عيبان محمد السامعي
2021 / 3 / 12
استهلال:
1- “لا تدعنا حالنا الاجتماعية نبصر كل ما يوجد في إمكانيات المرأة, ويظهر أنهن لم يخلقن لغيرة الولادة وإرضاع الأولاد, وقد قضت هذه الحالة من العبودية فيهن على قدرة القيام بجلائل الأعمال, ولذا فإننا لا نرى بيننا امرأة مزينة بفضائل خلقية, وتمر حياتهن كما تمر حياة النباتات, وهن في كفالة أزواجهن أنفسهم, ومن هنا أيضاً, أتى البؤس الذي يلتهم مدننا.”
ابن رشد ( 1126 – 1198)
2- “إذا أردت أن تعرف مدى تقدّم مجتمع ما، فانظر إلى وضع المرأة فيه.”
كارل ماركس (1818 – 1883)
3- “الحرية أساس التقدم البشري، وحرية المرأة أساس كل الحريات الأخرى؛ فعندما تكون المرأة حرة يكون المواطن حراً.”
قاسم أمين (1903 – 1863)
(1)
تتعرض المرأة لصنوف شتى من القمع والعنف في مجتمع يعاني أصلاً من العنف المركب، إذ يأخذ هذا النمط من العنف شكلاً هرمياً, فهو يتجه من الأعلى نحو الأسفل, فالحاكم يمارس عنفاً على المحكومين, والمسئول يمارس عنفاً على من هم تحت إدارته, وشيخ القبيلة يمارس عنفاً على “الرعية”, والنخب تمارس عنفاً على الجماهير, وبموازاة ذلك يمارس الرجل عنفاً على المرأة, والمرأة تمارس عنفاً على الطفل, والطفل يمارس عنفاً على الحيوان وهكذا دواليك…
في وضعية كهذه سيكون من الصعب التعاطي مع قضية المرأة وفق نظرة جزئية, أو على أنها صراع بين الرجل والمرأة كما يفعل الخطاب النسوي والمنظمات النسوية, بل المسألة أبعد من ذلك وأعمق.
إن فهم هذه القضية نظرياً ومعالجتها عملياً لا يستقيم إلا إذا نُظر إليها في سياقها الكلي ووفق منظور تحليلي شمولي, يأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل والأبعاد المرتبطة بها.
فوضع المرأة يرتبط ارتباطاً عضوياً بأوضاع التمييز والتفاوت الطبقي والاستبداد والتخلف ورسوخ النظام الأبوي والهيمنة الذكورية وغياب الديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية.
(2)
في كتابه “المرأة الجديدة” أشار قاسم أمين[1] إلى التلازم بين تدني مكانة المرأة وانحطاط المجتمع وبين ارتقاء المرأة وتقدم المجتمع, كان ذلك قبل ما يزيد عن 120 عاماً.
منذ ذلك التاريخ حتى اليوم لم يختلف وضع المرأة في العالم العربي وفي اليمن على وجه الخصوص كثيراً, فلا تزال المرأة اليمنية مكبّلة بأغلال وقيود شتى متعددة الأوجه: اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية ومؤسسية مدّعمة بتشريعات وقوانين تمييزية وتفسيرات دينية مجحفة ومعايير اجتماعية بالغة التخلف, تنظر إلى المرأة نظرة قاصرة ودونية, فهي الضلع الأعوج, وربيبة الشيطان, ورمز الغواية, ووسيلة المتعة, والعورة التي يجب سترها, والكائن القاصر الذي ينبغي إخضاعه للوصاية الأبوية!
تبدأ التحديات التي تواجه الأنثى منذ لحظة ميلادها, فطبيعة المشاعر التي يستقبل بها الكبار من أفراد الأسرة للمولود تختلف باختلاف نوعه البيولوجي ذكراً كان أم أنثى, حيث تتملك الأبوين وأفراد الأسرة مشاعر الفرح والفخر والارتياح حينما يكون المولود ذكراً, على خلاف ذلك يُستقبل مولود الأنثى بمشاعر الاستياء وعدم الرضى.[2]
وتستمر التنشئة الاجتماعية (Socialization) في التمييز بين الجنسين مع تقدّم الطفل في مسار نمو شخصيته, إذ دائماً ما يُمنح الذكر اهتماماً خاصاً, ويزرع في عقله على أنه رجل الأسرة القادم الذي يقع على عاتقه المسؤولية, ولهذا ينبغي أن يكون شجاعاً ومِقداماً وجريئاً, وفي ضوء ذلك يُمنح مساحة كبيرة من الحرية للخروج خارج المنزل واللعب مع أصدقائه ..إلخ.
