بلال الطيب
القوات الجوية اليمنية التي تشكلت قبل حصار صنعاء بثمانية أيام 20 نوفمبر 1967م، بقيادة النقيب طيار محمد شائف جار الله، كان لها الدور الأكبر في حسم المعركة لصالح الجمهوريين، بعد أنْ سجلت حضورها الفاعل خلال ملحمة السبعين يومًا، حيث أوكل إليها تنفيذ مهام عسكرية ضد الإماميين ومُرتزقتهم، من مُلاحقة، ومُراقبة، وإلقاء قنابل ضوئية على المواقع، ليسهل ضربها ليلًا، بالإضافة إلى تأمين وصول التموين العسكري والغذائي لأبطال الحصار.
قبل الوصول للحظات الانفراجة الكبرى، والتي كان لصقور الجو دور فاعل فيها، نُعطي لمحة مُوجزة عن القوات الجوية اليمنية، وإخفاقات تأسيسها، مع التأكيد أنَّ اليمن صاحبة سبق في هذا الجانب، ففي العام 1926م توجه عشرة طلاب من أبنائها لدراسة الطيران في إيطاليا، ليعودوا بعد أربع سنوات إلى بلدهم المنكوب بحكم الأئمة من بيت حميد الدين، أعطى الإمام يحيى كل واحدٍ منهم رتبة ملازم، وألزمهم بالخدمة في صفوف جيشه النظامي!
الإمام أحمد – هو الآخر – حينما رأى المد القومي الجارف بفعل الثورة المصرية يتسلل إلى صفوف الشباب اليمنيين، المُؤمنين بالحرية والتغيير، حاول أنْ يتماهى معه؛ قَدَّم نفسه كعروبي أصيل؛ وشارك الزعيم جمال عبدالناصر والملك سعود بن عبدالعزيز لحظات إشهار ميلاد تحالف عربي ثُلاثي من مدينة جدة السعودية 20 إبريل 1956م، وبِمُوجبه حصل من الأخيرة على 3,000,000 دولار، اشترى بها سلاحًا من الاتحاد السوفيتي، في صفقه وقعها عنه ولده الأمير محمد البدر.
الملازم أول طيار محمد يحيى المهدي قال في دراسة له أنْ اليمن حصلت بمُوجب تلك الصفقة على حوالي 42 طائرة حربية (مقاتلة، وقاذفة، ونقل، وهيلوكبتر)، دو أنْ يذكر من أين استقى معلومته تلك، وهنا لزم التأكيد أنَّ المراجع التي وثقت لأحداث تلك الفترة لم تذكر ذلك، واكتفت بالقول أنْ الأسلحة السوفيتية كانت بمُجملها برية.
أتبع الاتحاد السوفيتي تلك الصفقة بأنْ أرسل بعدد من الخبراء، الزعيم جمال عبدالناصر من جهته سارع في إرسال بعثة عسكرية مُكونة من 12 ضابط، وكانت مهمة هؤلاء جميعًا تدريب القوات المُسلحة اليمنية على الأسلحة الحديثة، وذكر المناضل عبدالله جزيلان في كتابه (التاريخ السري للثورة اليمنية) أنَّ تلك البعثة أتت بطلب من الأمير محمد البدر، وأنَّ والد الأخير الإمام أحمد لم يكن راضيًا عنها، وأضاف جزيلان: «كان البدر يبدو أمام الرأي العام رجلًا يدعو إلى الإصلاح، ولكنه كان في الحقيقة رجعيًا مُمعنًا في رجعيته».
جاء بعد ذلك الحدث الأبرز، المُتمثل بتأسيس الكلية الحربية في العاصمة صنعاء، برئاسة العقيد حمود الجائفي، ثم مدرسة الأسلحة، ثم كلية الطيران 1958م، وقد التحق بالأخيرة حوالي 56 طالبًا، إلا أنَّ دراستهم فيها لم تستمر طويلًا؛ فقد تم في العام التالي إغلاقها، وتحويل طلابها للدراسة في مدرسة الأسلحة!
