المواطن/ كتابات ـ حمود المخلافي
أحدثكم عن أمر آخر رافق تواجد تلك المجاميع الكبيرة من أبناء الجبهة الوطنية الديمقراطية. فالأساس أن التلذذ والمتعة التي كان يشعر فيها الجلاد إثر كل وجبة تعذيب للسجناء..كانت تقابل بمتعة أخرى من قبل السجناء، كان الشعور أنك تقدم جسدك وصحتك تضحية في سبيل مثل تؤمن فيها يمنحك شعورا بالزهو والإرتياح النفسي..كما أن صمودك في مواجهة الجلاد وتمردك على تقديم مايريده منك وإحساسك بعجزه لاتقابلها متعة في الدنيا..وتحديدا قدرتك في حماية رفاق لك تبحث عنهم سياط الجلاد فيما لو اعترفت فيهم يمنحك ثقة وإيمان بقدراتك.
لم يكن السجناء يعيشون في فراغ مطلق..كانت هنا الحياة قائمة في تبادل المعلومات وتحديد مايجب وما لايجب..جزء من الوقت كان يصرف لتغطية نقاط الضعف لدى البعض ورفع معنوياتهم..كانت توضع الإحتمالات فيما يريده الجلاد وكيفية مواجهتها..رقعة الحركة واضحة ومكشوفة خصوصا في مناطق النشاط العلني للجبهة..لذلك كانت طبيعة التعامل بين السجين والجلاد تتم على هذه الرقعة، على إثر كل تحقيق مع أحدهم يتلقفه رفاقه لمعرفة ماتم وماهي الاسئلة التي طرحت والإجابات..أحيانا كثيرة كان يتخلى الجلاد عن التحقيق وتوجيه الاسئلة..ويصبح الترف بوليمة جلد وتعذيب من اجل التعذيب فقط لإفراغ مخزونه من العقد والتأزم والإحساس بالنقص
حتم عليا السجن ومعاناة الرفاق التدخل في حالات كثيرة خصوصا عندما يكون هناك عبث بحياة واجساد البعض من المعتقلين..كنت استعين بالشاؤوش لإبلاغ المدير بحاجتي لمقابلته..أكون فيها قد حزمت أمري على التدخل بغض النظر عن النتائج
*- تدخلت في موضوع محمد دائل محمد عندما تدهورت حالته الصحية بصورة خطيرة وقابلت المدير احمد الأنسي وتمكنت من إقناعه بعدم علاقته بالجبهة تنظيميا وان علاقتنا فيه لاتعدو ان تكون علاقة أسرية استغليتها لمصلحتنا في توفير أماكن إختفاء واستراحة عند الضرورة..سألني: صرفتم له بندقية وهي لاتصرف الا لمن أصبح عضوا في الجبهة..انكرت ذلك واكدت له انني كنت وقائد سيف مختفيين عنده واحتجنا لخمسة الف ريال لذلك سلمت له البندقية لرهنها..ساعتها طلب المدير الأنسي إحضار محمد دائل لمواجهتي..كنت قد تفاهمت مع محمد دائل حول ذلك..بمجرد دخوله سأله صرفت لك بندقية حسب اعترافاتك بالتحقيق..رد لم تصرف وانما رهنت بمقابل فلوس والمقراني هو من اجبرني على تلك الاعترافات..طلبت من الأنسي حماية محمد دائل من المقراني فأصدر توجيهاته بنقله الى المبني الآخر المسمى النيابة وطلب من الشاؤوش عدم تسليمه للمقراني في حال طلبه..أستمر أسبوعا حتى زالت منه جراحاته وافرج عنه
*- أستمر عبدالله مهيوب طاهر موضع إهتمام الجلاد المقراني وخاضعا لتعذيب متواصل، ادى الى جراحات وتقرحات في كل جسمه..لم تعد هناك تحقيقات يتطلبها ذلك التعذيب فقد كان نوعا من التسلية والتشفي لاغير..كنا قلقين عليه وتحت إلحاح بعض الرفاق طلبوا مني التدخل لدى الإدارة..كنت مترددا خوفا ورعبا من الإنتقام، قابلت المدير وافهمته ان المقراني..يحاول بكل وسائل تعذيبه إجبار عبدالله مهيوب على إعترافات ليس مسؤلا عنها وليس له اي علاقة فيها فسألني علاقة من إذا ؟ أجبته علاقتي أنا..من لحظتها توقف التعذيب عن عبدالله مهيوب
*- ضمنت كل من عبده صالح محمد بني بحير وعبدالله حسن ناجي نجف بعدم علاقتهم بأي مخازن أسلحة وأنا مسؤول فيما لو ظهر عكس تأكيداتي..وتم اطلاقهما بعد أسبوع
كنت انطلق من التعامل بالمكشوف من واقع حواراتي قبل السجن..كل الأوضاع التنظيمية وحركة الجبهة في المنطقة كانت واضحة ومكشوفة للعيان ولم يعد هناك سرا يخشى إنكشافه.