في حين تُحرم الأنثى من كل ذلك, وتُنشّئ منذ نعومة أظفارها على القيام بالأعمال المنزلية وخدمة أفراد الأسرة, فهذا هو دورها الرئيسي الذي يتناسب مع طبيعتها كما تصوّره لها القيم والمعايير الاجتماعية السائدة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد, بل من آليات التنشئة ووسائل التمييز “أن الطفل الذكر كثيراً ما يتم اصطحابه إلى خارج المنزل في مثل هذه السن المبكرة من قبل أبويه أو إخوانه الكبار من الذكور أيضاً وعند استقبال الضيوف والأصدقاء داخل وخارج المنزل وبنوع من مشاعر الزهو والافتخار الذي يتبادلونه معهم ومع الطفل نفسه, بخلاف البنت التي لا تحظى بنفس الحق وعمل الشيء نفسه معها, بل قد تنهر وتوبخ إذا ما طالبت بذلك أو أقدمت عليه باقتحام مجلس الرجال من المقيلين أو الضيوف في منزل الأسرة تحت وطأة مشاعر الطفولة البريئة.”[3]
(3)
تُحاصر الأنثى بالتابوهات (Taboos) وقيم العيب والعار طوال حياتها, ويتم تلقينها على أنها رمز العفة وعنوان الشرف ويقع على عاتقها الحفاظ على سمعة العائلة, فكل سلوك أو تصرف يصدر عنها محسوب عليها.
هكذا يتم تطبيع شخصية الأنثى على أداء أدوار جندرية نمطية, تعززها ميكانيزمات النظام الأبوي المسيطر. فالنظام الأبوي (Parental system) هو “تجلي ومأسسة للهيمنة الذكورية على النساء والأطفال في الأسرة، وتوسيع الهيمنة الذكورية على النساء في المجتمع بعامة.”[4]
إنه نظام يقوم على تأكيد تفوق الذكر على الأنثى, فالأنثى ــ من منظور النظام الأبوي الجائر ــ شخصاً قاصراً وناقصاً عقلاً وديناً, وهي شرف العائلة ورمز عفتها. لهذا يفرض النظام الأبوي حصاراً عليها, ويتحكم بتفاصيل حياتها, فهو من يسمح أو لا يسمح بخروجها من المنزل, وهو من يقرر الحاقها بالتعليم ومن ثمّ بسوق العمل أو حرمانها من ذلك, وهو ــ أيضاً ــ من ينوب عنها في اتخاذ قرار زواجها واختيار شريك حياتها.
على الرغم مما أحدثته بعض المتغيرات الاجتماعية كالتعليم والعمل في إرخاء قبضة السلطة الأبوية على المرأة خلال العقدين الماضيين, إلا أن النظام الأبوي لا يزال يشكّل البناء التحتي للمجتمع العربي, هذا ما يؤكده د. هشام شرابي, الذي يرى أن حجر الزاوية في النظام الأبوي تتمثل في “استعباد المرأة” و”العداء العميق والمستمر في لاوعي المجتمع للمرأة ونفي وجودها الاجتماعي كإنسان والوقوف بوجه كل محاولة لتحريرها.” إضافة إلى أن “المجتمع لا يعرف كيف يعرِّف ذاته إلا بصيغة الذكورية وصفتها”. وأن “ليس للأنوثة من وظيفة فيه إلا تأكيد تفوق الذكر وتثبيت هيمنته.”[5]
ولهذا يُرجع شرابي حالة التخلف السائدة في المجتمع العربي إلى تسيّد “التركيب الاجتماعي البطريركي وهيمنة السلطة الأبوية ليس في العائلة فحسب, بل في مختلف مؤسسات التربية والعمل والدولة”. “فالأب هو المحور الذي تنتظم حوله العائلة بشكليها الطبيعي والوطني, إذ إن العلاقة بين الأب وأبنائه وبين الحاكم والمحكوم هي علاقة هرمية. فإرادة الأب, في كل من الإطارين هي الإرادة المطلقة. ويتم التعبير عنها, في العائلة والمجتمع, بنوع من الإجماع القسري الصامت, المبني على الطاعة والقمع”.[6]
(4)
يستند النظام الأبوي على مخزون هائل من العادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية (Social Norms) التي تشكّل الإرث الثقافي المتجذر الذي يمتد عبر عشرات السنين وتتناقله الأجيال جيلاً إثر جيل. وتمتلك سلطة آمرة وقاهرة على أفراد المجتمع. إنها بتعبير اميل دوركايم (1858-1917) “الضمير الجمعي” (The collective pronoun) الذي يضبط سلوك الأفراد ويخضعهم لسلطانه, وأي خروج عنه يعرّض الفرد إلى النبذ والتحقير من قِبل المجتمع.
ويحدث غالباً أن تتفاعل المعايير الاجتماعية مع الخطاب الديني الظلامي فينتج عنها مركب قامع للمرأة. فالمرأة وفقاً لهذا المركب “عورة” و”مصدر الفتنة” ينبغي تحجيبها بدعوى تحصين المجتمع من “الفساد”.
ومفردة “الفساد” في الخطاب الديني عادةً ما تنحصر في الجانب الأخلاقي الفردي فقط, ويصرف نظره عن الفساد السياسي, والفساد الاقتصادي, ونهب المال العام, والجوع, والفقر, والبطالة, والاستبداد والتعذيب, وانتهاكات حقوق الإنسان, والقتل خارج إطار القانون, …إلخ وهنا بالضبط تكمن أزمة الخطاب الديني بل تهافته!