والحق يُقال: أنَّ تلك التحولات اللافتة قد مهدت للقوات المُسلحة اليمنية أنْ تخطوا خطوات جبارة نحو التطور والتحديث، وأدت – وهو الأهم – إلى تسلل الأفكار القومية التحررية إلى صفوف ضباطها الأحرار، من أشعلوا شرارة الثورة، وأعلنوا قيام الجمهورية 26 سبتمبر 1962م.
في العام التالي لقيام الثورة السبتمبرية، أرسلت السلطات الجمهورية إلى مصر بحوالي 65 طالبًا لدراسة الطيران، وعلى دفعتين، ولم يتوقف الأمر على إرسال ذلك العدد، فقد توالى خلال الأربع سنوت التالية إرسال غيرهم إلى القاهرة وموسكو، ومنهم جميعًا تشكلت القوات الجوية اليمنية.
كانت القوات الجوية إلى ما قبل حصار صنعاء عبارة عن طيارين بدون طائرات، فالقوات المصرية – كما قال الملازم أول طيار عبدالله صالح الكميم – انسحبت من اليمن، وتركت طائرتي نقل من طراز اليوشن 14، بدلًا عن طائرتي الإمام أحمد (العنقاء، والعقاب)، التي ضمتهما إلى أسرابها عند مجيئها إلى اليمن، وهو – أي الكميم – بقوله هذا خالف زميله محمد المهدي الذي قال أنَّ المصريين تركوا خمس طائرات: ثلاث طائرات ميج 17، وطائرتي اليوشن السابق ذكرهما.
وعلى خلاف شهادة المهدي والكميم، قال الملازم أول طيار فارس سالم الشريفي – ثلاثتهم من أبطال ملحمة السبعين يومًا، ومن طياري سرب النقل تحديدًا – أنَّه وحتى لحظات الحصار الأولى لم تكن لدى القيادة الجمهورية أي طائرة حربية، وأضاف: «وكان هذا الموضوع نقطة قوة في حسابات الجانب الملكي؛ بل كانت في تقديراتهم نصرًا مُحققًا لا محالة، أما في حسابات الجانب الجمهوري، فكانت القناعات لدى الجميع أنَّه لا يمكن تحقيق نصر للقوات المُدافعة بدون الطيران».
في حديثه عن الجيش اليمني بعد حصار صنعاء، قال إدجار أوبالانس في كتابه (اليمن الثورة والحرب) أنَّ عدد قوات ذلك الجيش تضاعف إلى 11,000 مُقاتل، وأنَّه بفعل الدعم السوفيتي صار يمتلك 100 عربة مدرعة على الأقل، وما يزيد على 200 مدفع، وحوالي 40 طائرة.
صحيح أنَّ أوبالانس لم يتحدث في كتابه عن متى وكيف وصلت تلك الطائرات، إلا أنَّ الراجح أنَّها هي نفسها التي أرسلها السوفيت خلال جسرهم الجوي – سنأتي على ذكر تفاصيله – قبل وأثناء الحصار، خاصة إذا ما علمنا أنَّهم أرسلوا – كما أفاد المُؤرخ سلطان ناجي – قبل أن ينتهي حصار صنعاء بـ 30 طائرة حربية يناير 1968م، غير التي تم إرسالها في الشهر السابق.
مع قرب موعد مُغادرة القوات المصرية اليمن، استشعرت السلطات الجمهورية أهمية وجود سلاح طيران فعال تحت تصرفها، ولذات الغرض طلبت الدعم والمُساندة من الاتحاد السوفيتي، لتصل في 7 نوفمبر 1967م طلائع الجسر الجوي السوفيتي إلى مطار الرحبة، الذي سبق أنْ شيده السوفيت، وبمعدل 18 طائرة يوميًا.
في حديثه عن ذلك، قال نائب القائد العام العميد حسين محمد الدفعي أنَّه – أي الجسر الجوي – حوى غير الأسلحة المُتنوعة سربان من طائرات ميج 17، وقاذفات اليوشن 28، وأنَّ هذه الطائرات تضمنتها أصلًا الاتفاقية العسكرية التي أبرمت بين اليمن والاتحاد السوفيتي، وذلك حينما زار الرئيس السابق المشير عبدالله السلال موسكو على رأس وفد عالي المستوى 17 مارس 1964م، كان هو – أي الدفعي – أحد أعضائه الخمسين، بصفته وزيرًا للدفاع.
