تقرير – مكين العوجري
“أخشى أن تنتهي الحرب وشغفي قد تلاشى” هكذا بدء حديث «نسرين» من خلف ستار حرمان شائك بالالغام والنار، يحول دون وصول أحلامها ومئات الآلاف إلى قلب المدينة.
نسرين في العشرين من عمرها اضطرت مع أسرتها مغادرة منزلها الواقع تحت خط النار في محافظة تعز، كغيرها من الفتيات لم تستطع الوصول إلى وسط مدينة تعز نتيجة الحصار المفروض على المدينة منذ مايقارب ثمانية أعوام من قبل قوات الحوثيين.
انقضت أعوام
مضت الأعوام وزاد قبضة الحصار تعرس مخالبها في جسد المدينة حتى ظن الجميع أن وصالها تقطعت وجسدها تمزق في رحى الشتات، أيقنت نسرين أن سنوات الحرمان تتعقبها بلا هوادة، ومع ذلك لا زالت تنتظر أن تعود ليعود طموحها.
كانت نسرين تظن أن إنهاء الحصار سوف يسبق إكمالها مرحلة الثانوية العامة، الأمر الذي سيمكنها من الالتحاق بقسم الإعلام في كلية الآداب بجامعة تعز، الا أن حلمها ربما بدء يتورى خلف أسوار الحصار وقبح استمراره الذي أفقدها وأخريات من إكمال التعليم الجامعي خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد المنهك والمثخن بالجراح .
أكملت نسرين الثانوية العامة في منطقة الحوبان شرق مدينة تعز، ولم تتمكن من الالتحاق بقسم الإعلام في جامعة تعز وغيرها الكثير من الطالبات اللاتي يسكن في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وكانت تعتقد أنها ستكمل الثانوية العامة وقد زال الحصار وفتح الطرق الا أن قدر الحرب كان له رأي آخر.
اختصرت نسرين كل حديثها في ” استقرينا خارج المدينة على أساس أنها فترة قصيرة وستمر، لكنها طولت جداً ، واكملت الثانوية وكذلك الحرب لم تنتهي”.
تقول نسرين أنها اضطرت أن تختار تخصص جامعي لا يناسب رغبتها وذلك تلبية لرغبة وإرادة اسرتها، التي في نفس الوقت ترفض أن تدخل مدينة تعز وتستقر فيها للالتحاق بقسم الإعلام في كلية الآداب بعيداً عنها.
لم تستسلم نسرين للحصار فعملت على استثمار التكنولوجيا والعالم الرقمي من أجل تعلم مهارات الإعلام حتى لا تفقد شغفها الرابض في زوايا ركام الحصار.
لكن نسرين تصر على أنها سوف تلتحق في قسم الاعلام حال فتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز.
ووفق المادة 57 كفل القانون اليمني حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن ولا يجوز تقيدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين وحرية الدخول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون ، ولا يجوز أبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعة من العودة إليها.
مستقبل تبدد
تبددت احلام الكثير من الفتيات وتوقفت أغلب الطالبات القادمات من مديريات «شرعب السلام، وشرعب الرونة، والتعزية، ومقبنة، ودمنة خدير، وماوية» عن تعليمهن الجامعي الذي قد كان الكثير منهن قطعن أعوام دراسية متقدمة، ولعب الحصار المفروض على تعز دورا كبيراً في عزوف الإناث عن التعليم الجامعي بعد أن كان قد تحسن بنسبة ضعيفة قبل اندلاع الحرب.
الناشطة الحقوقية داليا محمد تقول إن الحصار تسبب في حرمان الكثير من الفتيات بعدم قدرتهن على الالتحاق بجامعة تعز، ولم يقتصر ذلك فقط على من يردن الالتحاق، بل ان هناك العديد من كان قد التحقن في الجامعة وجاء الحصار اجبرهن على التوقف، وتعرضن للحرمان بحكم أن أسرهن تسكن في المناطق الشرقية والشمالية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، وحاولت بعض الطالبات بإكمال تعليمهن عن بعد الا أن التعليم عن بعد توقف في جامعة تعز
كان الطالبات قبل الحصار يذهبن بشكل يومي إلى الجامعة بحكم أن المسافة قريبة وتكاليف التنقل لا تزيد عن 400 ريال ذهاب واياب حسب ما ذكرت “داليا”.
وعندما بدأ الحصار على مدينة تعز اضطر أغلب الطالبات إلى التوقف من الذهاب الى الجامعة نتيجة رفض الأهالي بأن تعيش بناتهم وسط المدينة وهم خارجها، اما الأسر التي لديها الاستعداد للسماح بناتهم بالسفر إلى المدينة للاستقرار فيها من أجل إكمال الدراسة الجامعية كان للوضع الاقتصادي موقف مغاير وحرمهن من ذلك مع ارتفاع أسعار المعيشة والسكن.
اعداد كبيرة من الفتيات اللواتي تخرجن من الثانوية العامة خلال سنوات الحصار، وبحسب “داليا” فإن أغلبهن لم يلتحقن بالجامعة بسبب أن الوصول من شرق أو شمال المحافظة إلى وسط مدينة تعز أصبح صعب ويحتاج إلى سفر والذي يأخذ ساعات طويلة تمتد من الصباح وحتى العصر.
وتتحجج بعض الأسر كما تقول داليا، بأنه لا يوجد وظائف وما الفائدة من إكمال التعليم، ومع ذلك كان لتلك الأسر الرغبة في حصول فتياتهم على شهادات جامعية الا أنه في ظل الحصار أصبح صعب للغاية وخاصة أن التنقل سفر يأخذ ساعات طويلة.
ويشكل عزوف الفتيات عن التعليم بسبب الحصار في مدينة تعز، مخاوف كبيرة في أوساط النساء خاصة وأن الأمر في مرحلة البدء في تشجيع الآباء على إلحاق بناتهم في التعليم الجامعي، وسيخلف ذلك جيل كبير من الفتيات محرومات من التعليم الجامعي وحتى الثانوية.
وتروي داليا قصص فتيات تعرضن للحرمان أسرهن وعدهن بالسماح لهن بالالتحاق بالجامعة في حال فتحت الطرق، ما لم يتم ذلك سوف يكون مصيرهن الزواج المبكر والقسري بعد إكمال الثانوية العامة، وتبعات ذلك كثيرة منها ارتفاع نسبة الأمية وضعف الكادر النسائي وتراجع الوعي.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.