ولكي لا يلتبس الأمر على القارئ, نُسارع إلى التوضيح إنّ هناك فرقاً واضحاً بين الخطاب الديني والنصوص الدينية, فالخطاب الديني هو أفهام وتفسيرات رجال الدين وليس بالضرورة أن يكون مطابقاً لروح الدين, فواقع الحال يكشف عن وجود اتجاهات مختلفة في الخطاب الديني إزاء العديد من القضايا ومنها قضية المرأة. ونحن حين نتحدث عن الخطاب الديني لا نقصده بعموميته, بل نقصد تلك الاتجاهات المتطرفة التي تغالي في عدائها تجاه المرأة وتجاه المجتمع والعصر.
إذن “الفساد” من منظور الخطاب الديني المتطرف إنما يتمثل في طريقة لباس المرأة بخروجها كاشفة الوجه الذي يعد “سفوراً” وذهابها للعمل الذي يؤدي إلى “اختلاطها” بالرجال والوقوع في الفحشاء والمنكر!
هكذا ينتقص الخطاب الديني المتطرف من المرأة, فهي كائن مشكوك فيه ومحل ريبة, ومصدر الغواية والإغراء, وقاصر عن التحكّم في شهواته ورغباته, لذا يعمل على محاصرته وفرض وصاية عليه حتى يأمن الناس من شره وفساده!
إنه خطاب ذكوري غرائزي بامتياز, خطاب لا يرى المرأة إلا من “خرم إبرة”, أو موضوعاً للجنس ووسيلة للمتعة, ولا يراها إنساناً له هويته المستقلة وكينونته الخاصة.
تتضافر, إذن, المعايير الاجتماعية والخطاب الديني المتطرف في قمع المرأة وذلك بفرض شكل وطريقة لباسها, بفرض الحجاب والنقاب الأسود عليها.
إن هذا الأمر, علاوة على أنه, يمثل تدخل في أخص خصوصيات المرأة, ويتصادم مع روح الدين الاسلامي الحنيف الذي يعطي للمرأة مساحة واسعة من الحرية, فهو أيضاً, يمثل ذروة إهدار كرامة المرأة.
فالنقاب الأسود هو رمز مكثف يلخص اضطهاد المرأة وقمعها, إذ إن اللون الأسود في المدلول الثقافي والاجتماعي يرمز إلى الموت والحزن والظلام.
من المعلوم أن النقاب الأسود مقطوع الصلة بالهوية الثقافية اليمنية, فهو لباس دخيل, وفد إلى اليمن أثناء الاحتلال العثماني لليمن, بعد أن أصدر السلطان العثماني عبدالحميد الثاني (1842 – 1918) فرماناً يفرض على المرأة ارتداء “النقاب” في كافة أنحاء الامبراطورية العثمانية, وقد أنيط بالشرطة والجيش تطبيق هذا الفرمان وإنفاذ العقوبات في كل من يخالفه.
والمفارقة التي تسترعي الانتباه أن فترة حكم السلطان عبدالحميد الثاني ترافقت مع تضعضع الدولة العثمانية وانحطاطها, الأمر الذي يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الانحطاط السياسي ولجوء النظام الرسمي إلى فرض قوانين تعسفية على المجتمع, ففي مراحل الانحطاط والضعف لا تجد السلطات الحاكمة ما يعوّض ضعفها سوى الاستقواء على المواطنين, وهذه تكاد تكون قاعدة في تاريخ الدول والأمم.
لقد ازداد انتشار النقاب الأسود مع اكتساح الأيديولوجيات الدينية الوافدة على اليمن التي عملت على تجريف الهوية اليمانية الأصيلة وغرس قيم وأنماط سلوكية غريبة تستعبد المرأة وتحتقر آدميتها.
فإلى عهدٍ قريبٍ كانت النساء في القرى يلبسن الأزياء الشعبية اليمنية ذات الألوان الزاهية والفرائحية, تلك الأزياء التي تعكس سمات وخصائص البيئة الزراعية وعلاقات العمل التعاوني بين الرجل والمرأة في الريف, وتحترم إنسانية المرأة وتقدّر مكانتها.
مع تدهور العمل الزراعي وتزايد معدل الهجرة الخارجية وتوافد القيم السلعية العولمية وانتشار الأيديولوجيات الدينية المتطرفة, اكتسح النقاب الأسود قرى اليمن, ومعه طُمست كل تلك السمات المميزة والأنماط السلوكية والاتجاهات الايجابية إزاء المرأة وآدميتها, واستُبدلت باتجاهات وأنماط سلوكية سلبية, وأدت إلى تزايد المشكلات الأسرية, والعنف المنزلي, وجرائم الشرف, وفقدان الثقة بين أبناء المجتمع, وطغيان النزعة الأنانية, وانهيار قيم التكافل والتعاون, وانتشار التطرف والتعصب.
(5)
لا يقف العنف ضد المرأة عند شكل محدد, بل يتخذ أشكالاً مختلفة, منها ما هو مادي, ومنها ما هو رمزي. والعنف الرمزي هو ذلك العنف الناعم واللامحسوس وغير المرئي حتى من ضحاياه أنفسهم[7], ولا يعني هذا أنه أخف وطأة من العنف المادي, بل يتكاملان ويتساندان وظيفياً لقهر المرأة وتثبيت الهيمنة الذكورية.
