جميل الجعدبي
من أصل 5 جرع متتالية تلقَّاها أطفال عبدالجليل هادي المعافا (40عاماً – مزارع)، تبقَّت جرعة واحدة من لقاح داء الكلب لإنقاذهم من موت محقق، حينما جمعت براءة الطفولة أربعتهم حول كلب مسعور صغير الحجم، يدسُّون الطعام في فمه، ويسقونه حليباً مجففاً، يقول الطبيب المعالج انهم تعرضوا لعضّاته، لينتقل اليهم فيروس داء الكلب القاتل، الذي يشكِّل الأطفال 40% من ضحاياه عالمياً.
سارع عبدالجليل، الذي يقطن مديرية نهم – ضواحي العاصمة صنعاء، عقب الحادثة بساعات لإسعاف أطفاله (عبدالله- 17 عاماً، أبرار 8 سنوات، محراب 7 سنوات، محمد 5 سنوات)، إلى وحدة داء الكلب في المستشفى الجمهوري التعليمي بصنعاء، وإعطاء أطفاله الجرعة الأولى من اللقاح، ملتزماً في ما بعد بمواعيد الجُرع التالية في المواعيد الزمنية المحددة في استمارة المعاينة لكلٍّ منهم.
ويفيد الطبيب المختص بوحدة داء الكلب، على هزاع، بتعرض الأطفال الأربعة لعضّات الكلب، وإحتمالية إنتقال فيروس داء الكلب اليهم عبر لعاب الكلب ايضاً.
الوعي الصحِّي الذي يتمتع به عبدالجليل للتعامل مع هذه الواقعة، التي جمعت أطفاله للعب مع كلب صغير، لم يأتِ من فراغ، فقد دفعت القرية كلها ثمناً باهظاً لذلك، حينما توفِّي صديق له من أبناء القرية، العام الماضي، متأثراً بعضّة كلب تبعها إهمال ولا مبالاة في تلقي اللقاح.
إصابات متزايدة ولقحات شحيحة
يتزايد عداد ضحايا داء الكلب في صنعاء وضواحيها، فخلال الفترة 1- 25 كانون الثاني / يناير 2023م، بلغت الإصابات المسجَّلة في عيادة وحدة داء الكلب بصنعاء 439 حالة، بالإضافة إلى حالة وفاة واحدة، تضاف إلى 33 حالة وفاة العام الماضي 2022م، والذي سجَّل 3769 إصابة.
الحرب التي تعيشها البلد منذ 8 سنوات، تسببت هي الأخرى في شحة اللقاح وانعدامه أحيانا وانقطاعه لفترات طويلة، مقابل اتساع رقعة الوباء وتزايد ضحاياه يومياً وسنوياً، وانتشار الكلاب السائبة في الأرياف والمدن الرئيسية.
حسب الطبيب المختص بوحدة داء الكلب، علي هزاع، فإن مؤشرات هذه الأرقام تعدُّ مقلقة، موضحاً لـ”المواطن نت” استقبالهم ما بين 20 إلى 25 حالة يومياً، كحالات إصابات جديدة، خلافاً للحالات المترددة لتلقى جرعات اللقاح، “ما بين 40 إلى 50 حالة”.
ويوصي هزّاع عند وقوع إصابة بعضَّة كلب أو أي حيوان آخر، بالمسارعة إلى تنظيف الجرح بالماء الجاري والصابون، بطريقة جيدة تضمن نظافة الجرح، قائلاً: “هذه الطريقة تضمن 50% من المعالجة”، ناصحاً بعدم ربط الجرح عند إسعاف المريض لتلقي اللقاح: “الأفضل أن يكون الجرح مكشوفاً لطرد مسببات المرض بخروج السوائل”.
سيضطر الشاب، كنعان يحيى العابد -17 عاماً – لمراقبة كلب وصفه بـ(البوليسي) لمدة 10 أيام، ويقول: “في حال مات الكلب سوف أعود لاستكمال جرع اللقاح حسب تعليمات الطبيب”، ما يعني في هذه الحالة أنّ الكلب مصاب بالفيروس القاتل، مضيفاً: “إذا عاش الكلب بعد 10 أيام لن أعود لتلقي بقية الجرع”.
أصيب كنعان بعضّة كلب في فخذه الأيسر حينما اتجه نحو كلبٍ رابضٍ على مقربة منه ورفاقه بزاوية شارع فرعيّ، بحي القادسية (جنوبي صنعاء)، محاولاً إفزاع الكلب لإخلاء المكان الذي يحتاجونه للعب كرة القدم، وبينما كان كنعان يجري نحو الرصيف بعد إكمال مهمته، باغته الكلب قابضاً بأنيابه الحادة فخذ كنعان الأيسر.
نصائح وقائية وشائعات مضادة
تحت عنوان (الوقاية خير من العلاج) يمنح المصاب بعضّة كلب عند وصوله إلى عيادة وحدة داء الكلب- المستشفى الجمهوري صنعاء- استمارةً تتضمن بيانات المصاب وموضع الإصابة وتاريخها، بالإضافة إلى تاريخ الزيارة الأولى، والتي يُعطَى خلالها المصاب اللقاحَ المصل المبيَّن نوعه وكميته وبلد المنشأ، وجدولاً بيانياً بمواعيد التطعيم “يتوجب على المصاب الحضور فيها”.
لم يسلم لقاح داء الكلب في صنعاء من وباء الشائعات الرائجة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أوساط المجتمع، فبحسب عاملين في عيادة وحدة داء الكلب، فإن بعض المصابين يتجهون للعلاج في عيادات خاصة غير متخصصة بعلاج هذا الداء.
