فهمي محمد
المواطن – تحليلات
التحولات التاريخية في السيرورة السياسية لدول الديمقراطية التي انتصرت للفعل الديمقراطي بعد نضال طويل مع الاستبداد أدت بطبيعة الحال الى نقل الجماهير من مادة للحكم او الاستغلال الى طرف فاعل ومؤثر في المعادلة السياسية وفي القرار السياسي ، وهو ما يعني أن سلطان الرأي العام في الدول الديمقراطية اصبح سلطة اقوى من السلطة السياسية بل اصبحت الجماهير نفسها هي مصدر المشروعية في سلطة رجال السياسة ، لذلك عرفت الديمقراطية بكونها ” حكم الشعب ” او حكم الاغلبية على حد وصف روبرت دال المنظر السياسي الكبير في امريكاء .
الفارق الذي ادى الى نجاح التحول هناك يكمن في حقيقة ان الاحزاب والنخب السياسية والثقافية ناضلت ثوريا من اجل الجماهير ومصالح المجتمع بدون هوادة او تماهي عكس ماهو في واقعنا اليمني بحيث تعمل الاحزاب والنخب السياسية على توظيف الجماهير كمخالب قط في معادلة الصراع السياسي بين رجال السياسة والحكم الذين يحتكرون معادلة الصراع ومجال السياسة وسلطة الدولة ،
لذلك تبدو سيرورة السياسة في بلادنا فعل صراع مجرد ومكرر داخل الدائرة المغلقة (خالي من التحول التاريخي) ينتصر فيه السياسي على السياسي تارة ويهزم في اخرى دون ان ينتصر في ذلك سلطان الجماهير صاحب المصلحة في صيرورة الصراع السياسي وحتى الثوري .
ثورة 11/ فبراير كانت هي الحظة الاولى وربما تكون الوحيدة التي استطاع فيها مارد الجماهير ان يتحرر وينفلت من عقال السياسي ويملك زمام المبادرة، لكنه تعثر بفعل عوامل متعدده ليس هنا مجال ذكرها ، فما يهم ان رجال السلطة والباحثين عنها استطاعوا بوقت قصير ان يقتلوا اللحظة الثورية ويعيدوا مارد الجماهير المنفلت ثوريا الى أقبية السياسي ، لتعود الجماهير بعد ذلك احجار على رقعة الشطرنج يحركها او يولوح بها رجال السياسة والسلطة والباحثين بهوس عنها في مناسبات مختلفة وتحت عناوين ومسميات متعدده ، لكنها جميعا تؤكد رغبة السياسي في توظيف ورقة الجماهير وإستغلال عواطفها في الدفاع عن المصالح الخاصة المكتسبة اوفي سبيل تحقيقها على حساب المصلحة العامة التي تعني في الاساس مصلحة الجماهير .
كانت قيادة حزب الاصلاح اول من لوح بورقة الجماهير في وجه الرئيس عبد ربه عندما فكر هذا الاخير بتغيير عبدالقادر قحطان وزير الداخلية على إثر اتساع رقعة الانفلات الامني وكذلك عند الحديث عن ضرورة تغير رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة ، ثم استخدمتها الحركة الحوثية مدخلاً في إسقاط العاصمة صنعاء، وبعد ذلك استخدمها صالح في الوقت الضائع في ذروة صراعه مع شريكه في الانقلاب على الدولة ، واليوم في تعز يجري شيء من هذا التوظيف السياسي بشكل انتقائي لورقة الجماهير ضد المحافظ وان تم ذلك تحت شعار المطالبة بتحرير تعز او غيره ، فرغبة التوظيف تقول في تعز ” إياك اعني واسمعي ياجاره ” .
ليس في ذلك دفاعاً عن سياسة المحافظ بقدر ماهي مطالبة بتحرير إرادة الجماهير من سلطة السياسي ورغبته المزمنة في توظيفها في معادلة الصراع تحت شعارات تبدو مقدسة ، واكثر من ذلك دعوى لها بأن تملك زمام المبادرة وتغادر رقعت الشطرنج ، عليها ان تتحرر من من سلطة السياسي وهوائه الحزبي كما تحررت في يوم 11/ فبراير .
كبير هو الفرق بين احزاب تملك فكراً سياسي يناضل من اجل الجماهير واحزاب تملك فكراً سياسي يناضل بالجماهير ويتوكزبها فإذا كان في الاولى نضال من اجل الحرية فإن في الثانية إمعان في العبودية وتكرساً لها .
2018/7/16