قادري ٲحمد حيدر
المواطن- كتابات
مفهوم الأخر في الثقافة العربية والعديد من ثقافات العالم هو المقابل للأنا أوأحيانا العدو أو من يجب إجتثاثة، وإزاحته وإبعاده حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي جان بول سرتر : (الاخرون هم الجحيم ) وفي كثير من الوقائع الاجتماعية، السياسية، الثقافية نكون في حاله عراك مع الاخر أو في حالة دفاع مع ذاتنا,وحالة الأخر هو العدو في الداخل (الوطني) وفي الخارج (العالمي) مثلا مكافحة الإرهاب العالمي في صورة ( فوبياالأسلام ). ليبقى الاخر حاضر في غياب وضعف الدولة المدنية المؤسسية، وعدم استكمال حالة الاندماج الاجتماعي وهو ما يساعد على إنتاج حاله تمزق وتفكيك في الذات المجتمعية وانقسامها الي ممانعة للوحدة والتوحد مع الاخر، وغير قابلة للتعايش معه داخل المدينة الواحدة . إن أشكالية الاخر(التعددية)والموقف منهاثقافيا هي واحدة من أسباب تخلفنا وتأخرنا وهو ما يفسر غياب ثقافة التعدد والتنوع والقبول بالاخر، ثقافة الاعتراف بالخطاء والحق في الخطاء في الممارسة العملية-لأن الناس بشر وليسوا مطلقات مقدسة معصومية- وأن الاخر ليس عدوا لنا دائما، وحين نصل الى الإقتناع الكامل بأن الاخر هوأنا، وهو جزء مني، نكون قد بدأنا الخطوة الاولى في الطريق الصحيح نحو التعدد الثقافي الإبداعي والمساهمة الفاعلة في صناعة ثقافة وطنية ديمقراطية تعدديه على درب حضارة عالمية إنسانية واحدة* .
ان الحياة ليس مكانا للعنف والحرب فيمابيننا، بل مكاناللعيش المشترك الأنساني والدخول الي العصر ومواجهة تحدياته
فالتسامح والتعددية الثقافية خلاصة الإعتراف بالاخر، والقبول به كماهو، وكمايريدهو، ودون أي إعتبار للون والثقافة والعرق و اللغة،والمذهب،و الدين ، وبدون هذه القيم الخلقية لا يمكنناأن نضع ٲقدامنا على عتبة العصر،في تحدياته واشكالاته.
أذا اردنا ان نفهم انفسناعلينا ان نفهم الأخرالمتعدد حولناونحاوره، وان نشارك معا في صناعة ثقافة وقيم للعيش المشترك.
ان الخطوة الذاتية الثقافية الاولى تبدأ بمغادرة خطاب الثنائية والهويات القاتلة- في صورة ثنائيات: دار الحرب ، ودار السلم، دار الكفر ،دار الايمان ، الشرق ،الغرب، المسيحية، الإسلام، وهوخطاب كلالهويات المدمرة للثقافة،والمجتمع معا.
ان الإنتقال الى فضاء الحوار والتسامح والتصالح مع أنفسنا ومع الاخر، وأن نكسر حدة ظهور هذه الثنائيات، وأن نحول التعارضات العقائدية المذهبية والدينية الى الله، لانها ليست هي سبب الخلاف فالسبب الحقيقي في الارض، وليس في السماء، في صراع المصالح وتناقضها، وليس في العقيدة والمذهب والدين او السلالة.
لقدأكدت وقائع الحياة الانسانية في صيرورةالقيم المشتركة التي يصنعها البشر وأنه بدون الأخروبدون التسامح والتعدد والتنوع والحوارفاننالم نعرف انفسنا والأخرولن نكون في مستوى الاستجابة لتحديات العصر، ولايمكننا كعرب و يمنيين اليوم أن نعيش معزولين في حدود ذواتنا الثقافية أو في إنتظار فردوسنا المفقود ،والذي لن يعود الا بإعادة تاريخنا على قاعدة التعدد والتنوع والإقرار بالإختلاف، والحق في الخطاء ، وفي ذلك مصدر عظيم للتنوع الثقافي والتعددية المنشودة .
ان قضية الحقوق السياسية،والمدنية(الفردية، والجماعية)هي الجذر المفسرلكثرة مظاهرالعنف،والحروب في منطقتناالعربية
فلابد من احترامهالتأكيد
أواصر المواطنة حتى لاتتحول الجماعات ذات الحقوق السياسية في نظام قمع للمواطن الفرد
فالمواطنة هي تعبير سيادة الشعب والديمقراطية، وهي الوجة الاخرللدولة الوطنية، والمواطنة المتساوية*.
*إن عدم القبول بالأخر هي ميراث ثقافة الإقصاء المتبادل وعلى الجميع مغادرة كهف الماضي ورفض الإقامة فيه. ان عدم إقرارنا بحق الاخر الثقافي والديني، والاجتماعي، والسياسي والحقوقي هو الذي يمنع إمكانية تبلور ثقافة التسامح والتصالح والتعدد والإختلاف في ثقافتنا السياسية وفي وعيناالأجتماعي الثقافي ان سؤال الأخر الجوهري هوسؤال فلسفي، ثقافي، ومنه تتعدد معرفتنابالاخر سياسيا، وثقافيا، ودينيا، وعرقيا،..الخ وغالبا هما السياسي والديني لأرتباطهمابقضية السلطة والحكم، وكيف يوظف الدين لخدمة السياسي السلطوي، والذي يقف عائقالامكانية بلورة حقيقة واقعية للأخر
في الحياة المعاصرة- القرن الماضي- وجدت البشرية نفسها ٲمام ثلاث تجارب كبرى للمصالحة مع الماضي وهي :
١- ٲلمانيا النازية.