تركزت التحقيقات معي من واقع مسؤلياتي السياسية والثقافية والتنظيمية التي شغلتها وطبيعة الحوارات التي أجريت مع السلطة وهل كانت تتم بتنسيق مع النظام في الجنوب وهل كانت هناك نوايا جدية في ذلك…أسئلة سمجة وسخيفة حول قضايا وامور بديهية لاتحتاج لكل هذا السجن وجلاوزته وادوات تعذيبه
كنا جميعا نشعر بإستقلاليتنا بل بإنقطاعنا عن جسد الحزب الذي لم يعد مهتما بالمعتقلين وعمليات القمع التي تجري فقد كان مشغولا بصراعاته ومشاكله الداخلية…كان إحساسنا يتزايد بأن الحزب تخلى عن فرعه وعن الجبهة الوطنية..كانت تلك القناعة قد توفرت من اللحظة التي تم فيها التفريط بالحوارات المركزية بين قيادة الجبهة والسلطة والقبول بتجزئة الحوارات على أسس مناطقية وهو مايمثل تراجعا عن وضع سياسي كان متقدما..والتراجع في الموقف من القضية الوطنية وباتت النزعة الشطرية تطفو على السطح واصبحت النظرة الى كون الجبهة وفرع الحزب يمثل عبئا على النظام في الجنوب تتعزز يوما بعد يوم وهو ما انعكس على بعض التصرفات اليومية من قبل النظام
كنموذج تجميع افراد في عدن وارسالهم تسليما لنقاط الأمن الوطني الحدودية بدون متابعة لطريقة التعامل معهم.
شكل إتفاق تعز بين الرئيسين ألعام 1982م أساسا لكل تلك التراجعات التي استند أليها نظام صنعاء في حربه التصفوية تجاه الحركة الوطنية في الشمال وفي المقدمة منها الجبهة الوطنية الديمقراطية..لا أريد ان استرسل كثيرا في هذا الجانب فهو أمر متروك للتاريخ ولمن هم أجدر مني وأقدر في تناول ذلك بإعتبارهم في موقع الإطلاع والقرار…حقيقة واحدة أجزم فيها أن هناك تغاضي إن لم تكن مباركة من قبل النظام في الجنوب (علي ناصر) لكل مايجري في الشمال وسجونه
شكل الفرن محورا لكل مايدور في المنطقة فلم تعد الجدران قادرة على منع حركة التواصل والمتابعة وتلقي البيانات والمعلومات من وإلى ألفرن بما في ذلك مايجري في سجون المشائخ ومراكز الجبهة الإسلامية من اعتقالات وتعذيب..جعلت من المنطقة مسالخ متنقلة ومتعددة لذلك بات من الضرورة تكييف وضعنا كمعتقلين مع الجديد من تلك الأحداث، وهنا لابد لنا من التنويه والإشادة بالدور المهم الذي لعبته المرأة الأم والزوجة والأخت في توفير شبكة المعلومات والبيانات تلك بحركتها الدائمة
من وإلى السجن..