من الصور الكاشفة للعنف الرمزي اغتراب المرأة وانسحاق هويتها لصالح الرجل, إذ تتحدد هويتها بدلالة الآخر/ الرجل, فهي كائن بغيرها لا بذاتها, “فلو سألنا عن هوية امرأة ما, لقلنا هذه زوجة فلان أو بنت فلان أو أمّ فلان أو أخته (…) هي أنثى الرجل, هي الأمّ, هي الزوجة. وهي باختصار تُعرّف بالنسبة إلى الرجل, إذ ليس لها وجود مستقلّ. إنها الكائن بغيره لا بذاته. ولأنها كائن بغيره فلا يمكنها, في إطار الأوضاع التقليدية, أن تعيش بذاتها. لا هي تشعر بالاكتمال بذاتها, ولا المجتمع يقبلها ككائن بذاته. إنّها المثال النموذجي للاغتراب.”[8]
وعلى مستوى التصورات الاجتماعية ولغة الحياة اليومية, تُقرن المرأة بكل الصفات السلبية المُنتَقَصَة في مقابل إعلاء مكانة الرجل. فالمرأة ليست سوى “مكلف” أو “حرمة”, و”كلام نسوان” هو الكلام الذي لا جدوى منه, وعندما يُراد الثناء على المرأة يتم تشبيهها بالرجل كأن يُقال: “مكلف أفضل من عشرة رجال”!
في المقابل ترادف لفظة “الرجل” وصفة “الرجولة” بمعاني القوة والخشونة والشجاعة والشهامة والفحولة والغيرة, ويُقال “كلام رجال” عند المواقف الجادة التي يترتب عليها اتخاذ مواقف حاسمة, وعندما يُراد تحقير الرجل يتم تشبيهه بالمرأة “فلان زي المكلف”, أما الزوج الذي يقدّر زوجته ويمنحها هامش من الحرية فلديه “نقص في الرجولة” ويُوصف بـ”سكّان يمين”[9] وفقاً للذهنية السائدة.
ليس ذلك وحسب بل إن الافصاح عن اسم الأنثى ــ سواء كانت أماً أم زوجةً أم أختاً أم ابنة ــ يعد عيباً في تصورات المجتمع, وحينما يأتي الرجل بالحديث عن زوجته أو أمه أو إحدى قريباته فإنّه يستخدم ألقاباً ورموزاً ويتحرّج من ذكر اسمها فيقول مثلاً: “أهل البيت”, “العائلة”, “المَرَة”, “المكلف”, “المصونة”, “أم العيال”, “أم محمد” وغيرها من الرموز والألقاب.
ويتم نقل هذه المعايير التمييزية إلى الطفل عبر التنشئة الاجتماعية, إذ يُغرس في عقل الطفل بأنّ الجهر باسم الأم أو الأخت أو العمة أو الخالة… يعد عيباً, وإذا سُئل عن اسم أمه فالإجابة جاهزة: حواء!
صور العنف الرمزي ضد المرأة لا تقف عند هذا المستوى, بل نجد الأمثال الشعبية تحتشد بجملة من المواقف المتحيّزة ضد المرأة التي تمتهن إنسانيتها وتلصق بها أقذع الصفات, وفيما يلي نماذج من تلك الأمثال:
“ما للمرة إلا الزواج وإلا القبر”
” هم البنات للممات”
“أمن للشيطان ولا تأمن للنسوان”
“عار النساء باقي”
“كيد الحريم كيد مقيم”
“المرأة ملاعيب الشيطان”
“النسوان احبال إبليس”
“من خلف ولد ما مات”
“ابن عاصي ولا عشر مطيعات”
“الرجال من عصب والمرأة من قصب”
“من عوله البنات تدهور ومات”
“البنت لا تأمّنها من بيتها لبيت خالها”
“شاور المرأة وخالفها”
“طاعة النساء تورّث الندم”
“من صدَّق النساء كان من عديدهن”
وغيرها من الأمثال التي تمتهن المرأة.
(6)
يعمل النظام التعليمي على إقصاء المرأة وإعادة إنتاج الهيمنة الذكورية من خلال عدة وسائل:
فمن ناحية أولى: تقدّم المناهج التعليمية المرأةَ في أدوار نمطية كالزوجة والأم وربة البيت التي تقوم برعاية الأطفال وخدمة أفراد العائلة والأعمال المنزلية والأعمال الزراعية. وتستبعد المرأة العاملة, أو الطبيبة, أو المهندسة, أو الموظفة, أو الناشطة, أو سيدة الأعمال …إلخ, وهو ما يساهم في تكريس الاتجاهات التمييزية ضد المرأة لدى الطلاب الذكور, وخلق اتجاهات لدى الطالبات للقبول بأوضاع اللامساواة الاجتماعية حاضراً ومستقبلاً.
ومن ناحية ثانية: يساهم المِنهاج الخفي (Hidden Curriculum) في تعزيز الصورة الدونية للمرأة. ويعد المنهاج الخفي أحد أخطر الوسائل المؤثرة على شخصية الطالب؛ لأنه يقوم على تحقيق أهداف تربوية خفية غير معلنة وغير رسمية وغير خاضعة للرقابة, فمن خلاله يعمل المعلم على غرس أفكار معينة في عقول الطلاب قد تكون متناقضة مع مضامين المنهاج الرسمي وتتماهى مع خلفيات ايديولوجية معينة.
