تقرير/ امين الحاشدي
نزحت “ابتهال علي” (اسم مستعار) من إحدى المناطق الريفية الى تعز بعد طلاقها من زوجها، تقطعت بها السبل واضطرت إلى العمل في ظاهرة أصبح يقال عنها مهنة الرزق السهل باليمن، في ظل ظروف معيشية صعبة يعانيها ملايين السكان، التي تسببت بها الحرب الدائرة منذ مايقارب تسعة أعوام.
ففي كل صباح يوم تذهب “ابتهال” لتمارس عملها الجديد الذي لم تعتاد عليه، لجني بعض المال الذي قد يغطي احتياج طفلاتها الثلاث، فلم تجد سبيل لإطعامهن الا باللجوء إلى ممارسة التسول في شوارع مدينة تعز.
تقول ابتهال التي تبلغ من العمر35 عاماً، بانه لا يوجد لديها من يعينها على ان توفير لقمة العيش لأطفالها وبان والديها متوفيا، فوجدت نفسها تتجول الشوارع لطلب المال حتى تستطيع شراء علبة حليب لطفلتها التي لم تتجاوز بعد الثلاثة الأشهر.
إرث سلوكي وظروف معيشية
مع تردي الأوضاع الاقتصادية لدى أغلب الأسر اليمنية جراء الحرب التي أشعلها انقلاب جماعة الحوثي نهاية 2014م، تتوسع ظاهرة تسول النساء بشكل لافت، حيث يقول دكتور علم الاجتماع السياسي في جامعة تعز ياسر الصلوي، “إن الحرب في اليمن تعد السبب الرئيسي في تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للكثير من النساء في البلاد وقد ظهرت من خلالها عدة دوافع وأسباب تدفع بعضهن للتسول”.
واشار في حديثه لـ “المواطن” الى أن عوامل الفقر وفقدان مصدر الدخل وارتفاع معدلات البطالة جعلت العديد من النساء في ظل هذه الأوضاع يعانينَّ، ويلجأن إلى التسول لتلبية احتياجاتهن الأساسية وأسرهن، لافتاً إلى أن النزوح والإعاقة والعجز، يمنعهن من العمل والانخراط في الحياة الاقتصادية بشكل عام، مضيفاً “هذه العوامل ليست وراثية بحد ذاتها، بل نتيجة للتأثيرات الاجتماعية والثقافية على الأفراد”.
أما دكتور علم النفس بجامعة تعز “جمهور الحميدي” لديه نظرة مختلفة لتزايد عدد النساء المتسولات، حيث يرى ان الظاهرة يقف وراءها سلوك قهري مرتبط، معتمداً بذلك على حالات تمارس التسول وتم دراستها ومعرفتها من قبل بعض النشطاء والاخصائين، وتبين ان بعض من يمارسون التسول كفعل قهري، يقومون به ليس بدافع الفقر، مضيفاً “المرأه التي تخرج الى التسول من السهل اجبارهن على الرذيله وغيره من هذه الممارسات”.
التأثيرات تمتد إلى الأسرة والأبناء، فتصبح الأسرة أكثر تفككاً وإصابة بالعديد من السلوكيات المنحرفة.
النساء عرضة للاستغلال
دوافع كثيرة ساهمت في لجوء بعض من النساء الى التسول مما قد يؤدي إلى إحداث تأثيرات سلبية عليهن والمجتمع خاصة اطفالهن وبهذا الشأن تقول الناشطة “أميرة بازاهر” لـ “المواطن” أن تزايد ظاهرة التسول لدى النساء تؤثر بشكل سلبي وتجعلهن عرضة للأمراض النفسية والجسدية وتتعرض للاهانة والتحقير.
وأشارت إلى أن التأثيرات تمتد إلى الأسرة والأبناء، فتصبح الأسرة أكثر تفككاً وإصابة بالعديد من السلوكيات المنحرفة.
وتعتقد بازاهر أن غياب الأم عن المنزل وذهابها للتسول يؤدي إلى ضياع الأبناء وانحرافهم وتدني مستواهم التعليمي، وأردفت قائلة “يزداد الوضع خطورة على المراهقين عندما يبحثوا عن من يحتويهم خارج المنزل نتيجة فقدان رعاية واهتمام الأم”.
ويتفق ياسر الصلوي مع “بازاهر” أن تداعيات انخراط النساء في التسول، سلبية على المجتمع بشكل عام وعلى النساء بشكل خاص، “مشيراً” إلى أنه قد تتعرض المتسولات للتمييز والعنف من قبل المجتمع، وقد يتعرضن للعديد من المخاطر كالاستغلال والاعتداءات الجسدية والجنسية واللفظية”.
حلول تتضمن هذه المشكلة.