وسط كل تلك المعمعة من الأحداث والأجساد المخلوسة والأطراف المتيبسة والمكسورة كانت تتوالى السكاكين والسهام المصوبة من خلف الحدود الشطرية الى اجساد تصلب ويمارس بحقها شتى أشكال التوحش والقهر..بتخوين حملة الصليب بين جدران السجن..السائرون في درب التضحية على جمر أخف وطأة وأكثر عطفا من تلك الألسن التي تتمطأ وتلتحف تراب جولدمور، تلوك شرف العائشين في القهر وعيونهم ترنو إلى السماء
يجدر هنا ملاحظة اننا في ظروف العمل السري كنا أقدر على قهر الصعوبات في متابعة السجناء وتخصيص مصاريف دورية لهم ولأسرهم رغم شحة الإمكانيات واعتمادها على الإشتراكات وهو مالم يحدث في الظروف التي تجرعنا قهرها ألما وحسرة
في يونيو العام 1984م تقريبا (لست متاكدا من التاريخ) تم ترحيلي مجددا الى صنعاء وفي قصر البشائر للمرة الثانية..كان يجري حينها ترميم جناح السجناء المحليين لذلك تم إستضافتي في جناح السجناء الأجانب لأكتشف ان القهر وانعدام الحق الإنساني ليس حصرا علينا نحن اليمنيين فقد كان السجناء الأجانب واليمنين متساون أمام بشاعة السجن وظلمه..كان هناك سوريين واثيوبيين وفلسطينين واوربين.
وقعت في غرفة تضم اثيوبي لاجيئ وثلاثة سوريين مدرسين بالإضافة إلى أسترالي وكان معنا على ما اذكر الاخ صالح البدح والذي يعمل مديرا للادارة العامة للاعلام في وزارة الاعلام ويحمل الجنسية الأمريكية..تم اعتقاله وكان يستعد للسفر إلى امريكا
الأسترالي خبيرا في التنقيب عن المياه ومتعاقد مع شركة خاصة تعمل بإرتوازات المياه..أعتقل أثناء عودته إلى صنعاء من تعز وليست بحوزته وثائقه كونها في حفظ رب العمل..عندما تم تركيب القيد الحديدي في قدميه كان مذهولا ومستغربا ويستثير الشفقة..كان يمسك بالخيط لرفع القيد أثناء الحركة ولايقوى على الحركة..تحدث مشيرا إلى ان القيود موجودة في استراليا ولكنها تستخدم لتكبيل الخيول الجامحة..كان مدمنا على الشراب وفي السجن لاحيلة لديه سوى الإمساك بكوب ليسكب فيه بيك من الماء يتناوله بعد ان يخلطه بقليل من الماء ثم يرشفه على جرعات بإعتباره ويسكي…ثم يسترخي وينام هه.
المأساة كانت تقع على كاهل الفلسطينين الذين أستضافتهم اليمن في مخيم صبرا..ظلوا محصورين فيه وكل فلسطيني يوجد في شوارع صنعاء او في نقاط التفتيش يتم إحتجازه وتحويله إلى الأمن الوطني او الاستطلاع الحربي
تم نقلنا الى حوش اليمنين بعد ان تم ترميمه، عندما أستقريت فيه أفاجأ بشاب يقترب مرحبا بي محمد علي السيد من منطقة السهيلا تعانقنا وكانت فرحتي فيه كبيرة جدا فهو أحد شبيبة الحزب إضافة الى أنه المعروف الوحيد بالجناح
تعرفت على الرفيق علي قلهيص عبر محمد علي..مناضل صلب وراسخ في قناعاته..تعتليه أثار التعذيب وكسور في اصابع يديه
ايضا تعرفت على المناضل محمد العبادي الذي استشهد كما علمت في حرب 1994 م
كان السجن في البشائر خليطا عجيبا من السجناء ويجمع كل المتناقضات فبالإضافة الى سجناء الحزب كان هناك النقيض ومن كنا نتصارع معهم في المنطقة مجموعة صلاح محمد عائض الحميري من منطقة الحزم والمتهمين بمقتل الشيخ مقصع في إب، لا اذكر منهم سوى الشاب خالد محمد عائض وطه محمد سيف، سكنا معا في غرفة واحدة وارتبطنا بصداقة حقيقية فنحن جميعا ضحايا للصراع السياسي..، أيضا كان هناك الشيخ شرده من الحيمتين عضو مجلس الشعب التأسيسي واحد اقطاب الملكيين في حصار صنعاء، بحكم وضعيته عشنا في بحبوحة من العيش ولم ينقطع عنا القات خلال فترة بقائنا في البشائر.
