المواطن/ كتابات ـ قادري أحمد حيدر
مفتتح: “إن خير اللسان ما كان في مضمار الحق جاريا، ولكتابه تالياً، وخير الكلام ما كان لكسوة الصدق كاسياً، وعن ملبس الأفك عارياً، فلا تبتغوا غير نجاة أروحكم غرضاً، ولا تبغوا عنها عرضاً…” .
المؤيد في الدين / هبة الله الشيرازي داعي الدعاة من “المائة الأولى” من المجالس المؤيدية، المجلس العشرون، من المائة الأولى.
تحقيق وتقديم د. مصطفى غالب ، ص95
إن الرئيس، أو الحاكم، أو رئيس الوزراء، سمه ما شئت وأياً كان أسمه وفي أي مكان كان، والذي يقبل على نفسه أن يبقى في موقعه مسؤولاً أسبوعاً واحداً، وهو يتفرج ببلاهة وعته على مصادرة راتب مئات الآلاف من الفقراء الموظفين الذين يقعون تحت سلطة دولته ويعيلون الملايين من الأفراد، لا يستحق أن نبادله أدنى درجات الاحترام ولا أن نصفه بقول إنه يمثل سلطة أو شرعية (ما).
إن الرئاسة والشرعية، وصفة رئيس حكومة، أوحاكم، إنما تقاس بالرضا والقبول،ونحن المنهوبة والمصادر رواتبنا لما يزيد عن خمس سنوات، لانبادل هاتين الحكومتين وملحقاتهما أدنى درجات الاحترام، بل نشعر تجاههما بالازدراء والاحتقار، ذلك أن أول خطوة نحو الرضا والقبول هو وقف مصادرة راتب الملايين من الأسر الفقيرة، ليس لأن الراتب حياة.. بل كون الراتب أحد أهم أركان مقومات قيام ووجود أي سلطة ودولة، ولكنهم حكام عدن، وصنعاء، وازلامهم يحيون في بحبوبة العيش ورفاهية التطرف في البذخ السفيه، بالدولار/ والريال السعودي،والسكن في اقفاص الطائرات المسافرة دون توقف، ويقولون لفقراء اليمن بمن فيهم المصادرة رواتبهم.. لكم رب يحميكم، أو كما قالها فيورباخ “إن للإنسان الفقير رب غنياً”، بينما هم وعائلاتهم في حالة متطرفة من الغناء ومن اكتناز الأموال وشراء العقارات، الفلل ، وبناء القصور.
فكيف سيحسون بالشعب الفقير، وبعضهم يتسلم أثني عشر ألف دولار واكثر في الشهر، ومثلها بدلات السفر، غير المحفزات، والبعض الآخر منهم يستلم عشرين ألف ريال سعودي ويعتبر نفسه معارضاً لسلطة صنعاء، مع عدم نسيانه سياسياً إمساك العصا من الوسط في قراءته السياسية حول ما يجري.
اللهم لا شماته!
نقول ذلك ليس من باب الحسد، فهم أدنى من أن نتعطف عليهم بمشاعر حسدنا النبيل الذي لا يناله سوى من احتفظ بحد معقول من كرامة النفس .
إن ما نكتبه عنهم وحولهم من إشارات نقدية إنما هو من زاوية المطالبة بالحق ، بعد أن وضعتنا المأساة مكتملة الاوصاف والاركان في مواجهتهما، بعد أن قذفت بهما الصدفة التاريخية البحتة في المواقع التي يتبوؤنها ، دون احساس ولاوعي بقيمة الأماكن التي هم فيها، ولابالمترتبات الواجبة الملقاة على عاتقهما.
والغريب العجيب، والذي يدخل في نطاق الأدب السياسي،ل- “مسرح اللامعقول” أن ترى وتسمع رئيس المجلس السياسي الأعلى/ مهدي المشاط “رئيس الجمهورية” يعتذر بعد أكثر من خمس سنوات عن عدم صرفه نصف الراتب بعد أن كان أصدر قراراً
بصرفه كل شهرين،نصف راتب ، أي بمعدل ثلاثة رواتب في السنة فقط لموظفي الدولة الواقعين تحت سلطته، ومستمر في حكم البلاد ومقاومة العدوان بأسمهم!! والأكثر مأسوية وغرائبية أنه يسبب عدم صرفه لنصف الراتب :
بالكورونا، وبالعدوان، والنتيجة المنطقية لكلامه/ اعتذاره أنني لن أصرف لكم حتى نقضي على العدوان، ونكتشف لقاح للكورونا.
