فوزي العريقي
2020/10/22م
توفی یوم الخمیس الماضي 2020/10/15م، الرفیق المناضل والطبیب عبدالله الظرافي، في مدینة عدن، بعد رحلة مضنیة مع المرض، حیث استقر نازحا وعاملا کطبيب بعد الحرب، في جمهوریة الصومال، مع بعض رفاقه من الاطباء النازحین٠
کان احد الرهائن الذین قضوا سنوات بین قصر الامام احمد والمدرسة، وربما کان الاخ عبدالرقیب الهیاجم احد مجایلیه، فقد کان الاخیر رهینة ایضا، ورافقه في رحلة الدراسة والتحصیل في لبنان.
في العاصمة بیروت کان تفتح وعیه السیاسي، من خلال اجواء الحریة في الصحافة والاعلام، ونشاط حرکة القومیین العرب، في الجامعة الامریکیة/ بیروت، وفي أوساط الطلبة الیمنیین والعرب خارج أسوار الجامعه.
کتب الدکتور نادر، نجل الدکتور الراحل سیرة عنه، وارسلها لي الرفیق عبدالفتاح عبدالولي، وهو عم والدته، وقد سمحت لنفسي بإجراء بعض التعدیلات الطفیفة، التي تتعارض مع سیاق السیرة، وبعض الوقائع الثابتة..
نبذة عن الدكتور عبدالله محمد علي الظرافي
ولد عام 1948م تقريبًا، في قرية القاعدة التابعة لمديرية الوازعية، جنوب غرب مدينة تعز، حيث عمل برعي الأغنام منذ نعومة أظفاره، كما التحق بمعلامة القرية للدراسة، فتلقى فيها دروسًا في القرآن الكريم، وتعلم هناك أبجديات القراءة والكتابة وأساسيات الرياضيات.
عام 1960م، وفي سن الثانية عشر تقريبًا، تم طلبه من قبل الإمام أحمد حميد الدين للذهاب إلى مدينة تعز، کرهینة بهدف ضمان ولاء جده الشيخ علي اسماعيل الظرافي، الذي كان شيخ الظريفة آنذاك، ولتأمين ولاء منطقة الوازعية عموما لنظام حكم الإمام، عملًا بنظام الرهائن الذي كان ينتهجه الإمام لضمان ولاء شيوخ القبائل في سائر أنحاء البلاد.
غادر الظرافي قريته الصغيرة ليستقر به المطاف في مدينة تعز، حيث عاش في مقام الإمام ومع حاشيته، ودرس هناك في مدرسة الناصرية في منطقة الجحملية (مدرسة النجاح حاليًا).. قبل أن يتحصل على منحة دراسية من نظام الإمام الی لبنان، رفقة رهائن أخرين، بغرض دراسة المرحلتين الاعدادية والثانوية في مدرسة الشويفات في بيروت.. فكان سفره إلى هناك بعد مضي أسبوع واحد فقط من قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وسقوط المملكة المتوكلية٠
في بيروت، ومع إحتكاكه بطلاب عرب كُثُر، وشخصيات من سائر البلدان العربية، ومن مختلف المشارب السياسية، تشكلت أفكار الظرافي القومية بشكل أكبر، وتبلورت توجهاته اليسارية بوضوح، خاصة مع بروز دور جمال عبدالناصر العروبي حينها، ونشاط حركة القوميين العرب بكثافة في بيروت.
في العام 1967م، وبعد فاجعة النكسة، خرج الظرافي رفقة زملاءه الطلاب في مدرسة الشويفات بمظاهرات عارمة في شوارع بيروت، فحاصروا السفارة الأمريكية هناك، وأضرموا النيران فيها، حدث ذلك بالتزامن مع خروج مظاهرات أخرى في عديد من المدن العربية، من ضمنها مدينة تعز، التي أجبر المتظاهرون فيها السلطة علی إخراج الأمريكان من مخيماتهم القائمة في المدينة، وتحديدًا في منطقتي الكمب والنقطة الرابعة.. وعلی إثر تلك المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة، قررت مدرسة الشويفات إلغاء منح الطلاب اليمنيين المشاركين في المظاهرات، وقامت السلطات بطردهم من بيروت، كون المدرسة تقوم في الأساس على تمويل أمريكي بحت.
عاد الظرافي بعدها إلى اليمن، وتحديدًا إلى العاصمة صنعاء، حيث التحق بمکتب طیران الیمنیه، وعین لاحقًا مديرًا لمكتب طيران اليمنية..
تعرف هناك على عضو مجلس إدارة اليمنية، الأديب المعروف محمد أحمد عبدالولي رحمه الله، صاحب روايتي صنعاء مدينة مفتوحة، و يموتون غرباء، بالإضافة إلى مجموعات قصصية عدة، أبرزها شيء اسمه الحنين والأرض يا سلمى وعمنا صالح العمراني.. کان من اوائل الملتحقین بالحزب الدیمقراطي الثوري الیمني، الذي تم تأسیسه في یونیو 1968م..