الرئيس عبدالرحمن الإرياني تحدث في مُذكراته بإسهاب عن تفاصيل تلك الزيارة، وقال أنَّ الرئيس السوفيتي خرتشوف طلب منهم حين تحدثوا أمامه عن حاجة الجيش اليمني لطائرات مُقاتلة، أنْ يُعدوا أولًا الطيارين، ثم يطلبوا الطائرات، وبالفعل تم الاتفاق على إرسال طلاب يمنيين لدراسة الطيران هناك، أما صفقة الأسلحة التي وُقعت حينها فقد اعترض عليها – كما قال الإرياني – المصريون، وظلت في زوايا النسيان.
مع بدء وصول القوات الإمامية إلى مشارف صنعاء، غادر عدد من الخبراء السوفيت الأخيرة، منهم من عاد إلى بلده، ومنهم من توجه إلى الحديدة، فيما توقفت الطائرات العملاقة انتنوف 12 عن إفراغ حمولاتها في مطار الرحبة؛ وهو الأمر الذي أصاب القيادة الجمهورية بالخيبة، توجه القائد العام الفريق حسن العمري إلى مقر سفارة الاتحاد السوفيتي، ولبث فيها 24 ساعة، ولم يغادرها إلا بعد أنْ استجابت القيادة السوفيتية مبدئيًا لطلبه، وبمعنى أصح لطلب القيادة المُكرر، وحين بدء الحصار، توجه وفد رسمي كبير إلى موسكو برئاسة وزير الخارجية حسن مكي، مرورًا بالقاهرة، ودون أنْ يلتقي بأي مسئول مصري؛ ولذلك – كما أفاد مكي – دلالة سياسية، وقد ضم ذلك الوفد مجموعة من القادة العسكريين، وبعض الساسة المدنيين.
بعد أخذ ورد، ومُناقشات طويلة، لبت القيادة السوفيتية طلب المُساندة، وعاودت طائرات جسرها الجوي طلعاتها إلى مطار الحديدة هذه المرة، وكانت فرحة أعضاء ذلك الوفد عارمة، ووصلت – كما أفاد المناضل حمود محمد بيدر – إلى حد البكاء، وأضاف بيدر: «شعرنا أنَّ النصر بالنسبة لليمن شيء حتمي لا محالة، وشكرنا الحكومة السوفيتية على هذا الموقف».
بيدر، وبصفته عضوًا في ذلك الوفد، قال أنَّهم طلبوا من الحكومة السوفيتية إعارة اليمن بعض الطيارين الروس، ولمدة أسبوع فقط؛ لأنَّ الطيارين اليمنيين مُتوقفين لأكثر من عام عن الطيران، فما كان رئيس الوزراء السوفيتي كوسجين إلا أنْ قال لهم: «سنبلغ طيارينا بمُداعبة المُرتزقة»، وهذا وإنْ دل فإنما يدل على أنَّ الوفد الجمهوري كان شديد الاقناع؛ بدليل أنَّ السوفيت أنفسهم لم يشاركوا بطريقة مُباشرة في حرب فيتنام الدائرة حينها، وإنما اكتفوا بالمُساعدة عن بُعد.
وبالفعل قدم الطيارون الروس، وقُتل أحدهم، بعد أنْ تم إسقاط طائرته في أجواء خولان، وهي النقطة التي استغلها الإعلام المُعادي بصورة مُقززة، وتكرر عرض بطاقة ذلك الطيار عبر تلك الوسائل، وشن الغرب حملة واسعة على السوفيت، ردًا على الحملة الجمهورية ضد المُرتزقة الأجانب المُساندين للإمامة.
والأسوأ أنَّ تلك الحملة أثرت سلبًا على الدعم السوفيتي، وصار الأخيرون يتحدثون في وسائل إعلامهم عن سقوط صنعاء الوشيك، مثلهم – هنا – مثل المصريين، ومع وصول القوات الإمامية إلى منطقة شعوب 6 ديسمبر 1967م، غادر من تبقى من الخبراء السوفيت صنعاء، ومعهم عدد من الأجانب، ليأتي منشور السفارة المصرية المُرسل لباقي السفارات المُتواجدة في المدينة المُحاصرة، والمُتضمن إخلاء المصريين لمسؤوليتهم عن حماية تلك السفارات، ويزيد الطين بلة، إلا أنَّ استبسال المُقاومين الجمهوريين، غَيَّر تلك النظرة القاصرة عند المصريين والسوفيت على السواء.