٢- جنوب ٲفريقيا العنصرية.
٣ – تشيلي العسكرية .
في الاولى حول كل مرتكبي الجرائم الى القضاء.
والثانية جرت عمليات إعتراف وإعتذار من كل مرتكبي القتل والتعذيب
والثالثة أغلق ملف المسألة من أجل الإنتقال الى الديمقراطية .
ونحن اليمنيين بوسعنا البدء من التجربة الثالثة وسبق للتجربة السياسية اليمنية الوحدوية ٢٢ مايو ١٩٩٠م والدعوة الى إحراق ملفات الماضي والبدأ في إعلان ميلاد جديد والقول إن الوحدة تجب ما قبلها الا إن نقض الوحدة السلمية التعددية السياسية بالوحدة بالحرب التي دمرت كل شيء، وقلبت موازين المعادلة السياسية والثقافية والديمقراطية رأسا على عقب وأوصلتناالي مانحن عليه اليوم من عداء وثقافة كراهية وعنف وحروب دون حل وتسويات وطنية تاريخية قدتودي الي تفكيك وتدمير الكيان الوطني اليمني* .
*أن اعلان حرب ١٩٩٤م قضت عملياعلى أي امكانية لتكريس قيم الحوار، وثقافة العيش المشترك بين جميع اطراف المعادلة السياسية والاجتماعية الوطنية، وقلصت امكانية الحوار الثقافي المجتمعي، وتراجعت معهاعملية التصالح والتسامح الثقافي الوطني في خطاب الكراهية والحقد، وحالة التمترس الثقافي المذهبي الجهوي الاقصائي (شمال، جنوب، زيدي، شافعي، سني،وهابي، شيعي، دحباشي، صفراربعه) وهي حالات انقسامية ذات طبيعة عرقية جغرافية ومذهبية ومناطقية.
ان حالة التراجع ليست محصورة في الجانب الثقافي التي كانت قائمة من عقدين من الزمن، وتحولها اليوم الي حالة عدائية تناحرية، وتشمل مناحي الحياة الثقافية والمجتمعية والوطنية والسيكلوجية، والروحية *فمنذالحرب المشؤمة1994م تكرست صورة الاخر (العدو) في الحالات الاتية:-
الاولى : صورةالاخر الجنوبي (القضية الجنوبية) وتوسيع ظاهرة ثقافة الاحتجاج السياسي الاجتماعي الجماهيري السلمي في مدن ومناطق الجنوب.
الثانية : صورةالاخر الديني المذهبي/ السلالي في حرب صعدة وماتشملة من تأسيس رؤية ثقافية وفكرية مذهبية، سلالية* .
*الثالثة : ثقافة التكفيروالعنف والقتل بأسم الجهادية الإسلامية، ضد (الخارجين) عن الدين والإسلام، وهي ثقافة لها صله بالثقافة الرسمية السائدة في الخطاب الثقافي الرسمي وهي حاضرة في البناء الفوقي للنظام (المدرسة، التعليم، الاعلام، مناهج المعاهد، والعقيدة السلفية الدعوية وجميعها جماعات ومؤسسات ثقافية وتعليمية وعسكرية محتضنة بين أجنحتها النافذة في السلطة تاريخيا) .
ويمكننا القول إن حرب ١٩٩٤م وان حسمت عسكريافي حينه الاأنها لم تحسم سياسيا ، وشقت الوحدة الوطنية عموديا وأفقيا وهي مازالت تنتج ثقافة سلبية مدمرة على مساحة كل الوطن ومازالت نتائجها تسحب نفسها على المستوى الثقافي والإجتماعي وإنتشار دائرة العنف ضد الاخر الوطني .
ان ظهورمصطلح دحباشي هي انعكاس لصورة شخصية سياسية وثقافية وقبلية فوضوية تجد سلطتها في ذاتهافي ضل غياب سلطة القانون (الدولة) اضاف اليها الشارع محمولات ودلالات اخري ربطها المخيال الشعبي بثقافة دولة القبيلة المساندة الي سلطة ثقافة المشيخة القبلية، فتحول المفهوم الي مصطلح سياسي ازدرائي، ويشمل ذلك كل ابناء الشمال. (وهناخطاء التعميم وخطورته) والذي ساعدعلى تعميمة حالة القهر السياسي، والفيد الاقتصادي، والثقافي، لكل تاريخ الجنوب.
*ان بروز حالة انقسامية في بنية المجتمع في الشمال والجنوب، هومايسمم الحالة الثقافية اليوم بعدم التسامح وثقافة العنف والكراهية ضد الاخر،ومن هنا يأتي الخوف والقلق على مستقبل الوحدة الوطنية ، والكيان الإجتماعي كلـه.
فالتعددية الثقافية ليست الا تنويع بسيط وأساسي على ذالك الاصل السياسي الإستبدادي الشمولي،والمتمثل في ثلاثية(المشيخية
القبلية،والعسكري،ورجال الدين السياسي) وهي الثلاثية المطلوب تفكيكها وإعادة إنتاجها على قاعدة سياسية وطنية تعدديه ديمقراطية حقيقية بما يحقق مصالح جميع اطراف المعادلة السياسية الوطنية اليمنية قاطبة .
ت/ سعيد محمد