الأهم من هذا كله كان هناك مجموعة من السجناء اغلبهم من صعدة فيهم عضو مجلس الشعب لا أتذكر اسمه وآخر من سنحان اسمه السراجي ويسكن في صنعاء القديمة واخرين من يريم..أحدهم اسمه ابراهيم ويعمل في شركة النفط..هذه المجموعة اطلقت على نفسها اسم مجلس العلماء المسلمين بعد الثورة الإيرانية واصدرت مجموعة من البيانات مؤيدة للثورة الإيرانية وفي أحدها دعت إلى عصيان مدني وتحريض المواطنين على التوقف عن دفع الزكاة للحاكم الذي لم يعد شرعيا ولكل ذلك تم اعتقالها…الملفت للنظر هو طبيعة التعامل مع هذه المجموعة الذي ارتدى مسحا طائفيا فلم تكن تنطبق على وصفهم بالسجناء..إذ كانت حياتهم وكأنهم في إقامة اجبارية في فندق سياحي، فلم تكن هناك تحقيقات معهم، الكل يعاملهم بإحترام بما في ذلك العساكر الذين لايفقهون من السياسة شيئا..غرفنا تغلق علينا في ساعة محددة من الليل بينما غرفهم مفتوحة..، الزيارات متاحة لهم بما في ذلك خارج الأوقات المحددة لها، جميع وسائل الراحة والغذاء متوفرة لهم بما يتجاوز إحتياجاتهم..الأغرب في وضعهم أن كل الكتب والمراجع التي تتفق مع توجههم متاحة لهم في السجن وبصفة رسمية.
أتذكر أني استعرت منهم كتابا لقراءته عنوانه ( ابي هريرة شيخ المظيزة) فيه نسفا وتجريحا بأبي هريرة
بوجودهم ووجود الشيخ شرده عشنا في رغد من العيش نحن المحرومين من الزيارات والمصاريف
تم إرسالي الى السجن المركزي لشهرين وإعادتي..كان أغلب السجناء في الجناح الذي أقمت فيه من شباب الجبهة من منطقة ريمة..كما موجودا أحد الرفاق من حجة اسمه صعصعة ايضا سجينا من تعز طالبا في كلية الطب في القاهرة اعتقل اثناء الإجازة هو الدكتور ياسين قباطي ..كان السجن المركزي باردا ولكن تتوفر فيه الفرش والأغطية..للسجناء يوما في الأسبوع للخروج الى الحوش لمعانقة الشمس والتدفؤ بأشعتها..يفصلنا عن العنابر المقابلة الحوش..هناك في تلك العنابر يحتجز مجموعة من الرفاق القياديين في الحزب بينهم المرحوم عبدالرحمن غالب والدكتور عالم النفس عبدالرحمن المنيفي..تلك كانت معلومات من سجناء سبقوني في المركزي
بعد إنقضاء الشهرين تم إعادتي إلى البشائر مجددا لأجد تغير التركيبة السكانية للجناح فلم يعد موجودا فيها سوى مجموعة الشيخ صلاح الحميري ومحمد علي سعيد
ذات مساء تم استدعائي للتحقيق من قبل أحد المحققين الشباب..لم يكن تحقيقا وانما مجرد أسئلة للتعارف واستعراض محطات السجن معي ومشروعات المستقبل بعد خروجي..كانت المرة الأولى التي أسمع فيها مفردة الخروج في السجن.. ذلك المحقق هو الدكتور حاليا علي الأعوش.النائب العام للشرعية.ربما كنت هنا في موقف اختلف فيه مع الكثير من الرفاق، عندما أقول انه كان متعاطفا معي كوني أعتقلت وانا في مهمة رسمية..انزعج كثيرا عندما اخبرته عن إعتقال رفيقين أحدهما أنسي والآخر مقطري..تم الافراج عن الأنسي لحظتها بينما استمر اعتقال المقطري لعامين كاملين..كان نقاشا عاما سياسيا لم اتحفظ خلاله في تحديد رؤيتي النقدية للنظام وما يفترض أن يكون عليه، شاطرني في بعض الملاحظات بتحفظ رجل امن
