فهمي محمد
بعد أكثر من سبع سنوات في زمن الحرب والصراع الدائر على جغرافية اليمنيين ، أصبحت جدلية الإنقلاب والعدوان التي يتمترس فيها الطرفان تشكل وجهان سياسيان لعملة واحدة ، أو هكذا أصبحت تسير الأمور وتفرض علينا بقوة السلاح والتآمر ، وذلك ما أصبح يهمس به اليمنيين – بكثير من الآلام – إلى أسماع بعضهم البعض ، وحتى أولئك الذين مازال لديهم بقايا أمل في مسألة إستعادة النجاعة السياسية والعسكرية إلى قلب معادلة الصراع في اليمن ، أو فرز هذه الأخيرة على أساس المشروع الوطني الذي يؤسس للمستقبل ، أو حتى أولئك الذين تعودوا على دفن رؤوسهم في الرمال أصبحوا جميعاً يعبرون عن مأساة هذا الشعب في زمن الإنقلاب والعدوان ، ولكن بجمل ناعمة تخفي حقيقة كونها شكوى وطنية ضد جنوح التحالف وأجندته التي تتعارض مع الأهداف المعلنة ، كما هو حال لسان القائلين بضرورة إصلاح الاختلال الحاصل بين حكومة الشرعية برئاسة هادي ودول التحالف العسكري -بقيادة السعودية- التي تدخلت على إثر أحداث ال21 من سبتمبر ، الأمر الذي يطرح علينا سؤال يقول أليس سماع مثل هذه الشكاوى الوطنية التي تتصاعد تدريجيا من داخل معسكر الشرعية تؤكد إدانة التحالف في مسألة تحوله المرحلي – العابث – إلى عدوان يستهدف مستقبل اليمنيين ؟
وبغض النظر عن تمسك الحركة الحوثية الإنقلابية بتوصيف العدوان العسكري على اليمن ، والذي ترفعه عبثاً بهدف شرعنة انقلابها السياسي والإجتماعي والثقافي على مخرجات الحوار الوطني وعلى مستقبل اليمنيين بقوة السلاح مستفيدة في نفس الوقت من فشل التحالف في إدارة المعركة العسكرية والسياسية ، ومن انحراف أجندته في المناطق التي تحررت من سيطرة الحركة الحوثية لاسيما في المناطق الجنوبية والساحلية الغربية ، ومع ذلك فإن محاولة مثل هذه الشرعنة لا تستطيع أن تلغي سؤال يقول أليس الإنقلاب العسكري على مخرجات الحوار الوطني = { مشروع التحول السياسي والديمقراطي} وتحويل أساس الحكم في صنعاء إلى مرجعية سياسية سلالية مذهبية هو بحد ذاته عدوان يستهدف مستقبل اليمنيين جميعاً على المستوى السياسي والإجتماعي وحتى الوطني ؟
حقيقة العدوانية على الشعب في إنقلاب الحركة الحوثية تكمن بكون هذا الإنقلاب قد حدث بعد إندلاع الثورة الثالثة التي صنعت الفرصة التاريخية في يمن ما بعد الوحدة وأكثر من ذلك جعلت اليمنيين في الشمال والجنوب في وضع قاب قوسين أو أدنى من ركب سير التقدم نحو المستقبل الذي يجب أن يكون حاضراً معاشاً في ظل دولة وطنية اتحادية ديمقراطية مدنية تنعدم فيها كل الإعتمالات السياسية والإدارية والمالية المركزية ={ السلطوية } التي تعبر عن ثقافة المركز المقدس وهيمنتها التاريخية في اليمن ، لاسيما وأن مثل هذه الثقافة السياسية الجمعية للمركز المقدس هي التي تولت دائماً إغتيال الفرص التاريخية التي بدت سانحة أمام اليمنيين ، (مع أنه يحضر في كل محطة إنقلابية بأحد الوجوه أو أكثر من الوجوه المكونه له سياسياً وتاريخياً ) كحال إنقلاب 5 نوفمبر على أهداف ثورة سبتمبر ، وإغتيال الشهيد الحمدي والقضاء على مشروع الثورة التصحيحية ، إنقلاب 94 والقضاء على مشروع دولة الوحدة اليمنية ، وعلى مكتسبات ثورة أكتوبر في جنوب اليمن ، إنقلاب 21 من سبتمبر والقضاء على مشروع الدولة الوطنية الاتحادية الديمقراطية ، وغير ذلك لم يشهد المستقبل في اليمن إنقلاباً عسكرياً أو سياسياً يستهدف صيرورته ووجوده من خارج حدود هذا المركز المقدس ، وتحالفاته التي يستخدمها في خدمة أهدافه.