ومن المعلوم أن النظام التعليمي في اليمن نظام تقليدي يخضع لهيمنة جماعات سياسية ودينية معينة منذ عدة عقود, لهذا من الملاحظ أن نسبة كبيرة من المعلمين يحملون اتجاهات عدائية ضد المرأة وضد العصر, ويعملون على نقلها إلى الطلاب.
ومن ناحية ثالثة: تساهم عملية تخصيص مدارس للبنين ومدارس للبنات في تكريس التفرقة بين الجنسين وبناء عوازل اجتماعية ونفسية بينهما. ويجري تسويغ هذه العملية تحت يافطة منع الاختلاط وحماية أخلاق المجتمع.
ومسألة “منع الاختلاط” هي من المسائل الأكثر رواجاً في الخطاب الديني ويتلقفها أفراد المجتمع كأحد ثوابت الدين, بينما الشواهد التاريخية تقول بخلاف ذلك. إذ كانت النساء, في زمن النبي (ص) والخلفاء الراشدين, يتفاعلن ويؤدين الصلاة ويتعلمن الدين ويتبادلن الأحاديث والمعاملات اليومية مع الرجال بدون عوازل ولا حواجز مصطنعة.
إن الفصل الجندري ليس سوى منتج من منتجات الذهنية الذكورية التي لا تستطيع أن ترى علاقة التفاعل بين الرجل والمرأة خارج دواعي الجنس!
إن المغالاة والتشدد في الفصل بين الجنسين لا يقضي على “الفساد الأخلاقي” كما يزعم الاسلامويون, بل على العكس تماماً, فالمجتمع المقموع والمكبوت غالباً ما يعاني من ارتفاع معدلات الاغتصاب وجرائم الشرف والعنف الجنسي, هذه ما تؤكده الدراسات والاحصائيات, “فما زاد عن حده ينقلب ضده” كما يقال في المأثور الشعبي!
ومن ناحية رابعة: تساهم عوامل اجتماعية ومؤسسية في تعميق اللامساواة التعليمية بين الذكور والإناث, إذ لا تزال نسبة غير عادية من الفتيات اليمنيات غير قادرات على الالتحاق بالتعليم ناهيك عن الاستمرار فيه حتى المراحل المتقدمة.
ومن أهم تلك العوامل: الموقف الاجتماعي التقليدي الذي يعتبر تعليم الفتاة غير مهم وأن دورها الأساسي يتمثل في القيام بالأعمال المنزلية, وكذا عوامل الفقر والزواج المبكر وأمية الوالدين, بالإضافة إلى عدم توفر المدارس لاسيما في المناطق الريفية, وغياب التوعية الرسمية والأهلية بأهمية تعليم الفتيات وغيرها.
إن أكثر ما يخشاه المجتمع الذكوري هو أن تكتسب المرأة التعليم النوعي والوعي المتقدم, لأن ذلك سيوفر الشرط الموضوعي لتحررها من الهيمنة الذكورية وامتلاك ذاتها؛ لهذا السبب يتساند النظام السياسي والمؤسسة الدينية والنظام الأبوي في إبقاء المرأة رهينة الجهل, وحبيسة العادات الاجتماعية التقليدية.
وعلى الرغم من أن تعليم المرأة قد شهد تنامياً كمياً خلال العقود الثلاثة الأخيرة, إلا أنه لم يغيّر كثيراً من الواقع الاجتماعي للمرأة, ذلك لأنه يجري توجيهها, سواءٌ من خلال الأسرة أو المجتمع أو المؤسسة التعليمية, إلى تخصصات معينة كالتخصصات الأدبية والتربوية والطبية لوجود معتقد اجتماعي خاطئ بأن هذه التخصصات تتناسب مع طبيعة المرأة.
(7)
تقول سيمون دي بوفوار (1908- 1986): “إنّ المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة”, والمقصود أن المجتمع الذكوري هو من يشكّل الهوية الجندرية للمرأة من خلال تحديد أدوار نمطية لها, ويقدّمها على أنها حقيقة من حقائق الطبيعة. فالدور الأساسي للمرأة وفقاً للمنظور الذكوري يكمن في “الأمومة” و”تربية النشء” و”القيام بالأعمال المنزلية”, وبذلك تُقصى المرأة عن المشاركة في الحياة العامة, ويُصادر الكثير من حقوقها الانسانية وفي مقدمتها الحق في العمل.
إن مقولة “الفوارق الطبيعية” بين الرجل والمرأة هي واحدة من المقولات الأساسية التي يستند عليها الخطاب التمييزي ضد المرأة, ذلك الذي يعمل على مماهاة الفوارق البيولوجية بالفوارق الجندرية, فوفقاً لهذا الخطاب فإن الاختلاف في التكوين الجسماني بين الذكر والأنثى يترتب عليها اختلاف في أنماط السلوك وبالتالي اختلاف في الحقوق بينهما.
يتعامى هذا الخطاب عن حقيقة الدور الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية في إنتاج اللامساواة بين الجنسين. فالذكور والإناث يكتسبون الأدوار الاجتماعية المتصلة بهم ابتداءً من الأسرة وليس انتهاءً بالمدرسة والمجتمع الكبير. لهذا تُنشَّئ الأنثى على قيم الخضوع والانقياد للذكور والعمل المنزلي, بينما يُربّى الذكر على السيطرة والقوة والسلطة واضطهاد الأنثى.