ويشير هؤلاء العاملون إلى قيام بعض العيادات الخاصة باستخدام الثوم لعلاج إصابات عضَّات الكلاب، “حيث يقومون بدعك فُصّ الثوم على الجرح”، مؤكدين عودة أعراض المرض بعد ذلك بنحو شهرين، وأن استخدام الثوم بديلاً عن المصل الخاص بداء الكلب يعرض حياة المصاب للخطر.
تأتي هذه الشائعة بعد أيام على رواج شائعة مرتبطة بالوباء انتشرت بشكل واسع، زاعمةً وجود فتاة يمنية تقوم بامتصاص دماء الكلاب، بعد تعرضها لعضة كلب، كما تدعي الشائعة، قبل أن تنفي السلطات هذه المعلومات، مشيرة إلى أن الفتاة تعاني من إصابة قديمة إثر سقوطها من سطح المنزل، “ولا حقيقة لادعاء تعرضها لعضة كلب أو امتصاصها لدماء الكلاب كم زعمت الشائعة”.
خدوش ظاهرة
لا تزال خدوش أنياب كلب ظاهرة على سطح يد الشاب محمد أحمد البخيتي – 17 عاماً- الذي التقيناه في عيادة داء الكلب بالمستشفى الجمهوري التعليمي بصنعاء، أثناء تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح، إثر إصابته بعضة كلب في منزل أحد أصدقائه يوم الأحد 22 كانون الثاني/ يناير 2023م.
أراد محمد ملاطفة كلب صديقه، حينما جاء الكلب مسرعاً باتجاهه، فوضع يده اليسرى على رأس الكلب، الذي بادل محمد التحية بنهش يده اليمين، يقول محمد: “وضعت يدي فوق رأسه، وفجأة عضَّني ولا رضي يفكّ”، قاصداً بذلك أن الكلب أطبق فمه على يده ولم يتمكن من إخراجها.
يبدو محمد الذي يقطن حي سعوان (شرقي العاصمة صنعاء) مطمئناً، فكلب صديقه ما يزال حياً، مشيراً في روايته لـ”المواطن نت” إلى أن الكلب يتلقى لقاحاً احتياطياً ضد داء الكلب كل 6 أشهر، وهو ما يعني – حسب هذه الرواية – أن الكلب ليس مسعوراً.
وضمن إشعاراته الصحية للسفر، يوصي مركز السيطرة على الأمراض – أحد المكونات التشغيلية الرئيسية التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية في أمريكا- من يعتزمون السفر إلى اليمن بوضع التطعيم ضد داء الكلب في اعتبارهم، قائلاً إن الكلاب المسعورة منتشرة بشكل شائع في اليمن.
أعراض وتوصيات وقائية
حسب أدلة MSD الإرشادية يبدأ داء الكلب بحُمَّى وصُداع وشعور بالمرض، ويُصبِحُ معظمُ الأشخاص متململين ويُعانون من الخلط الذهني والهياج ، وقد يكون سلوكهم غريباً، وقد يُصابون بالهلوسة ويُعانون من الأرق.
وتشير هذه الأدلة الطبية إلى ازدياد إنتاج اللعاب لدى المصابين، وحدوث تشنجات مؤلمة في عضلات الحلق والحنجرة، “ويُمكن أن يحدث تحريض التشنجات من مجرَّد التعرض إلى نسمة هواء أو مُحاولة شرب الماء، وبذلك لا يستطيعُ مرضى داء الكلب الشرب. ولهذا السبب، يُسمَّى هذا المرض رُهاب الماء hydrophobia (الخوف من الماء) في بعض الأحيان”.
ويصاب الأشخاص عادة بعدوى داء الكلب إثر تعرضهم لعض أو خدش عميق من حيوان مصاب بالداء وهو الكلب في 99% من الحالات، ويمكن أن تنتقل العدوى أيضاً عندما يلامس لعاب الحيوانات المصابة بالعدوى الأغشية المخاطية للبشر (مثل العينين أو الفم) أو الجروح الجلدية الحديثة على نحو مباشر.
أعباء اقتصادية عالمية
وتعرّف منظمة الصحة العالمية داء الكلب بأنه مرض فيروسي حيواني المنشأ يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، يمكن الوقاية منه باللقاحات، منوهة الى حدوث داء الكلب في أكثر من 150 بلداً وإقليماً، وتسببه في وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص سنويا،
وحسب منظمة الصحة العالمية، يقدر العبء الاقتصادي السنوي لداء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بنحو 8,6 مليارات دولار أمريكي في العالم، بالإضافة إلى صدمات نفسية لا حصر لها، يتعرض لها الأفراد والمجتمعات المحلية.
متحدون ضد داء الكلب
عام 2020م أطلق منتدى “متحدون ضد داء الكلب” من قِبل منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية، بهدف تسريع وتنفيذ نهج الصحة الواحدة على النحو المتفق عليه لإنهاء الوفيات البشرية الناجمة عن داء الكلب بحلول عام 2030م.
حسب تقديرات هذا المنتدى فإذا لم يتم اتخاذ تدابير إضافية تجاه هذا الداء، فسوف يموت مليون شخص بسبب داء الكلب بين عامي 2020م، و2035م. وجاء في بيانات المنتدى أنه تم إجراء هذا التقدير قبل جائحة كوفيد-19 “التي أعاقت بشكل كبير جميع خدمات الصحة العامة، بما في ذلك مكافحة داء الكلب”.
وفيما قدَّر المنتدى ضحايا الوباء بحوالي 60 ألف شخص سنوياً، أو شخص واحد كل تسع دقائق، أكد توفّر لقاحاته منذ أكثر من 100 عام، وإمكانية الوقاية منه بنسبة 100٪.
أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز INTERNEWS ضمن مشروع ROOTED IN TRUST (غرفة أخبار الصحة) في اليمن