نصر عبدالرحمن
لا مكان لدولة لا تولي إهتماما بالغا بالتعليم بين دول العالم المستقرة المزدهرة المتحضرة، فالتعليم والوعي المعرفي المتأتي عنه هو أساس استقرار الشعوب وتقدمها الحضاري، فهو ذات تأثير كبير على مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية وهلمجر.
كما أن للتعليم أثره على نسق أخلاق ومعارف وقيم الأفراد، وبالتالي تأثير على ميولهم واتجاهاتهم وتفضيلاتهم وقراراتهم العامة والخاصة؛ ولذلك لا يمكن أن يستقر اليمن في ظل هذا الوضع التعليمي الهش فضلاً عن هشاشة الجوانب الأخرى، فالتعليم في اليمن يعاني من قصور كبيرة منذ أمد طويل حتى في الأوقات التي كانت تشهد فيه البلاد نوعاً من الإستقرار أهمها المركزية المفرطة، بيد أن الحرب الدائرة في البلاد اليوم أدت إلى مزيد من التدهور للعملية التعليمية، فقد تعرضت الكثير من المدارس والمرافق التعليمية للدمار واتخذ البعض منها ثكنات عسكرية، وتوقفت رواتب المعلمين الأمر الذي دفعهم إلى ترك مدارسهم والعمل في مجالات أخرى لتأمين لقمة العيش لهم ولأسرهم، والبعض منهم التحق بجبهات القتال لدواعي وطنية أو بحثاً عن لقمة العيش، فضلاً عن إنقسام السياسة التعليمية بين طرفي الصراع وظهور وزارتي للتربية والتعليم والتعليم العالي إحداهما تابعة للحوثين في صنعاء والتي بدأت في تغيير مناهج التعليم بما يخدم توجهاتها، والأخرى تابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في عدن، وكلاهما يفتقران للميزانية اللازمة للعملية التعليمية.
ويؤكد كلامي هذا تقرير بحثي ل “المركز اليمني للسياسات” للكاتبة والباحثة سوسن الرفاعي، نشر على موقع المركز في فبراير من العام الجاري والذي أكد على “أن الاحتياج إلى المال أصبح مع امتداد الصراع هو السبب الرئيسي وراء عدم توافر المعلمين” وأن فشل الأطراف المتصارعة في فصل التعليم عن المقايضات الأمنية والسياسية زاد من معاناة قطاع التعليم.
وبالرغم من أن المعلمين اليوم في مناطق سيطرة الحكومة يتلقون رواتبهم إلا أن هذه الرواتب لم تعد كافية لهم خاصة في ظل تدهور العملة الوطنية وإرتفاع الأسعار بشكل جنوني، فيما لا يزال المعلمين في مناطق الحوثيين بدون مرتبات حتى اليوم، كما أن جائحة كورونا المستجد ومتطلبات مواجهته مثل تحدي كبير للمعلمين والطلاب في ظل افتقار القطاع التعليمي للامكانات اللازمة لمواجهة هذا الفيروس.
وفي المقابل لا تولي المنظمات المحلية والدولية القطاع التعليمي القدر الكافي من الاهتمام، والتي ركزت في مشاريعها على الجانب الإنساني الاغاثي والتدريبات في مجال بناء السلام واغفلت جانب التعليم رغم أهميته ودوره المحوري في تثبيت دعائم الإستقرار.
كل هذه الأسباب والظروف وغيرها أدت إلى تسرب أعداد كبيرة من الأطفال والطلاب ذكور واناث من التعليم، ليجد الأطفال والشباب أنفسهم وقوداً للحرب الدائرة، والبعض منهم يتم اجبارهم على الانضمام إلى جبهات القتال كما يحدث في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبحسب تقرير المركز فإن ” 3.7 مليون طفل في سن المدرسة قد تسربوا من التعليم أو تحت تهديد التسرب”.
ولتحسين العملية التعليمية في البلاد لابد من دفع المرتبات للمعلمين وتحسينها بما يتناسب مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية اليوم كاهم خطوة في ظل هذه الظروف المعقدة كما أكد على ذلك تقرير المركز، مع منح الأولوية للمناطق التي توقف فيها التعليم بشكل كلي، بالإضافة إلى إتباع سياسة تعليمية جديدة بعيداً عن المركزية المفرطة، والبدء بعملية ترميم المدارس التي دمرتها الحرب وتوفير المستلزمات التعليمية أهمها الكتب الدراسية التي لم تعد في متناول أغلب الطلاب.
واليوم وبعد سنوات سبع من الحرب المستمرة دون مؤشرات سلام تلوح في الأفق حتى الآن، هل يمكن للأطراف المتصارعة أن تصل إلى إتفاق في الجانب التعليمي يضمن إستمرار دفع مرتبات المعلمين وتوفير الكتاب المدرسي دون أي تغيير على الأقل لحماية ملايين الأطفال الآخرين من خطر التسرب من التعليم؟!!.