إن الاختلافات البيولوجية لم تكن يوماً عائقاً أمام المرأة للقيام بمختلف الأدوار الاجتماعية, ولعل المجتمع الأمومي (Matriarchy)[10] يقدم لنا مثالاً ساطعاً على قدرة المرأة على تحمّل المسئولية القيادية في المجتمع.
إن المرأة مثلها مثل الرجل, لديها القدرات والأهلية الكاملة لتقوم بكل ما يقوم به الرجل, وما يعيقها عن ذلك هو طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة.
إن المرأة هي نصف المجتمع, وحينما تُمنع من حقها في العمل, فإن ذلك يعني تعطيل نصف القدرة الانتاجية للمجتمع, الذي يؤثر بالضرورة على نصفه الآخر, ما يعني في التحليل الأخير, استمرار حالة التخلف والتأخر.
في المقابل حينما تشارك المرأة في العملية الانتاجية تحقق نفعاً للمجتمع وتنمّي قدرته على الاستنهاض والتقدم الذي ينعكس على مختلف المستويات, أبرزها: تغيير نظرة المجتمع إزاء المرأة, ونظرة المرأة إزاء ذاتها.
يبدأ المجتمع بتقبُّل المرأة العاملة كإنسان له هويته الخاصة ودوره الفاعل في الحياة العامة, وتكتسب المرأة العاملة ــ عندئذٍ ــ مركزاً اجتماعياً متقدماً, فلم تعد هامشية ومعتمدة على الرجل, بل أصبحت فاعلة ومساهمة في تحسين الوضع المعيشي للأسرة, ومشاركة في اتخاذ القرارات, ومن ثمّ تسود علاقات جديدة في النسق الأسري تقوم على التعاون والتفاهم والإدارة الديمقراطية بدلاً من علاقات التبعية والهيمنة الذكورية والسلطة الأبوية.
إن أهمية العمل بالنسبة للمرأة لا ينحصر في عائده المادي المباشر فقط, بل يمثل وسيلة مثلى لتحقيق الذات والشعور بالاستقلالية واكتساب الهوية الفردية والاسهام في تطوير المجتمع على نحو شامل.
إن خروج المرأة إلى العمل وانخراطها في العملية الانتاجية هي قضية المجتمع وليست قضية المرأة لوحدها. إنها قضية تتعلق بتحقيق شروط التنمية والتطور والتقدم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
ومع ذلك لا تزال المرأة تواجه تحديات جمة على هذا الصعيد, منها: أصبحت المرأة العاملة تقوم بدور مزدوج خارج المنزل وداخل المنزل, من خلال أداء عملها أو مهامها الوظيفية في الخارج, والقيام بالأعمال المنزلية في الداخل, وهو ما يسبّب لها ارهاقاً جسدياً ونفسياً, في ظل غياب الوسائل المساعدة لها كمؤسسات الحضانة التي بإمكانها أن تقوم بدور رعاية الأطفال, وأيضاً في ظل رسوخ المعايير الاجتماعية الذكورية التي تُحجِم الرجل عن مساعدة المرأة في تحمّل قسط من الأعباء المنزلية.
إن تزايد الضغوط على النساء العاملات ــ لاسيما المتزوجات منهن ــ بسبب ازدواجية الدور الذي يقمن به في المنزل وخارجه, قد خلق اتجاهات سلبية لدى النساء العاملات من غير المتزوجات تجاه الزواج, وأصبحنّ يفضلنّ العمل على الزواج, إما لاعتقادهنّ بأن الزواج سيضيف على عاتقهنّ أعباء أخرى و/ أو لأن الزواج سيحرمهنّ من التمتع بحق العمل وتأكيد الذات.
وهناك ميل مغاير لدى أخريات, إذ صرنّ يفضلنّ شكلاً جديداً من الزواج “المرن”, الذي بدأ يتحوّل إلى ظاهرة في الآونة الأخيرة, فهذا النوع من الزواج يقوم على أساس الاتفاق المبدئي بين الزوجين على تنازل الزوجة عن النفقة مقابل السماح للزوجة بالعمل وعدم مطالبتها بالقيام بالأعمال المنزلية وانجاب الأطفال.
