المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
أدى امتصاص عقلانية المذهب الزيدي على يد الهادوية الزيدية في اليمن، إلى تضخم فكرة الأنا لدى السلالة السياسية التي بدت في سبيل السيطرة على مقاليد السلطة والثروة تُنظر لمسألة الأفضلية بين الناس على أساس جيني – صُلْبي – أي أن السيد المنتمي إلى بيت الرسول من نسل علي وفاطمة مفضل على الأخرين فضالة عينيه لأنه من نسل الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك نجد الإمام عبدالله بن حمزة يقول أن السيد مفضل عند الله بذاته وإذا عمل أعمال صالحة كان جزاءه أعظم عند الله من بقية المسلمين وإذا كان مذنباً كان عقابة أشد من الآخرين !
هذا التفسير النرجسي لمفهوم الأفضلية بين الناس الذي يتعارض مع صريح النص الديني = إن أكرمكم عندالله اتقاكم – بلا شك يبحث عن غايته ومكاسبه في الدنيا وليس في الأخرة لذلك نجد المؤمنين به حريصين على تحويل المذهب إلى عقيدة سياسية تتحول معه سلالة العترة النبوية إلى سلالة حاكمة تحتكر وحدها مقاليد السلطة والحكم بقوة الدين الذي يعمل على فرز المؤمنين به على أساس نقاوة الدم وليس العمل الصالح .
كان مطرف ابن شهاب الهمداني الذي تنتمي إليه فرقة المطرفية أول يمني زيدي وقف في وجه هذا التفسير السياسي النرجسي لمفهوم السلالة السياسية من داخل المذهب الزيدي بنسخته الهادوية، وفي سبيل ذلك خاض هذا الثائر المتعبد مع أتباعه الذين سٌمٌّوا بالمطرفية جدالاً فكرياً وسياسياً حاداً مع فرقة المخترعة التي كان على رأسها الإمام المتطرف عبد الله بن حمزة، ما يعني أن الهادوية قد انقسمت في القرن الخامس الهجري إلى مطرفية ومخترعة وفي خضم هذا الجدل السياسي والفكري تم الإتيان من العراق ببعض مؤلفات المعتزلة للإحتجاج بها في هذا الجدل الغير برئ من سؤال السياسية، لاسيما وأن المطرفية قد وضعت يومها مستقبل السلالة السياسية على المحك، فأهم أرآء مطرف ابن شهاب تقول أن الأفضلية تنشأ نتيجة لعمل الإنسان وتقواه وأن الخلافة أو الإمامة = { السلطة } تجوز في عامة الناس وليس كما تقول المطرفية.
اتسمت أرآء مطرف بن شهاب الهمداني بالعقلانية والنزعة الوطنية تجاه السلالة السياسية على حد سواء، وبدلاً من حسم هذا الخلاف بين أجنحة الهادوية بالحجة العقلية “”خاصة وأن ثوابت المذهب الزيدي تقول بتقديم العقل على النص، بل أن القاسم الرسي الذي يعد المؤسس الفعلي للمذهب الزيدي يقول بأن العقل مقدم على القرآن “” بدلاً من ذلك اقدم الإمام المتطرف سلالياً عبدالله بن حمزة وبدوافع سياسية على إشعال حربه الظروسة على فرقة المطرفية وقد تمكن هذا المتطرف في هذه الحرب الغير متكافئة من إستئصال شافة المطرفية عن آخرهم وإحراق بيوتهم ومراكزهم التي كانت تعد بمصطلح اليوم عبارة عن معاهد يتم فيها التدريس والسكن على حساب المتبرعين وفاعلين الخير.
الغريب في الأمر أن عبد الله ابن حمزة نفسه يصف المطرفية في مؤلفاته بالعباد والزهاد بل يبالغ في قدرتهم على تحمل مشقة العبادة وقرآءة القرآن طوال اليل، وهو ما يعني أن الرجل من حيث لا يدري يؤكد بأن حربه ضد المطرفية كانت حرب بدوافع سياسية وليست دينية، لأن هذه الأخيرة قالت للأتباع رأياً عقلياً بدأ في نظر المخترعة يمس مستقبل السلالة السياسية في اليمن، ومع هذه الحقيقة فإن المؤكد أن المطرفية وثورتها الفكرية داخل الهادوية لم تكن تعبر عن مفهوم القبيلة السياسية وحضورها في معادلة الصراع السياسي، في تلك الحقبة، لكنها دخلت بعد ذلك مع السلالة السياسية في تنافس محموم على زعامة المكون الزيدي في اليمن…..
يتبع