كتابات – زكريا الكمالي
إذا كانت الفوضى الأمنية التي تشهدها مدينة تعز اليمنية تتم برعاية رسمية أو غير رسمية من السلطات العسكرية الرسمية، فتلك مصيبة. وإذا كانت تلك الجهات عاجزة عن أداء مهامها كما يجب، ويقتصر دورها على معاينة الأضرار عقب كل جريمة، فالمصيبة أفدح، والفضيحة لا تُغتفر. في كلا الحالتين، وسواء كان الأمر عبارة عن تواطؤ أو تقصير، يقف محور تعز العسكري في قفص الاتهام. شعرة رفيعة هي ما يفصل بين التغافل والغفلة. ولذلك، لا يمكن للقادة العسكريين والأمنيين في تعز تبرئة أنفسهم مما يجري من انفلات، وانتهاكات مروّعة ضد سكان مدينة ضاقت عليهم الأرض من حصار الحوثيين أولاً، ومن قانون الغاب الذي سلّم رقابهم لعصابات مارقة.
ما شهدته تعز، أواخر الأسبوع الماضي، من نزاع على قطعة أرض، انتهى إلى أعمال انتقامية وحشية قادها طرف ضد أسرة كاملة، هو نموذج بسيط للفلتان الأمني الذي تعيشه المدينة، ومناسبة هامة للوقوف أمام ما يحدث منذ سنوات. والسؤال، هل باتت تعز بالفعل بؤرة للعصابات المنفلتة، أم أنه يجري شيطنتها من قبل أطراف متربصة تستغل ثغرة للنيل منها بناء على دوافع مختلفة؟
أزمة مركبة تعيشها تعز. لا وجود لقائد ملهم في هرم السلطة المحلية، إثر الغياب الدائم للمحافظ نبيل شمسان عن المشهد. يقول المحافظ إنه شخص غير مرغوب به، ومع ذلك يرفض الاستقالة ويصر على الاحتفاظ بمنصبه، كمظلة كبرى للفساد الإداري والعسكري، وفوق ذلك الأمني، باعتباره رئيس اللجنة الأمنية. تآكلت مؤسسات الدولة في تعز لصالح شبكة عصابات حاكمة، عسكرياً ومدنياً وأمنياً، تنشط في اقتصاد الحرب فقط، مستغلة انشغال الأحزاب بمعركة النفس الطويل الإعلامية، والتي يتم فيها استخدام مختلف أنواع البيانات المفخخة.
غياب الدولة وتنامي اقتصاد الحرب، ساهما في تقدم العصابات الحاكمة إلى الواجهة. في تعز، وراء كل لص شجاع قائد عسكري وإمكانيات دولة. يستخدم القادة العصابات كهراوات لضرب خصومهم، وكذلك تنمية أرصدتهم، من خلال ممارسة الابتزاز ونهب ممتلكات المواطنين والتجار. وفي لحظة ما، يخرج الوضع عن السيطرة، كما حصل مع جريمة أسرة الحرق، التي تؤكد كل المصادر أنها تمت تحت أنظار قادة عسكريين من الصف الأول. ما حدث في تعز أخيراً ينبغي أن يشكل خطوة أولى لتصحيح الوضع الشاذ. صحيح أن شبكة المصالح والعصابات معقدة للغاية، لكن من الضروري أن تنطلق ثورة تصحيح واسعة، يبدأها المحافظ وقائد المحور بتقديم استقالتهما الفورية، ومن ثم يأتي دور الحكومة لاستكمال المسيرة على مستوى كافة القادة المحليين والعسكريين والأمنيين.
على “الشرعية” أن تختبر أنها ما زالت على قيد الحياة في تعز على الأقل. إذا كانت عاجزة عن إنقاذ الوضع، ودحر العصابات المسلحة من عدة شوارع داخل مدينة محاصرة، فكيف تريد منا الاقتناع بأنها ستدحر المدّ الإيراني عن اليمن؟ وعلى حزب الإصلاح، الحاكم الفعلي لتعز، وإن حاول إنكار ذلك، أن يبادر بالتصحيح، ورفع الغطاء عن القادة الفاسدين وعصابات نهب الأراضي. هل أنتم راضون أن يتم استغلال كل حادثة للنيل من تعز ومن طريقة إدارتكم لها؟ لم يخرج الوضع عن السيطرة بعد، ولم تتحول تعز إلى نسخة من المكسيك وبؤرة لعصابات الجريمة المنظمة. لا تزال تعز حاضنة للتنوع أكثر من أي مدينة أخرى، وفي شوارعها لا يزال هناك من هو قادر على قول كلمة لا في وجه الفاسدين واللصوص من دون خوف. مداميك المدنية في تعز ما زالت قائمة، رغم كل الفوضى. الوضع بحاجة إلى قليل من المعالجات فقط، عبر ردع العصابات والفاسدين ومنع انتشار السلاح داخل المدينة وإعادة هيبة الدولة.