(8)
العنف ضد النساء في اليمن عنفٌ مقنن بقوانين رسمية, ذلك ما تظهره بعض النصوص والمواد القانونية. فعلى سبيل المثال: “منح قانون الجرائم والعقوبات الزوج وأفراد العائلة الذكور الحق في قتل المرأة التي تضبط في حالة تلبس بالزنا, هي ومن يزني بها, والحقيقة أن هذه المادة تمثل توجهات وقيم القبيلة بقدر ما تتعارض مع الشريعة الإسلامية السمحة ومبادئ حقوق الإنسان والدستور اليمني وقيم الحرية والعدالة والمساواة, فالشريعة الإسلامية تعتبر جريمة الزنا من جرائم الحدود, وهي الجرائم التي ورد في عقوبتها نص شرعي وكانت حقاً خالصاً أو مثوباً لله تعالى ــ وهو ما نص عليه قانون الجرائم والعقوبات نفسه في المادة 12 ــ وليست من جرائم القصاص التي ورد فيها نص شرعي وهي حق للعباد (كما بينت المادة 13 من القانون نفسه) أو جرائم التعزير, فضلاً عن ذلك فإن هذا النص القانوني حوّل جريمة الزنا من جريمة حدود إلى جريمة قصاص, وخلافاً لنصوص الشريعة الإسلامية فإن هذا النص لم يفرّق بين الزاني والزانية المحصنين وغير المحصنين (أي الذين لم يسبق لهما الزواج), وبالتالي فهو يتعارض مع نص ومضمون الآية الكريمة “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”, فالزانية والزاني غير المحصنين عقوبتهما في الشريعة الإسلامية هو الجلد ثمانين جلدة, وليس القتل.”[11]
إن جرائم العنف المنزلي وجرائم الشرف والعنف الجنسي والتحرش الجنسي ظواهر منتشرة في اليمن, ذلك ما تؤكده الدراسات والتقارير الحقوقية, وعلى الرغم من ذلك لا يوجد تشريع خاص بها. والأدهى أن القائمين على القضاء والمخولين بتطبيق القانون يتعاملون مع هذه القضايا من منظور المعايير الاجتماعية باعتبارها عيباً وعاراً, والمدان دائماً المرأة مع سبق الإصرار والترصد حتى وإن كانت الضحية, أما الرجل فلا يحاسبه أحد حتى وإن كان الجاني. ولهذا السبب تُحجم الكثيرات من النساء الضحايا عن الإبلاغ أو اللجوء إلى القضاء لاعتقادهنّ المسبق ألا جدوى من ذلك.
أما قانون الأحوال الشخصية فسنجد أنه قد صِيغَ “صياغة ذكورية, فعرَّف الزواج بأنه ارتباط بين زوجين تحل به المرأة للرجل شرعاً, وكان ينبغي أن ينص على أنه ارتباط يحل به الزوجان كل منهما للآخر شرعاً, أما من الناحية الموضوعية فإنه موجه بالقيم القبلية, فهو يكرس ذكورية (masculine), وأبوية, ويشجع الزواج المبكر للفتيات, ويتخذ من العرف القبلي وقيمة الشرف مرجعية لكل حقوق الإنسان للمرأة, فكل الحقوق ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالحق في الحركة, ولا يمكن التمتع بها دون أن تكون المرأة متمتعة بالحق في الحركة, فالحق في التعليم والصحة وجميع الحقوق المدنية والسياسية, لا يمكن للمرأة أن تتمتع بها, دون أن تتمتع بالحق في الحركة, وقد قيد قانون الأحوال الشخصية اليمني حق المرأة في الحركة بموافقة الزوج, وبالتالي فإن تمتع المرأة المتزوجة بأي حق من حقوق المواطنة بشكل خاص, وحقوق الإنسان بشكلٍ عام, يغدو مرهوناً بموافقة الزوج.”[12]
وبالنسبة لقانون الانتخابات فقد جاء لتكريس هيمنة الرجل على المرأة من خلال التأكيد على حق المرأة في الانتخاب وعدم تضمنه ــ صراحةً ــ لحق المرأة في الترشح, أي أنه تعامل مع المرأة كقوة صوتية لصالح إنجاح المرشحين الذكور. ويظهر هذا الأمر بشكل أكثر جلاءً في ممارسة الأحزاب السياسية التي تعمل على تحشيد النساء في مواسم الانتخابات والمهرجانات الحزبية لضمان تحقيق أهدافها السياسية.
إن جذر استبعاد النساء من العمل السياسي يعود إلى تصوّر اجتماعي سائد مفاده إن السياسة هي مهنة الرجال, وان النساء لا يصلحن لها, وهو لا يعني سوى تنويع جديد على إيقاع الهيمنة الذكورية التي لا تني عن استخدام الدين تارة والإرث الثقافي تارة ثانية والقانون تارة ثالثة والسياسة تارة رابعة في تبرير تهميش النساء واخضاعهن.
(9)
رأينا فيما سبق حجم التحديات التي تواجه المرأة اليمنية على عدة مستويات, وإزاء ذلك يفرض السؤال نفسه: كيف استجابت المرأة لمجمل هذه التحديات؟
في الواقع لا يوجد نمط استجابة واحدة, وإنما هناك أنماط استجابة مختلفة باختلاف الاتجاهات النسوية إزاء قضية تحرر المرأة. يمكن عرضها على النحو الآتي:
الاتجاه التسليمي:
وهو الاتجاه الغالب في أوساط النساء اللائي أعوزتهنّ الحيلة لمواجهة أشكال القمع والاضطهاد المفروض عليهنّ فيَمِلْنَّ إلى القبول والتسليم بوضعهنّ الاجتماعي كأمر واقع رغم شعورهنّ في قرارة أنفسهنّ جور هذا الوضع وعدم انسانيته, ولكن يقفنَ عاجزات عن تغييره.
الاتجاه الرث:
تتبنى مناصرات هذا الاتجاه مقولات ووجهات نظر المهيمنين, “فتجعلها, تبعاً لذلك, تبدو وكأنها طبيعية وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى نوع من التبخيس الذاتي, لا بل التحقير الذاتي الممنهج”[13] وهنا تبلغ الهيمنة الذكورية ذروة مفعولها.