إذا كانت مشكلة اليمنيين في مجملها هي في الأساس مشكلة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ، فإن وقوف المكونات السياسية في مؤتمر الحوار الوطني بشكل رئيسي ومكثف على المشكلة السياسية ، كان يعني أن الخطوة الأولى في معركة التغيير نحو المستقبل تقتضي بالضرورة تفكيك روابط المركز المقدس وتحرير اليمن من هيمنته السياسية وهذا يتطلب خلق نموذج سياسي يحول اليمن إلى دولة وطنية اتحادية لا مركزية إدارياً وسياسياً ومالياً ، غير أن مثل هذا التوجه كان كافياً لقيام تحالفات تخطط من داخل المركز المقدس لعملية الإنقلاب العسكري الذي أغتال فرصة اليمنيين على إثر ثورة الشباب ، هذا من جهة أولى ، ومن جهة ثانية إذا كان العقل السياسي للمركز المقدس قد نجح كعادته منذ سبتمبر في عملية الإنقلاب العسكري وسلم قيادة السلطة في هذه الجولة للحركة الحوثية ، فإن مواجهة هذه الأخيرة والانتصار عليها ببعدها السلالي المذهبي والطائفي ، يتطلب في المقام الأول أن يتم مواجهتها بمشروع وطني وليس الانجرار لمواجهاتها بنفس الأدوات التي تستخدمها بهدف سحب المجتمع ثقافياً إلى عصر ما قبل الدولة والديمقراطية.
أن ما يجري في تعز وفي المناطق الجنوبية ومناطق الساحل الغربي ، من خلق قيادات عسكرية وسلطات سياسية تتصارع وتتآمر على بعضها أكثر من صراعها مع الحركة الحوثية الإنقلابية ، بقدر ما نجده يعبر عن فشل الشرعية في صنع النموذج السياسي الوطني الجامع في المناطق المحسوبة عليها وهذا ما يصب في مصلحة الحركة الحوثية على المستوى الداخلي والخارجي ، بقدر ما نجده في المقابل يطرح علينا سؤال عريض يقول هل أصبح التحالف بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب داعماً لحكومة الشرعية وبشكل يجعل منها سلطة سياسية وطنية قادرة على قتال الحركة الحوثية الانقلابية سياسياً وعسكرياً بمشروع وطني جاذب لليمنيين في الشمال والجنوب ، أم أنه أصبح عدواناً يقوض وجودها السياسي والوطني بالمعنى الذي يعيق فرص المستقبل والوطن الجامع في اليمن ؟
معادلة الصراع والحرب الدائرة في اليمن وانعكاساتها على الواقع الجيوسياسي تتصف بكثير من اللامعقول السياسي والعسكري الذي يطرح علامات استفهام كثيرة تتعلق برسم ملامح الوطن والمستقبل في اليمن ، وهي علامات استفهام يجب أن يطرحها اليمنيين لاسيما مكوناتهم السياسية على طاولة التحالف بشكل رئيسي.
