منال شرف
لم يكن من المتوقع جلوس النساء اليمنيات على طاولة واحدة مع الأطراف المتنازعة للتفاوض، فالمعتاد أن النساء يبقينّ في قاعة منفصلة لتقديم النصح والمشورة للمبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، كما يحدث مع المجموعة النسوية الاستشارية التابعة لمكتبه، إلا فيما ندر، وهو تهميش واضح للنساء في المفاوضات تمكنّ من كسره.
مؤخرًا، شاركت اثنتان من النساء اليمنيات في مفاوضات فتح طرق تعز التي أقامها مكتب المبعوث الأممي ضمن بنود الهدنة، كممثلات عن المجتمع المدني، ووصفت مشاركتهنّ بـ “الإضافة النوعية للعمل النسوي والمدني بشكل عام”، بعد عدة تجارب ضئيلة للنساء في مفاوضات السلام.
تجربة معرفية
تمكنت الناشطة علا الأغبري، وهي إحدى المشاركات في مفاوضات فتح طرق تعز، من معرفة ما يدور داخل القاعات المغلقة في المفاوضات، مؤكدة أن واحدة من التحديات التي كانت تواجهها في عملها عند الجلوس مع الأطراف المتنازعة “قولهم إننا لا نرى إلا الظاهر، وإن هناك ما يدور داخل الغرف المغلقة لا نعرفه”.
وتؤكد الأغبري أن مشاركتها ساعدتها على التصرف باستراتيجيات محددة والعمل بشكل أفضل، والتعرف بدقة على الطرفين ونقاط القوة والضعف لكليهما، وخلق تواصلات أقرب معهما في مواضيع أخرى تتعلق بالخدمات العامة، “وليس فقط في قضية فتح الطرقات”.
مشاركة فاعلة
“استطعنا بفعالية أن نوضح للمبعوث الأممي أهمية فتح طرق تعز، وما هي الطرق الأنسب، وأن نقرب وجهات النظر المختلفة بين الطرفين المتنازعين، وهو أمر مهم بالنسبة ليّ، خاصة وأني اشتغلت على طرق تعز بشكل كبير”، تقول المحامية والناشطة، معين العبيدي.
عملت العبيدي طوال السنوات الماضية كوسيطة محلية في محافظة تعز اليمنية، الأمر الذي أهلها لتكون مشاركة في مفاوضات فتح طرق تعز في مايو الماضي 2022م، ولم يكن اختيارها والأغبري عشوائيًا، أو باعتبارهما استشاريات في المجموعة النسوية الاستشارية التابعة لمكتب المبعوث الأممي، حد قولها، بل لكونهما يملكان “خبرة في العمل كوسطاء في ملف طرق تعز”.
“النساء لسن أطرافًا عسكرية”
تقول العبيدي إن النساء يشكلنّ نصف المجتمع أو أكثر منه، “وليس من المعقول ألا يكون بينهنّ نخب أو نساء قادرات على العمل بفعالية في أي عملية سلام قادمة، ويطرحنّ وجهات نظر تمثل السواد الأعظم من الناس”، مؤكدة أن غالبتهنّ لا يحملنّ أجندة خاصة، أو يعملنّ من أجل مصالحهنّ الشخصية، وأن وجودهنّ يذكر المتفاوضين بالجوانب الإنسانية التي هم “غافلون عنها”.
وتشير الأغبري إلى أن إشراك المرأة في مفاوضات السلام يخلق احتمالية كبيرة بوجود ضغط للحديث عن قضايا تهم المواطن في المفاوضات القادمة، باعتبار أن النساء لسنّ أطرافًا عسكرية سيقتصر نقاشها عن المصالح والجوانب العسكرية، كما يحدث غالبًا.
وتأمل العبيدي في اختيار نساء ذوات خبرة ولهنّ قدرة على التأثير في أي مفاوضات قادمة، لأن إشراك المرأة لا يجب أن يكون “كمالة عدد”، منوهة إلى أن مشاركتها والأغبري في مفاوضات فتح طرق تعز ما كانت لتصبح ذات جدوى لو أنهما لا يملكنّ أدنى خبرة في المجال، وهو أمر ترفضه، حد قولها.
حرمان المرأة من التمثيل بالمفاوضات
على الرغم من أن تجارب النساء اليمنيات كصانعات للسلام تؤهلهنّ ليكنّ في صدارة جميع مسارات السلام الثلاثة، إلا أن مشاركتهنّ في عملية السلام ظلت، وإلى وقت قريب، مقتصرة على المشاورات غير الرسمية للمسار الثاني التي توصف بـ “التمثيل الرمزي”، الأمر الذي يؤكد ما تتعرض له النساء من تهميش وحرمان.
وتذكر العبيدي أن أحد الأطراف المتنازعة، فضلت عدم ذكر اسمه، رفض تواجد النساء في مفاوضات سابقة، مهددًا بانسحابه، ما اضطر المبعوث الأممي لدى اليمن إلى إبقائهنّ في قاعة منفصلة مقتصر عملهنّ على تقديم الاستشارة له.
وتؤكد العبيدي أن المبعوث الأممي مجرد وسيط لا يملك وسيلة للضغط على الأطراف المتنازعة لضمان إشراك المرأة في المفاوضات، كما هو واجب على المجتمع الدولي بحسب القرار الأممي 1325، وأنه يحاول جاهدًا دعوة الأطراف في مختلف الجلسات التي يعقدها لإشراك النساء في مختلف المسارات، “إلا أن الأطراف لا تؤمن بالنساء ودورهنّ الفاعل”.
من جانبها، تنوه الأغبري إلى ما تتعرض له النساء الحزبيات خصوصًا من حرمان في التمثيل بالمفاوضات القائمة، مرجحة أن ذلك يعود لما ينصه القرار الأممي 2216، بأن أطراف الصراع هي من تمثل على طاولة المفاوضات، “والواضح أن الأطراف السياسية تحرم النساء لأسباب كثيرة”.
كيف يمكن إدماج النساء في المفاوضات؟
أطلقت هيئة الأمم المتحدة، عام 2020م، تقريرًا شددت فيه على أن تنظر المنظمات الدولية إلى ما هو أبعد من النماذج الضيقة لإدماج النساء، وأن تعترف بما تقوم به النساء بالفعل في جهود الوساطة، وأن يطلب من جميع الأطراف في عملية التفاوض وفرق الوسطاء الدوليين إشراك النساء في وفودهم، بحيث يكون الإشراك منذ بداية المفاوضات لا أثناء المحادثات فقط، وبتطبيق نظام الكوتا لعدد النساء في كل وفد في سياق التمثيل العددي المتفق عليه للأطراف قبل بدأ المفاوضات.
التقرير الذي حمل عنوان “نماذج إشراك المرأة في وساطة المسار الأول لعمليات السلام والانتقال” لفت إلى ضرورة إنشاء آليات، مثل تطبيق أشكال خاصة للانتخابات، لتمكين الاختيار الديمقراطي للنساء والأقليات الأخرى غير المهيمنة للمشاركة في العملية، عندما تكون هناك مقاومة لإدراج النساء ضمن الأطراف المتفاوضة.
وأوصى التقرير، لتعزيز خيرات النوع الاجتماعي المتاحة في المحادثات، بإنشاء آليات للصياغة والإرشاد، مثل اللجان أو اللجان الفرعية المعنية بالنوع الاجتماعي، وأن يكون لهذه الهيئات خط اتصال مباشر في عملية التفاوض.
تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/ JHR صحفيون من أجل حقوق الإنشان والشؤون العالمية في كندا