يظهر هذا الاتجاه أكثر ما يظهر لدى النساء الواقعات تحت تأثير الأيديولوجيا الدينية ــ السياسية التي تسوّغ أشكال اضطهاد المرأة من منطلق ديني ــ ثقافي.
وليس عجباً أن تجد مناصرات هذا الاتجاه يتخذنّ مواقف وينخرطنّ في ممارسات هي على الضد من مصالحهنّ وحقوقهنّ كنساء, مثل: صدور مواقف وخروج مظاهرات نسوية تؤيد زواج القاصرات وترفض الكوتا النسوية وتقف ضد المساواة بين الجنسين باسم الدفاع عن الشريعة ومحاربة العلمانية, أو انسياق نساء في ممارسات قمعية ضد شقيقاتهن كما حدث مؤخراً في العاصمة صنعاء باسم “محاربة الفساد الأخلاقي” و”حماية الفضيلة”, وغيرها من أشكال الرثاثة.
الاتجاه الانعزالي:
يتبدى هذا الاتجاه في خطاب بعض الناشطات والمنظمات النسوية اللائي يصوّرن قضية المرأة على أنها صراع مع الرجل كفرد, وليس مع المركزية الرجولية كنظام اجتماعي ــ سياسي مدّعم بمعايير اجتماعية وثقافية وقانونية.
ما يعني أنه يوّجه البوصلة الوِجهة الخاطئة, وبدلاً من كسب التأييد العام لقضية المرأة يجري الانعزال والتقوقع داخل أوهام “جنسانية” ذاتوية لا تفضي إلى نتيجة حقيقية.
ما العمل إذن؟؟
إن قضية المرأة هي قضية المجتمع ككل, بل قضية الإنسانية بصورة عامة. وتحرير المرأة لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار تحرير المجتمع من التمييز الجندري والتخلف الاجتماعي والتفاوت الطبقي والاستبداد السياسي وهيمنة الإرث الثقافي التقليدي والتصورات الدينية الظلامية, أي بإحداث تحويل جذري في مختلف البنى الاجتماعية باتجاه سيادة المواطنة المتساوية والديمقراطية والتنمية الشاملة المستدامة والقيم الإنسانية الرحبة.
الهوامش والإحالات:
[1] قاسم أمين (1863 1908 – ) مفكر مصري ومن رواد الحركة الوطنية المصرية, عُرف بكونه نصيراً للمرأة وأحد دعاة تحريرها من القيود التي تكبّلها, نشر عدة كتب أشهرها تحرير المرأة (1899), والمرأة الجديدة (1901).
[2] أ.د. حمود العودي, العنف والتمييز الاجتماعي بين أشكاله الثقافية وأبعاده السياسية وموقف الإسلام منه (اليمن نموذجاً), صنعاء, مركز دال للدراسات, فبراير 2012, (بتصرف), ص8.
[3] نفسه, صص 12 – 13.
[4] غيردا ليرنر، نشأة النظام الأبوي، ترجمة أسامة إسبر, بيروت, المنظمة العربية للترجمة، 2013، ص450.
[5] د. هشام شرابي, النظام الأبوي وإشكالية التخلف في المجتمع العربي, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربية, ط2, أكتوبر 1993, ص16.
[6] د. حليم بركات (بتصرف), نقلاً عن: هشام شرابي, البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر, سلسلة السياسة والمجتمع, بيروت, دار الطليعة, 1987, ص22.
[7] بيار بورديو, الهيمنة الذكورية, ترجمة: د. سلمان قعفراني, مراجعة: د. ماهر تريمش, بيروت, المنظمة العربية للترجمة, أبريل 2009, ص8.
[8] خالدة سعيد, في البدء كان المثنى, بيروت, دار الساقي, 2009, ص81.
[9] أي أنه منقاد لزوجته, ويأتمر بأمرها!
[10] المجتمع الأمومي(Matriarchy) بحسب الدراسات الأنثروبولوجية هو المجتمع الذي ساد في مرحلة المشاعية البدائية, ويقوم على سلطة الأم في الأسرة وفي المجتمع بحكم انتاجهنّ للغذاء. وساد فيه خط الانتساب للأم (Matrilineal) إذ كان الأبناء ينتسبون إلى الأم, وكان التوريث ينتقل من الأم إلى البنات. أما الزوج فلم يكن يتمتع بأي سلطة وكان يقطن مع عشيرة الزوجة. وقد انهار هذا المجتمع مع ظهور الملكية الخاصة وتبدل علاقات الانتاج من المشاعية إلى العبودية. وقد جرى الإطاحة بالسلطة الأمومية لتحل محلها السلطة الأبوية في عملية وصفها فريدريك انجلز بـ”الهزيمة العالمية للجنس اللطيف”. ويذهب بعض الباحثين الانثروبولوجيين إلى أن بعض مظاهر النظام الأمومي لا تزال باقية إلى اليوم في بعض القبائل البدائية في افريقيا وأمريكا اللاتينية والهند.
[11] د. عادل مجاهد الشرجبي وآخرون, القصر والديوان, الدور السياسي للقبيلة في اليمن, صنعاء, المرصد اليمني لحقوق الإنسان, أكتوبر 2009, ص140.
[12] نفسه, صص 141-142.
[13] بيار بورديو, مرجع سابق, ص62.