بعد اسبوعين من تلك الجلسة تم النداء عليا مع فراشي إفراج من تعز
تصرفت بتلقائية ، وتمسكت بالحدائد عند الباب صائحا لا اريد الخروج ولا اريد الافراج وسط ذهول السجناء والعساكرالذين احرمتهم من رحلة فيها مصاريف وبدل سفر، لم ادري مالذي حدث ، سقطت ارضا على وقع الهراوة الأولى على رأسي ، لكني لا اتذكر ماحدث بعدها بدأت أستعيد وعي تدريجيا ، صحوت وانا في زاوية ضيقة في القصر ، متكورا بجسدي الذي كان يؤلمني عظما ولحما ، لا أدري مالذي حدث فعلا ، حاولت اتحرك ، لا استطيع ، كان هناك انينا بمحاذاتي يا الله لشخص أخر، وروائح عفنة تملاء المكان فتح الباب من قبل احد العساكر وبدخول الضؤ أكتشفت في أي جهنم انا ، المكان زاوية تحت الدرج صنع لها بابا لاتتسع لشخص واحد ولاتستطيع ان تمد فيها رجليك وجسد لبني ادم متكوما فيها ، لم يعد عاقلا ولايتكلم فاقدا للعقل ، واكوام من المخلفات الأدمية ، طلبت من العسكري الذهاب الى الحمام ، رمى باتجاهي بالكدم صائحا ما انتش في فندق ، تصرف زي صاحبك ، مضيت في هذا القبر اسبوعا ، اسمه زنزانة الجوية ، عرفت فيما بعد انها سميت بهذا الإسم بسبب ان احد ضباط القوات الجوية الذين اعتقلوا في احداث اغسطس 1968 م مات اثر التعذيب فيها ، لذلك اطلقوا عليها اسم الجوية تخليدا للذكرى
أستدعاني الضابط علي الأعوش ليسألني عن سبب رفضي على النزول إلى تعز وان امر الإفراج عني واضحا.. أفهمته ان هناك أمران بالإفراج عني من تعز وتم رفضهما لذلك لايمكنني العودة إلى تعز مجددا.. أوضح ان الضمان شرط ضروري للخروج من السجن فهل لديك تجار يعرفونك في صنعاء يستطيع أحدهم ان يضمن عليك.. فعلا لم يكن لدي إحد حتى في تعز لاتوجد لدي معرفة وان وجدت لن يتجرأ أحد على ضمانتي
ذات مرة وبالصدفة يسألني مدير السجن يحي سعد ما هي قصتك يامخلافي؟ وفي مجابرة طويلة معه شرحت له كيف تم إعتقالي وكنت في مهمة رسمية بالحوار مع السلطة بعد أن بدأنا الحوارات بضمانة الشيخ علي شويط عندما كان قائدا في شرعب، فاجأني بأن علي شويط شيخه في حاشد.. طلب تجهيز الطقم وحملني مقيدا معه إلى منزل شويط الذي صادف أنه كان في زيارة الى الحديدة ولكن أخاه معيض كان موجودا ويعرفني.. أوضحنا له ماهو مطلوب من الشيخ.. تألمت كثيرا عندما صارحنا أن الشيخ علي شويط تابعك بعد علمه بإعتقالك لكن تم إنكار وجودك وبعد متابعات مضنية توقف يأسا من وجودك
قدم الشيخ علي شويط ضمانته بمتابعة يحي سعد الا أنها رفضت من قبل مدير التحقيقات الخولاني.. فضمانة الشيخ غير مقبوله لأن ماهو مطلوب ضمانة تجارية.. يئست من الخروج الا أن الأعوش طمأنني أن الخولاني لديه مهمة في إب.. لذلك سيمرر الضمانة أثناء غيابه.. وهو ماتحقق فعلا