في ظل تزايد عدد النساء اليمنيات المتسولات، غاب دور المنظمات العاملة في المساعدات الإنسانية والمهتمة بحماية المرأة، وفي هذا السياق يقول ياسر الصلوي بأنه يمكن أن يكون دور المنظمات حاسماً في مكافحة انخراط النساء في التسول وتخفيف تداعياته، وذلك من خلال تقديم الدعم العاجل والمساعدة للنساء، بما في ذلك الإسكان والغذاء والرعاية الصحية والدعم النفسي، وتوعيتهن وتثقيفهن حول المخاطر المحتملة للتسول وكيفية الحماية منها.
ويضيف الصلوي ” من أهم الحلول لمعالجة مشكلة تسول النساء ؛ توقف الحرب وتحريك عجلة الاقتصاد ، بالإضاقة لتوفير فرص عمل مناسبة وتعليم عالي الجودة للنساء، يمكنهن من الحصول على فرص عمل مستدامة وكريمة”، وتوفير الدعم الاجتماعي والاقتصادي لهن من خلال المساعدة المالية والتدريب والتأهيل المهني وتشجيع المشاركة النسائية في صنع القرار والمشاركات الإجتماعية.
من جانبها قالت صباح الشرعبي رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، أن منظمات المجتمع المدني لم نلمس لها أي دور في احتواء النساء والحد من انخراطهن في التسول، لافتة إلى أن معظم المنظمات تركز أنشطتها للنساء اللواتي لديهن مشاريع تقدم لهن الدعم وتوسع اعمالهن أي أن الفرص تذهب للنساء اللواتي لديهن معاريف وعلاقات “أي محسوبية”.
ممارسة النساء لهذه الظاهرة تعد أكثر خطورة من الرجال، باعتبار ان لها دور اجتماعي يجب ان يحترمه المجتمع ويتعامل معه بنوع من الرقي.
أثر اجتماعي يلاحق النساء
ينعكس سلوك ظاهرة التسول نفسياً واجتماعياً على النساء اللواتي يمارسن التسول مما يجعلهن فاقدات للشخصية، ويقول جمهور الحميدي، لـ “المواطن” أن الجوانب النفسية المرتبطة في هذه الظاهره تتمثل في تدني مفهوم الذات، والانهيار النفسي، وصوره سلبية عن السمات الشخصية وعن التكوين الانطباعي للفرد امام نفسه.
وأوضح أن ممارسة النساء لهذه الظاهرة تعد أكثر خطورة من الرجال، باعتبار ان لها دور اجتماعي يجب ان يحترمه المجتمع ويتعامل معه بنوع من الرقي.
ويصف الحميدي تسول النساء بالكارثة التي تطال الأسرة، ويؤثر ذلك على الأطفال حيث ينعكس عليهم في مرحلة الكبر، مما يؤدي إلى عدم قدرتهم على القيام بأي مهارات اجتماعية او مهنية ويصبح لديهم مفهوم ذات سلبي ويشعرون بالعجز.
واضاف الحميدي ” نحن نلاحظ في حياتنا اليومية المتسولين يقومون بطلب المال وترد عليه بعض الأشخاص انه لا يمتلك المال فنجده لا يفهم المتسول ذلك ويفهم فقط انه يريد ان يحصل على المال، وبالتالي آثار نفسيه واجتماعية وشخصية واقتصادية وبداية لإنهيار وخراب مجتمع بأن يحاول ان يصل الى مرحله من ممارسة التسول كاظاهرة اجتماعية سيئة”.
وأشار إلى أن الأثار تطال الأسرة بكافة افرادها، وتنتقل ظاهرة التسول بين الأجيال وتصبح بمثابة عرف وثقافة، مؤكد أن الظاهرة بحاجة الى دراسه وبحث، ووضع البرامج التي تحد من انتشارها.
ووفق تقديرات صادرة عن الأمم المتحدة في أحد تقاريرها الأخيرة أشارت إلى أن الأزمات والتدهور الاقتصادي والمعيشي المخيف في اليمن قد دفع بنحو 40% من اليمنيين إلى تحت خط الفقر كما أشار التقرير الأممي إلى أن عدد المتسولين في اليمن يتزايد كل يوم من الجنسين ومن مختلف الأعمار في ظل الأزمة الطاحنة التي تعصف باليمن منذ أكثرمن عام.
وكشف استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر أبريل2022 م، حول ظاهرة التسوّل في اليمن، أن أكثر الفئات اليمنية تسولًا 44% الأطفال، 39 % النساء، 13% المسنين، فيما 4% ذوي الإعاقة.
وفي ظل تزايد عدد المتسولات في مدينة تعز ومحافظات الجمهورية، وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلد، وغياب دور الجهات المعنية الرسمية والأهلية، ماذا ينتظر المرأة اليمنية مستقبلاً وهل سترتفع نسبة التسول بين أوساط النساء.
هذه المادة “نشاط طلاب مستوى ثالث شعبة الصحافة والنشر الالكتروني بجامعة تعز، اسماء الطلاب: شيماء الشرعبي، صفاء البريهي، هبة نوري، اسماء الصامت، احلام جميل، هالة عائض”، ونشرت في موقع “المواطن نت”