علما أن خطة الإنفاق للموازنة العامة المقدمة من نائب رئيس الوزراء، وزير المالية في حكومة صنعاء تقدم ارقام كبيرة/خيالية قياسا لحاجتنا للرواتب وغيرها.. ميزانية استوعبت كامل مرتبات عام، 2020م، للمناطق تحت السيطرة، في صورة الايرادات التالية:
ايرادات الجمارك(69،668)مليار، هذا من غير إيرادات جمارك النفط والغاز.
ايرادات الضرائب(469،229)،مليار، ايرادات الاتصالات، (25،047)،مليار،فائض الارباح(60،675)،مليار، ايرادات ذاتية ٱخرى(24،512)،مليار، الاجمالي العام، (649،131)،مليار، وهذه ارقام حقيقية، وليست سياسية، أو تخمينات وتكهنات، هي ارقام من واقع خطة الانفاق للعام، 2020م، المقدمة من حكومة رئيس الوزراء، د. عبدالعزيز بن حبتور، كما تسربت لوسائط التواصل الاجتماعي، والأمر نفسه واكثر بالنسبة لحكومة عدن.
كنا نتمى أن يعتذر رئيس المجلس السياسي،عن حماقات كثيرة تمارس في البلاد،أشياء تستحق فعلا الاعتذار،ولكنه في اعتذاره عن صرف نصف الراتب،وكأنه يقول لنا،نحن لسنا الدولة، وهكذا نفهم اعتذاره .
وجميعنا يعلم أن مرتبات مكتب المجلس السياسي الاعلى، تصرف للقيادات العليا، وبميزانيات خاصة، ومن أن مرتبات مجلس النواب ،والشورى، تصرف للجميع بمن فيهم الجانب الاداري، وهي مرتبات كبيرة.. فكيف نفهم ويفسر ذلك، أو أن هذه الصرفيات للمرتبات تدخل ضمن حسابات سياسة السلطة العليا!! .
بعد كل ذلك لانفهم عدم صرف رواتب موظفي الدولة الفقراء سوى أنه عقاب جماعي لحكمة في بطن سلطة صنعاء التي نقع تحت سلطتها ورعايتها ومسؤليتها السياسية، والقانونية.
.
أنكم وبمصادرتكم لراتب فقراء البلاد تضعونهم أمام خيارات ثلاثة كلها قاتلة:
الأول: الإحباط والانكسار الاجتماعي، والنفسي ، حد العزلة الفردية المدمرة للذات، وهي حالة أشبه بالموت في الحياة.
الثاني : الموت جوعاً، الموت عبر المجاعات المتنقلة التي تحصد الأرواح يومياً.
الثالث:
تحولهم-البعض منهم- إلى مرتزقة وقتلة باسم “الجهاد”، مع من يدفع أكثر، وصولاً للالتحاق بركب “القاعدة” و”داعش”. فهل مثل هؤلاء الحكام يستحقون أن يسموا أو يوصفوا بأنهم رجال دولة.
إن مصادرة الراتب جريمة، والعنوان الابرز للجريمة هي جثث الضحايا المنتشرة في كل البلاد..الضحايا الذين إن اردت بحث ومعرفة اسباب تحولهم إلى توابيت وجثث ، ستجد أن احد الأسباب الجوهرية المفسرة لانتشار الجثث/الموتى ماثلة وكامنة في مصادرة الراتب دون أن يرف جفن لكل من حكومتي صنعاء وعدن.
ومن هنا القول أن الراتب حياة، ومصادرته موت وجثث وتوابيت .
والله إنكم خلاصة مركزة لعاهات ازمنة وعصور الانحطاط مجموعة فيكم فردا فرد، واسما إسما.. من الرئيس إلى الوزير إلى المستشار، أنتم غبار التاريخ المسموم، ولا وظيفة لكم سوى استكمال سورة القتل لما تبقى من ناس المجتمع.
حكومتان تتباريان في قتل الفقراء ، واعدامهم رميا برصاص الجوع، في صورة اغتيال الراتب .
سيذكركم التاريخ بأسوأ عبارات القدح والذم لدرجة تعجز معها قواميس ومعاجم التحقير على توصيفكم بما تستحقون.
أيها……الخ
ورحم الله إمرء عرف قدر نفسه .
ومشكلتكم انكم لاتعلمون، لاتفهمون لاتحسون !! .
وكأنكم جلود خلقت للسير عليها .
إن مشكلتنا/مأساتنا معكم، أنه حتى الجلود تحت معالجات، فنية/كيميائية معينة، يمكن للناس المشي عليها، أو الاستفادة منها لاغراض غير ادمية، أما انتم – حسب تعبير الشاعر مظفر النواب-
“فلا تهتز لكم قصبة”