خرجت من المعتقل في 26 نوفمير 1984 م اتذكر حينها ان الأعوش استدعاني مساء الى مكتبه وابلغني بالافراج ، لكنه سألني هل لديك بطاقة شخصية ، وعندما عرف عدم امتلاكي لبطاقة اوضح لي انني سوف اعتقل ثانية من قبل جهات أخرى تطوف الفنادق وتعتقل من لايملك اثبات هوية طلب من مدير السجن بعد ان سلمه الافراج وكان اسمه يحي سعد ، ان ابقى عنده حتى الصباح اعادني مدير السجن وهنا النكتة التي تثير الضحك ، اذ عندما عدت تحلق عليا كل السجناء واصحابي تحديدا للسؤال ماذا حدث معك ؟ اوضحت انه مفرج عني وسوف انام حتى الصباح ، الجميع أعتبرها مزحة واعتبرني مجنونا ، ولم يصدقوا مؤكدين انهم سينسونى ، مذكرين بقصة احد السجناء الذي ابلغوه بالافراج وكان في حلقة سجناء يلعبون باصرة( ترب ) لم يقم قال للعسكري سوف اكمل الجولة ، تناسوه وبقي في السجن سنة كاملة أصدقكم القول انني لم اشعر بوطأة السجن سوى تلك الليلة ، لم انم ليلتها ، طبعا لم يكن لدي مصاريف ، السجناء هم من جمعوا لي مصاريف الطريق والسيارة عندما أذن الفجر حزمت نفسي وودعت اصحابي ودقيت الباب الحديدي للسجن أجابني العسكري المستلم من ؟ موتشتي ؟ رديت عليه افتح اريد ان أخرج انا مفرج عني ، نهض العسكري من مكانه وبيده هراوة قائلا يا الله والجنان احنا والملابجة من الصبح ويبحث عن المفتاح موجها كلامه لي ولايهمك يا كلب انا شصبحك مليح مليح ، والسجناء اكتشح كل واحد منهم في زنزانته سمع مدير السجن يحى سعد الجلبة وكان نائما في غرفة تقع فوق العقد حق باب السجن ، ايش في يا عسكري ؟ اجابه واحد عاق والديه يطلب الافراج عنه ، طلب منه اذا كان المخلافي هاته الى هنا ، اخرجني العسكري وانا انظر الى الهراوة بيده وادعي ربي يا ساتر اذا لم يتعرف عليا المدير ، عندما رآني ضحك وقال مع السلامة يا ولدي قع رجال أنطلقت مسرعا وانا اتلفت خلفي وسط صقيع صنعاء الذي يشتد مع اقتراب الصباح ، ليس لدي من الثياب سوى جوجرة فوطة وشميز كاكي نصف كم وصولا الى الفرزة
كان الجو في تعز مشحونا حيث اعمال الملاحقة والاعتقالات لم تتوقف ، والسجن يكتض بأبناء المنطقة ، حتى اولئك الذين يفرج عنهم من قبل الأمن الوطني يتم اعتقالهم مجددا من قبل متنفذي حكومة الظل ، حيث الازدواجية قائمة ، والبعض يتم استدعاؤهم عبر النيابات وقدموا الى محاكمات بتهم قتل في قضايا حدثت أثناء الصراع داخل المنطقة ، ايضا اغتيالات تتم من حين الى اخر عشت على اعصابي ولم يكن امامي سوى طريقين اما الهروب او البقاء والتكيف مع الوضع الذي كنت أثق انه لن يستمر اخترت الطريق الثاني.
مباشرة وفي ثاني يوم وصولي تعز، زرت مدير جهازها احمد الأنسي، وبعد ان استقريت بأسبوع أستأذنته الخروج إلى المنطقة لزيارة الأسرة..لحظتها أكتشفت اني لا أزال في السجن ومحددة إقامتي في المدينة وعدم مغادرتها التقيت بالاسرة بعد ثلاثة أشهر من المتابعة كان هناك اعتراضا من قبل بعض الخصوم الذين فرضوا عدم عودتها بالقوة ، حتى في اليوم الذي قررت فيه الأسرة الدخول الى تعز تواجد مسلحون وحاولوا منع الزوجة من صعود السيارة ، الغريب والمضحك في نفس الوقت ان بين هؤلاء العتاولة المجندين مع المشائخ في نطاق الجبهة الاسلامية، من كان من رفاقنا لكن لظروفه التي تخصه اصبح مجندا مع القبضايات ، وكانوا أكثر تطرفا من الذين عشنا معهم في صراعات ربما لاثبات طهارتهم أمام أرباب نعمتهم وهي أسوى حالات الإرتداد
أنتهى
نلتقي في الجزء الثاني