محمد الحريبي | تعز
الاحياء جميعها تأثرت بالحرب والانقسامات، حي المدينة القديمة بمدينة تعز، بقي متمسكًا بتلاحم نسيجه الاجتماعي وتنوعه الجيوسياسي الفريد، وهو ما تصفه الناشطة شيماء رمزي، أحد سكان الحي، بالقول: “نتعايش فيما بيننا على مبدأ الانسانية والتفاهم وقاعدتنا الاساسية هي الاحترام المتبادل وتقبل الرأي الآخر”.
محبة وتعاون
ومن جانبه يضيف الدكتور محمد حسن، وهو أحد سكان حي المدينة القديمة، “بحسب طبيعة المكان الجغرافي وكون أبناء المنطقة محصورين في نطاق جغرافي ضيق، ورغم اختلافاتهم الفكرية بين الأكثر التزاما والوسطي والمنفتح، إلا أن تعايشهم يكون من مبدأ الأخوة والمجاورة والاحترام المتبادل فيما بينهم”.
ويصف أبرز صور التعايش المجتمعي التي تلفت نظره كأحد سكان الحي بـ: “التبادل المادي والمعنوي بين الأسر مثل الأخذ والعطاء في الاحتياجات اليومية من الغذاء وسبل العيش، والزيارات اليومية المتبادلة وجلسات السمر بين الأسر القاطنة داخل سور المدينة القديمة ببساطة كاملة ومن دون أي تكلف أو معوقات، وكذلك التعاون بين بعضهم البعض في مختلف الأمور والوقوف إلى جانب الآخر بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة”.
عائلة واحدة
ويتفق عبد الفتاح ياسر، وهو أحد السكان أيضًا، مع ما طرحه الدكتور محمد ويضيف: “حي المدينة القديمة، حي عتيق ومعروف لدى كل اليمنيين إلا إن ما يميزه هم سكانه، فمع اختلافاتهم المناطقية والفكرية والسياسية وحتى العرقية إلا انهم حققوا التعايش السلمي والالفة والتعاون فيما بينهم، فأصبحوا كالعائلة الواحدة فكل شخص يعرف الاخر في هذا الحي رغم اتساعه”.
نموذج يستحق التعميم
تعتقد الناشطة شيماء رمزي أن التعايش الذي يشهده حي المدينة القديمة بتعز نموذجًا يستحق التعميم على بقية الاحياء، قائلة: “ينبغي نقل التجربة الفريدة لتعميمها على جميع الاحياء لأن ذلك سيسهم في تعزيز تماسك النسيج المجتمعي وقيم التعايش وهو ما سيؤدي إلى بناء سلام مجتمعي بين السكان في مختلف المناطق”.
ومن جهته يقول عبد الفتاح ياسر: “لكي يسود التعايش السلمي في الاحياء والمجتمعات لابد من اتباع الثالوث القيمي والالتزام به كما فعل ابناء هذا الحي وهذا الثالوث هو (التعارف، التعاون، العدالة)”.
ويوضح عمار العديني طبيعة العلاقات المجتمعية التي تربط السكان في حي المدينة القديمة بالقول: “تنوعت العلاقات بين السكان في الحي، فرأينا سكان تعود أصولهم إلى أقصى شمال اليمن يتناسبون مع سكان تعود أصولهم إلى مناطق جنوبية، وهذا كله بفضل التعايش الذي يتمسكون به”.
مظاهر احتفالية
من المظاهر الاحتفالية التي يصفها علي أحمد، وهو أحد السكان في حي المدينة القديمة، الاجتماعات اليومية للسكان في المقاهي الشعبية التي تتوزع داخل الحي وأهمها مقهى الشعبي الشهير.
يوضح علي: “يجتمع الناس بشكل يومي في هذه المقاهي، يتبادلون الحديث ويناقشون كل قضاياهم اليومية، بود وبلا تطرف، ويتقبل كل منهم رأي الآخر”، ويضيف، “تشهد هذه الجلسات إلى جانب النقاشات الالعاب الشعبية التي يقضي كبار السن غالبًا عصريتهم اليومية في لعبها على طاولات المقاهي، وأرصفة الأزقة”.
ويشير سعيد الإبي إلى “البهجة التي تصنعها مثل هذه المظاهر الدافئة في نفوس جميع من يشاهدها”، مؤكدًا “الناس هنا مليئين بالحياة، اعتقد أنهم يهزمون بهذه الجلسات الدافئة والحميمية ظروف الحرب القاهرة وهمومهم اليومية”.
خلفية تاريخية
كان الحي قديمًا عاصمة لدول عدة حكمت المنطقة، منها الدولة الرسولية والفاطمية والمملكة المتوكلية، بحسب مراجع تاريخية.
هذه المكانة التي حظي بها حي المدينة القديمة، أسهمت بشكل مباشر في تشكل حالة فريدة من التعايش المجتمعي بين السكان، بحسب الغيث بن جميل، وهو باحث في التاريخ اليمني.
ويرى الغيث أن الخلفية التاريخية التي عاشها الحي هي أبرز النقاط التي يجب التركيز عليها عند قراءة واقعها الحالي، موضحًا: “دون العودة للتاريخ لن نتمكن من فهم كيف تشكل هذا النسيج المجتمعي المتماسك، فالحقيقة أن ما مر به هذا الحي، وتنوع أصول سكانها الجغرافية والفكرية وتعايشهم لأعوام طويلة لما رأينا اليوم هذه الصورة البديعة”.
ويؤكد الغيث أن تاريخ الحي سجل الكثير من المراحل العصيبة التي مر بها لكنه لم يسجل أنقسامًا مجتمعيًا بين سكانها، مختتمًا حديثه بالقول: “كان اليمنيون جميعًا في الغالب يتمسكون ببعضهم البعض، ولم يحدث أن تشرخ النسيج المجتمعي سابقًا بهذه الصورة التي نشهدها اليوم بسبب الحرب في مختلف المناطق اليمنية”.
تعايش ومقاهي
عند الحديث عن مقاهي المدينة القديمة يمكن استحضار حديث الحاج علي العديني، إذ قال: “لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن انقطع عن المقهى، هنا فقط يمكنني الالتقاء بالجميع والحديث معهم، وليس بالضرورة أن يكونوا من نفس المنطقة حتى”.
ويضيف: “تعودنا أن نتقبل بعضنا البعض، مرت علينا الكثير من الأحداث العصيبة، لكن المرونة التي تربينّا عليها كانت تمتص كل الصدمات، وتمنعنا من التخلي عن بعضنا البعض”.
ويتفق قاسم الصبري مع الحاج العديني إذ يرى أن “أبرز ما مكن السكان من الحفاظ على تماسكهم، هو وعيهم الجيد بأهمية تقبل الآخر واحترام رأيه”.
ويؤكد الصبري: “في السنوات التي مضت، لم تتزعزع علاقاتنا، وعلى العكس من ذلك كانت المعاناة توحدنا، وكنا نتعاون جميعًا للوصول إلى الخدمات العامة واحتياجات المعيشة اليومية”.