فعلى سبيل المثال فقط ، هل من المعقول أن تكون الجيوسياسية الأكثر سكاناً والتي تخضع لسيطرة المليشيات الانقلابية تتمتع بوحدة القرار العسكري والقيادة السياسية والاستقرار الاقتصادي ، وهي تعمل – أي الحركة الحوثية – على تحقيق ذلك بوعي سياسي يدرك ما يريد في معركتها ، لهذا تخلصت مبكراً من وجود صالح في صنعاء ، ما يعني أن المواطن في مناطق سيطرتها أصبح يشعر بأنه يخضع لسلطة عامة ، على الصعيد الوطني الذي يرسم حدود تلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة ، وهذا ما جعل من تلك المناطق قابلة لاستقرار الناس وحتى رأس المال التجاري ، مقارنة ببقية المناطق ، بغض النظر عن كون قيادة الحركة لا تؤمن بفكرة الوطن والدولة الوطنية الديمقراطية ، في حين أن الجيوسياسية الأقل سكاناً والتي باتت محسوبة على الشرعية لا تتمتع بوحدة القرار العسكري ولا القيادة السياسية على المستوى الوطني الذي يرسم حدود تلك المناطق الخاضعة لسيطرتها في الوقت الذي يفترض بها أن تخوض معركة ناجحة مع جماعة إنقلابية سلالية مذهبية وطائفية ، ناهيك عن كون المواطن في مناطقها أصبح من فرط الانفلات الأمني وانهيار قيمة العملة مقتنع بأنه يعيش في ظل حكم عصابات سياسية فاسدة غير مكترثة بالأساس بمسألة الوطن والمستقبل في اليمن.
على أساس وجود هذه المفارقة اللامعقولة في معادلة الصراع والحرب التي يجب أن تكون من أجل الوطن والمستقبل وليس من أجل تأكيد الإنقلاب والعدوان ، هل يعي التحالف وهو الداعم وصاحب القرار ، أن تكريس مثل هذا الاختلال لا يعني سواء شرعنة سياسية وأمنية واقتصادية للحركة الانقلابية في وعي السواد الأعظم من المواطنين البسطاء ، على حساب الشرعية التي تدخل لاستعادتها ، وأكثر من ذلك هل يعي التحالف الذي أنفق مليارات من الدولارات في حربه داخل اليمن ، أن هزيمة الحركة الحوثية الانقلابية ببعدها السلالي المذهبي الطائفي ، لن يتحقق إلا في حال أن تم مواجهتها فعلياً وواقعياً بمشروع وطني يوحد اليمنيين في معركة تؤسس لوجود الوطن والمستقبل= { دولة وديمقراطية } وأن تمكين الشرعية من خلق هذا النموذج في مناطق سيطرتها هو آية التفوق السياسي والأخلاقي على الحركة الحوثية ، وبدون ذلك سوف تتفوق الحركة على الجميع ، أم أنه يرى في هذا وذاك مشكلته مع اليمنيين ، ما يعني أن التحالف العسكري يرغب بالقضاء على وجود الحركة الحوثية من اليمن بكونها مصدراً لتهديد أمنه القومي والوطني ولكن بدون أن يتحقق ذلك بفعل سياسي وعسكري يمكن لوجود المستقبل والوطن في اليمن؟!
في اعتقادي أن المكونات السياسية في اليمن ليست المعنية في الإجابة على هذه الأسئلة فقط بل عليها أن تكفر عن صمتها الذي طال أكثر من اللازم ، وحتى لا يكون الوطن والمستقبل في اليمن هو الثمن المدفوع وليس المقبوض ، عليها أن تملك الشجاعة وأن تعمل وتتحرك داخلياً وخارجياً وتحشد جماهيرها ، بهدف إعادة فرز معادلة الصراع والحرب على أساس التأسيس للمستقبل والوطن ، فإذا كانت الحركة الحوثية قد انقلبت على المشروع الوطني ولو بحده الأدني ، أو أن هذا المشروع هو الذي يصف سلطة الحركة الحوثية بكونها سلطة إنقلاب فإنه في المقابل يجب أن يخضع تدخل التحالف العسكري في اليمن لمعيار هذا المشروع وأهدافه ، بمعنى هل كان التدخل العسكري بهدف تنفيذه بالمعنى الذي يؤسس للوطن والمستقبل ، وبغير ذلك يكون تدخل التحالف هو عدوان على المستقبل والوطن كما هو حال الحركة الحوثية.