فهمي محمد
في الساعة العاشرة وخمس دقائق من ليلة الجمعة، الموافق 2 أغسطس 2024م، كُنت على الهواء مباشر في برنامج “فضاء حر” على قناة “بلقيس”، بمعية صديقي العزيز الصحفي عبد العزيز المجيدي، حيث كانت الحلقة مخصصة حول بيان الأحزاب السياسية الصادر من تعز، في يوم الأربعاء الموافق 2024/7/31م، بخصوص الحديث عن التسوية السياسية المرتقبة على المستوى الوطني بين الحركة الحوثية والسعودية والسلطة الشرعية، التي أصبحت اليوم ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي.
ومع أن المشاركة المتلفزة، في برنامج عمره أقل من ساعة لا يمنحك مساحة كافية للحديث عن كل ما تريد قوله على اعتبار أن الوقت المتاح فيه ليس ملكك، فإنك مع ذلك تجد نفسك، في هذا الوقت المحدود، مرتبطا بالأسئلة المطروحة عليك من قِبل مضيفك، الصحفي هشام الزيادي، الذي لا يتردد في مقاطعتك.
لهذا وذاك، رأيت أن الكتابة هي التي سوف توفِّر المساحة الكافية للكلمة التي تريد قول كل شيء، لاسيما فيما يتعلق بأربعة معطيات سياسية وعسكرية محيطة بأجواء التسوية السياسية المرتقبة، ناهيك عن كون هذه المعطيات تشكّل حالة ممانعة للفكرة الوطنية، التي يجب أن تكون حجر الأساس في مداميك أي تسويات سياسية قادمة في اليمن.
بمعنى آخر، أن ما يزيد الأمر مدعاة للحديث والكتابة عن هذه التسوية أنها -من جهة أولى- تأتي بعد عشر سنوات من الانقلاب، ومن الحرب التي فقدت (تدريجياً) فكرتها الثورية في معركة المواجهة مع الحركة الحوثية الانقلابية.
ومن جهة ثانية، تأتي هذه التسوية في ظل حرص الأطراف على عدم الكشف عن تفاصيلها ونتائجها، بل في ظل ذهاب قيادة الشرعية والحركة الحوثية إلى تكذيب بعضهما البعض بخصوص ما تناولته وسائل الإعلام عن بعض بنود الاتفاق الناتج عن تدخل البنك المركزي بقيادة المعبقي في معركة المواجهة مع الحركة الحوثية.
ومن جهة ثالثة، فإن التسوية السياسية تأتي بعد حصول الحركة الحوثية على صواريخ نوعية جعلت زعيمها يهدد المملكة العربية السعودية «فعلاً» بضرب مؤسساتها الاقتصادية والنفطية، الأمر الذي أدى إلى خضوع هذه الأخيرة أمام تهديد زعيم الحركة الحوثية، وانكسار سلطة الشرعية أمام ضغوطات السعودية، والأمم المتحدة.
ومن جهة رابعة، تأتي التسوية السياسية المرتقبة في ظل تقليص مساحة المشاركة الوطنية على طاولة المفاوضات، ليس فيما يتعلق بالحضور السياسي للعقل السياسي الحزبي في هكذا تسويات مرتقبة تتعلق بمستقبل اليمنيين، بل وحتى فيما يتعلق بسؤال الشرعية نفسها، وحضورها كسلطة سياسية حاكمة، تمتلك عناصر الندية والقوّة المطلوبة في تقرير نتائج أي تسويات سياسية مرتقبة يجب أن تلبِّي مصالح الشعب اليمني بناءً على سؤال المستقبل، الذي يجب أن يكون في اليمن، وليس بناءً على ما هو محكوم برغبات مراكز القوى العسكرية داخل الجغرافيا اليمنية، والقوى الإقليمية في الخارج!!
إذن، مع هكذا معطيات سياسية وعسكرية محيطة، أو قل إنها تشكِّل مناخ التسوية السياسية المرتقبة، ناهيك عن كونها معطيات غير وطنية، نستطيع القول إن السؤال عن طبيعة التسوية السياسية المرتقبة، وعن در الأحزاب السياسية في هكذا منعطف، قد أصبح سؤالا مشروعا، كما أن التعاطي معه يصبح واجبا نضاليا على المستوى السياسي والإعلامي في اليمن.
كما أن السؤال عن كيف ولماذا وصل المشهد السياسي والعسكري في اليمن إلى هكذا منعطف سياسي وعسكري غير قابل (حتى مع عقد أي تسوية سياسية مرتقبة) لإنتاج شروط الدولة الوطنية الديمقراطية في اليمن، هو السؤال الذي يجب أن تتكلم بخصوصه قيادة الأحزاب السياسية، وبكل شجاعة، وبعيدا عن لغة الدبلوماسية السياسية؛ لأن الصمت السياسي، لا سيما من موقع المسؤولية الوطنية والحزبية الملقاة على عاتق قيادة الأحزاب السياسية في هكذا منعطف، لا يعني سوى جريمة سياسية في حق الشعب إذا لم يكن في حكم الخيانة العظمى.
وبرغم أهمية هذا السؤال الموجع إلا أنه، وإن كان بعد عشر سنوات من الانقلاب والحرب، لم يعد -بالنسبة لي- سؤالا صادما، بل متوقع حتى مع حجم الثمن المدفوع في سبيل فكرة التغيير، فإن الإجابة عنه بأثر رجعي أصبحت ضرورية ليس للمساهمة في كتابة الحقيقة التاريخية أمام الأجيال القادمة فحسب، بل أيضا من أجل الحاضر الذي يتم تجريده اليوم من كل ما هو ضروري في السياسة الوطنية.
بمعنى آخر، يجب أن تتكلم قيادة الأحزاب السياسية وتمارس فعلها السياسي من أجل تزويد الحاضر بمعطيات سياسية وطنية مؤهلة لخوض معركة الانتصار السياسي للمستقبل، الذي يجب أن يكون حاضرا ومعبِّرا عن تتطلّعات الشعب اليمني في القرن الواحد والعشرين.
وإلا ماذا يعني أن تكون في هذه الظروف قائداً سياسياً، وعلى رأس حزب سياسي، إذا كنت عاجزا عن ممارسة الفعل السياسي الوطني، وأكثر من ذلك لا تملك الشجاعة المطلوبة حتى في قول كلمة السياسية المعبّرة عن تطلّعات الشعب، لاسيما حين يُراد عقد تسويات سياسية تتعلق بمستقبل الشعب ومصير الأجيال، ومع ذلك تكون نتائجها محكومة سلفا بمعطيات غير وطنية كما هو الحال مع المعطيات السياسية والعسكرية، التي سوف تحدد طبيعة التسوية السياسية المرتقبة في اليمن.
بيت القصيد: مثل هذه المعطيات لم تأتِ من فراغ، كما سوف نوضح ذلك، كما أنها سوف توظف سياسياً لمصلحة الحركة الحوثية في أي مخرجات سياسية متفق عليها لأي تسويات سياسية مرتقبة ما لم يكن هناك فعل سياسي وجماهيري، وعلى وجه الخصوص حزبي، يقول كلمته الوطنية وفعله السياسي تجاه عبث الحركة الحوثية ودول التحالف العربي، وحتى تجاه سلطة الشرعية التي أصبحت تحضر للتوقيع بعد ينتهى النقاش وتغلق محاضر الجلسات على طاولة المفاوضات السرية بين الحركة الحوثية والمملكة العربية السعودية بناء على المعطيات السياسية والعسكرية التي أصبحت تشكل حالة موضوعية بعد عشر سنوات من الإنقلاب والحرب في اليمن!