توالى وصول الجسر الجوي السوفيتي إلى مطار الحديدة، وكانت الطائرات الحربية تصل بصناديق كبيرة، فيما تولى الخبراء السوفيت المُتواجدين في ذات المطار مهمة تركيبها، واقتصر في المُقابل مهام طياريهم والطيارين السوريين على تدريب الطيارين اليمنيين، وقد تولى الأخيرون مهام الهجوم على المواقع الإمامية باقتدار لافت، وبذل المدربون السوفيت – كما أفاد أوبالانس – أقصى جهد لتطوير الجيش اليمني أكثر مما فعله المصريون.
وهكذا، وبعد أسبوعين من بدء الحصار، أصبحت الطائرات الروسية المُقاتلة من طراز ميج 17، والقاذفات من طراز اليوشن جاهزات، وتحت تصرف القيادة الجمهورية 12 ديسمبر 1967م، وتم تجريبهن بعناية فائقة. كان حينها ثمة تجمع لحشود قبلية في جحانة، أحد الطيارين المُستجدين رمقهم من الجو، أبلغ القيادة بذلك، فتم قصفهم على الفور، وقد كانت تلك الانتكاسة ضربة قاصمة أصابت الإماميين في مقتل.
وعن تلك الانتصارات المُتتالية، قال بيدر: «وبفضل الله، وبفضل كفاءة وإخلاص زملائنا الطيارين الحربيين اليمنيين، استطاعوا أن يحلقوا بالطائرات “ميج 17” منذ الأيام الأولى لوصولها، وقاتلوا بمقدرة عالية، فدمروا مراكز وتجمعات العدو الخلفية، ولقنوه درسًا لن ينساه، وبرهنوا للعدو قبل الصديق أنَّهم أشجع الشجعان».
القوات الجوية اليمنية التي تشكلت خلال حصار صنعاء، تكونت من ثلاثة أسراب، هي:
1 – السرب المُقاتل 111 من طراز ميج 15، وميج 17، تحت قيادة الملازم أول طيار عبدالواحد سعيد غانم، وكان تحت إدارته سبعة طيارين.
2 – السرب القاذف 112 من طراز اليوشن 28، وانتوف 12، تحت قيادة الملازم أول طيار عبدالله أحمد زيد، وكان تحت إدارته سبعة طيارين.
3 – السرب الناقل 113 من طراز اليوشن 14، وانتنوف 12، وهو الأكبر، فقد تكون من 14 طيار، ولم يقتصر دوره على إيصال الإمدادات إلى مدينة صنعاء فقط، وبمعدل 1 – 2 طلعة يوميًا، وستة أطنان لكل طائرة؛ بل قام ببعض الطلعات الاستطلاعية لمواقع الإماميين، كما تكفل بنقل أفراد من تعز وبرط والحديدة إلى العاصمة، ونقل أيضاً قيادات وشخصيات مهمة من الحديدة إلى صنعاء، والعكس.
لم تكن القوات الجوية اليمنية طائرات وطيارين فسحب؛ بل حوت ثلاثة ملاحين جويين، واثنين مراقبين جويين، واثنين عاملين في اللاسلكي، و47 ميكانيك جويين، و31 مهندس أرضي، وحينما أصابت إحدى قذائف الهاون ذيل إحدى طائرات النقل في مطار الرحبة، قبل إغلاقه، سارع قائد الطائرة الملازم أول سيف صالح الحارثي ومن معه من طاقم بنقل الطائرة إلى مطار الحديدة، وهناك – كما أفاد فارس الشريفي – قرر الخبراء السوفيت عدم صلاحيتها، إلا أنَّ المهندسين اليمنيين أعادوا تأهيلها، وعاود في اليوم التالي الطيار المأربي سيف التحليق بها.