وهو أحد رفاق الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب قائد قوات الصاعقة و رئیس هیئة الارکان العامة، وأحد الأبطال الذين وقفوا في الدفاع عن العاصمة صنعاء إبان حصار السبعين، وفك الحصار عنها وعن سكانها الأبرياء، مدافعين عن الثورة والجمهورية أمام هجمات الملكيين وأتباع الإمام البدر.
بعد مضي فترة بسيطة من حصار السبعين، وتحديدًا بعد مقتل الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب بصورة وحشية، نزح الظرافي من صنعاء إلى منطقة باب المندب، مفلتًا من ملاحقة السلطات له ومن مصير السجن أو التصفية، فمكث هناك لبضعة أشهر..
أواخر عام 1969م، أوفد في منحة من الحزب الدیمقراطي إلی الإتحاد السوفيتي لدراسة الطب، مع رفاق له منهم عبدالفتاح عبدالولي، و احمد حسن سعید(الشهید الدکتور) فسافروا إلى هناك عبر الجو من مدینة الحدیدة٠
أنهى دراسة البكالوریوس في الطب من جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو عام 1976م، بحسب تعدیل الرفیق درهم عبدالفتاح.. ليعمل طبيبا في مستشفی الثورة العام وافتتح عیادة خاصة في حي قاع العلفي، بعدها انتقل في مدينة المخاء لمدة تزيد على العام*، ضمن نظام الخدمة الريفية.
ارتبط عام 1980م بزوجته بلقيس، ابنة الأديب محمد احمد عبدالولي.. لكنه نظرا لکونه ظل مراقبًا في تعز، وملاحقًا من قبل السلطات الأمنية والقمعية طيلة عام وأكثر.. فقد انتقل متخفيًا إلى القرية، رفقة زوجته بلقيس، وظل هناك لفترة بسيطة.. قبل أن يواصل رحلة الفرار إلى شطر البلاد الجنوبي، بمفرده هذه المرة، ليسافر بعدها من عدن إلى موسكو بهدف إكمال دراسة الماجستير.
وبينما هو يدرس في موسكو، حرص على إلحاق زوجته به إلى هناك، وعمل على توفير منحة جامعية لها،، فسافرت زوجته بلقيس رحمها الله، بعد سنتين تقريبا في إثره، حيث درست الصيدلة هناك، في الأكاديمية الموسكوفية الطبية.
وفي عام 1986م، سبق الظرافي زوجته بالعودة إلى أرض الوطن بسنة واحدة، بعد أن تحصل على شهادة الماجستير في جراحة العظام والمفاصل من جامعة الصداقة بموسكو.. ليعود بعدها إلى مدينة تعز، ويبدأ رحلة عمل طويلة وحافلة بالعطاء الانساني في مستشفى الثورة العام بتعز، حيث كان له فيها دورًا بارزًا ورياديًا، وعمل برفقة زملائه الأطباء على تأسيس أقسام الجراحة، قبل أن يتم تعیينه بعد بضع سنوات قليلة رئيسًا لأقسام الجراحة في المستشفى.
في العام 1995م قام الدکتور بإفتتاح مستوصف المتحدين في المدينة رفقة عدد من رفاقه الأطباء، وهم من خيرة الإختصاصيين الأكفاء الذين عرفتهم تعز، أمثال الدکاترة: الراحل شوقي السقاف
الراحل عبدالرحمن حيدر
الراحل أحمد عبدالرقيب السويدي
عبدالله عبدالفتاح المسني
عبدالإله الأديمي
أحمد علي عمرو الشيباني
عبدالكافي غالب حسن
أبوبكر راجح
خالد المسني.
على مدار سنين متعاقبة، تتلمذ على يده المئآت من طلاب الطب في جامعة تعز، والعشرات من طلاب الإمتياز والخريجين.. بل وبعض الأطباء المتخصصين حتى في مجال الجراحة العامة وجراحة العظام، كانوا يتلقون منه دروسًا نظرية وعملية وتطبيقية في مجال تخصصهم، داخل غرف العمليات وخارجها.
أحيل إلى التقاعد من الخدمة الحكومية نهاية العام 2011م بعد قضاءه قرابة خمس وعشرين عاما من الخدمة في مستشفى الثورة بتعز، والعمل فيه بكل إخلاص وتفاني.. ليتفرغ بعدها لعمله الخاص ولمداواة مرضاه.
تميز الراحل بفیض من القیم الانسانیة النبیلة، في التعامل مع مرضاه، ومع زملاءه ورفاقه، في محیط عمله ومعارفه.
- افاد رفیقه وصدیقه عبدالله فتيني عمر، ان الدکتور عبدالله الظرافي، استمر في ممارسة مهنة الطب، في مدینة المخا وتقدیم خدماته، قرابة اربع سنوات.