدوار في مجال الإغاثة الانسانية والعمل الخيري من خلال وكلاء محليين وجمعيات غالبيتها تابعة للحركة السلفية.
وفي هذا الصدد يشير الباحث اليمني د. أحمد محمد الدغشي إلى العلاقة التي يرتبط بها سلفيو اليمن بسلفيي الكويت, إذ ترتبط جمعية الحكمة اليمانية بعلاقة وطيدة بجمعية “إحياء التراث الاسلامي” الكويتية, وبحسب الدغشي فإن هذه العلاقة هي علاقة (الطالب بالمطلوب)[65] حيث الجمعية الكويتية هي صاحب اليد العليا وهي الموجه الفكري والمصدر التمويلي لجمعية الحكمة اليمانية.
ثامناً: دور مصر في اليمن:
لعبت مصر أدواراً مختلفة ومتناقضة في اليمن طوال العقود الستة الماضية, ويمكن إعطاء صورة بانورامية موجزة لتلك الأدوار على النحو الآتي:
_اتسم الدور المصري في اليمن خلال عقد الستينيات من القرن العشرين بمضمون تقدمي؛ فقد جاء في سياق المد القومي وحركات التحرر الوطني من الاستعمار, وبدافع نصرة ثورة الشعب اليمني ضد نظام الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين, وحماية النظام الجمهوري الوليد من التدخلات الرجعية السعودية والإيرانية اللتان ناهضتا الثورة ووقفتا في صف القوى الملكية.
وقد تواجدت مصر _ حينها_ بقوة عسكرية مهولة قُدّرت بـ 60 ألف جندي في اليمن, استشهد منهم 20 ألفاً ودفنوا في اليمن!
_كما لعبت مصر دوراً تنموياً مشهوداً في مجالات الصحة والتعليم والبنى التحتية وأسهمت في بناء جهاز الدولة اليمنية وتأهيل كادر مهني يشغل هذا الجهاز.
بلغ الدعم المصري السياسي والمادي لليمن ذروته مع الزيارة التاريخية للزعيم العربي جمال عبدالناصر في 23 أبريل 1964م, والتي استمرت لعدة أيام التقى فيها مسؤولين وشخصيات اجتماعية, وألقى خطاباً تاريخياً أمام حشد جماهيري بمدينة تعز وسط اليمن, وقال قولته المشهورة: على العجوز الشمطاء [يقصد بريطانيا] أن تأخذ عصاها وترحل من جنوب اليمن.
_انخرطت مصر في سياق صراع إرادات مع السعودية, لكنها خرجت خاسرة من هذا الصراع عقب هزيمة 5 يونيو 1967م, لتخلو الساحة اليمنية للاعب السعودي. فعقب هذا الانسحاب بأشهر معدودة رتبت السعودية وبالتنسيق مع أدواتها في الداخل لحركة انقلابية في 5 نوفمبر 1967م ضد عبدالله السلال _ أول رئيس جمهوري في اليمن الشمالي.
_على الرغم من تقدمية الدور المصري خلال الفترة المشار إليها, إلا أنه لم يخلو من أخطاء, فقد مارست المخابرات المصرية إبان عهد صلاح نصر صاحب الصيت السيئ تدخلات تعسفية وقامت بالتنكيل بالعناصر اليسارية والوطنية في البلاد.
_بعد أن غيَّب الموت الزعيم القومي جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970م, وطلوع أنور السادات إلى سدة الحكم, دخلت مصر في منعطف آخر مختلف شكلاً ومضموناً عن المرحلة الناصرية, إذ يممت “مصر الساداتية” وجهها شطر الغرب, وعقدت صفقة “كامب ديفيد” في سبتمبر 1978م مع اسرائيل لتضع نهاية لدورها القومي الريادي في المنطقة.
_في الحرب الأخيرة, شاركت مصر بإيعاز سعودي في إطار التحالف العربي, وهي مشاركة رمزية ليس للنظام المصري فيها أي قرار فعلي.
الهوامش والإحالات:
[63] راجع جريدة الأخبار اللبنانية, تقرير بعنوان: وساطة قطرية تنهي “التمرد الحوثي” في اليمن, 18 يونيو 2007م, رابط التقرير:
https://al-akhbar.com/International/191631.
[64] عاتق جار الله, التنافس الدولي وحدود الدور التركي في اليمن, مقال, موقع تركيا بوست, رابط المقال:
https://www.turkey-post.net/p-208880/
[65] راجع: د. أحمد محمد الدغشي, مرجع سابق, ص165.