الطيران المدني التابع للخطوط الجوية اليمنية – هو الآخر – كان له دور فاعل في تلك الملحمة، وتركز دوره البطولي في إيصال الإمدادات إلى العاصمة، وبمعدل 1- 2 طلعة يوميًا، وطول فترة الحصار، وذلك بواسطة طائرتي داكوتا، تولى الطياران جوهر الشيبة، وعلي القباطي مهمة قيادتهما، وإلى جانبهما محمد سالم، وعبدالغني القاضي، وعبدالله النعامي، ومحمد الزريقي، والكستبان.
كانت طائرات النقل بشقيها العسكري والمدني لا تقوم بمهامها البطولية إلا تحت حماية الطائرات المُقاتلة، وقد خلق ذلك الانسجام والتجانس بين الطيارين واقع مثالي، ساده الوئام، والدردشات الجانبية المُحفزة، وسجل بعض هؤلاء الأبطال شهادتهم في عدد من الوسائل الإعلامية، وهذا الملازم أول عبدالله الكميم نقل تفاصيل هذا المشهد المُؤلم، مشهد استشهاد زميلة النقيب طيار علي سعد الربيعي.
كُلف الاثنان في الأيام الأولى للحصار بنقل عدد من الجنود إلى صنعاء، هو – أي الكميم – عبر طائرة اليوشن 14، فيما تولى زميله الربيعي مهمة حمايته بطائرة ميج 17، وحين اطمئن الأخير على هبوط الطائرة الناقلة في مطار الرحبة بسلام، استأذن زميله بالتحليق فوق أجواء بني الحارث لضرب بعض الأهداف، وهناك تهاوت طائرته، بعد أنْ اخترقتها عدة طلقات نارية، انفصل بمظلته عنها، إلا أنَّ الأخيرة لم تُفتح، فسقط شهيدًا.
وإكمالًا للمشهد قال الكميم: «وفي وقت لاحق جمهرت بني الحارث، فذهبنا إليها، واستخرجنا الجثة، وقبرناها في مقبرة الشهداء في صنعاء، بعد عمل جنازة عسكرية كبيرة»، وتخليدًا لبطولة الطيار الربيعي تم تسمية قاعدة الحديدة الجوية باسمه.
وبعد حادثة استشهاد الطيار الربيعي بأيام، استشهد المقدم طيار محمد الديلمي، سقطت طائرة الأخير في منطقة الجرداء جنوب العاصمة، كان يومها وزميله النقيب طيار محمد شائف جار الله في مهمة لضرب تجمعات إمامية شرق بلاد الروس، وغرب سنحان، صحيح أنَّ الطيار الديلمي نجح بعد أنْ تهاوت طائرته بالهبوط بمظلته، إلا أنَّ الإماميين قبضوا عليه، سجنوه، وساموه سوء العذاب، وحين أعياهم، رافضًا الردة عن جمهوريته، عزروا به، وقتلوه سحلًا، وقد انتقم الفريق حسن العمري فيما بعد من قتلته، وتخليدًا لبطولته تم تسمية قاعدة صنعاء الجوية باسمه.
وإلى جانب الشهيدين المذكورين، استشهد الملازم أول طيار محمد علي الأكوع أثناء خضوعة لعمليات تدريب مكثفة في دمشق، كما استشهد بعد فك الحصار كلٍ من: الملازم أول طيار علي سيف العديني، والملازم أول طيار سلطان أحمد قائد، والملازم أول طيار سيف صالح الحارثي، والملازم أول طيار محمود عبدالرحمن عثمان، والملازم أول طيار عبدالله أحمد زيد.
وهكذا، ورغم الأحوال الجوية السيئة، وقوة الضربات المُعادية، أدى الطيارون اليمنيون مهامهم باقتدار لافت، وكانوا – كما سبق أنْ أشرنا – سبب بارز من أسباب النصر، أصابوا أهدافهم بدقة متناهية، ضربوا تجمعات إمامية في جحانة، وغرب جبل عيبان، وسفح جبل نقم، ورأس نقيل يسلح، وقاع همدان، وحجة، وجبل النبي شعيب، وغيرها من المناطق، وقتلوا من الإماميين ومرتزقتهم الكثير، ودمروا عدد من المدافع والأسلحة الثقيلة، ولولا تلك المُساندة الجوية الفاعلة، ما تعاظم الصمود، وتحقق الانتصار.