المواطن / كتابات _ فهمي محمد
( السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ) مأثور سياسي وتاريخي
( الدولة هي اللجام الذي يهدف إلى منع عدوانية هذا الحيوان الضاري الذي هو الإنسان ) شوبنهاور
مقدمة
من أكثر الأمور مدعاة للإستغراب أن نجد اليوم بعض الباحثين أو الكتاب غير مؤمنين أو حتى مكترثين سياسياً بمسألة التفرقة الجوهرية بين السلطة والدولة، أو أن مثل هذه التفرقة بنظرهم ليست بهذا القدر من الأهمية التي تستدعي الحديث أو حتى الجدل السياسي والفكري، مع أن الواقع السياسي في اليمن على وجه الخصوص وفي جميع الأقطار العربية على وجه العموم، يُقدم لنا منذ أكثر من نصف قرن كل الأدلة والشواهد القاطعة وبشكل يومي على وجود تلك الفوارق الكبيرة بين مفهوم السلطة وبين مفهوم الدولة، وكيف ينعكس الأثر سلبياً أو إيجابياً مع وجود هذان المفهومان سياسياً وثقافياً وحتى إجتماعاً واقتصادياً على حياة الأفراد والموطنين الذين يعشون محكومين في ظل وجود السلطة أو في كنف الدولة، ناهيك عن أن الفوارق تبدو أكثر أهمية في حال أن تمت المقارنة بين واقعنا السياسي العربي وبين واقع الشعوب الأخرى التي تجاوزت ظاهرة السلطة بالمفهوم الذي يجعل منها كائن سياسي بذاته ولذاته .
في سياق التطور التاريخي شكلت السلطة في الماضي البعيد مقدمة ضرورية في مسار التطور السياسي والإجتماعي وحتى القانوني لمفهوم الدولة الحديثة، وذلك موضوع كتبنا عنه في مقالات سابقة بما يكفي لتوضيح الفكرة ، لكن ما نريد الحديث عنه في هذه المقالة هو شئ آخر، لا يتعلق بالصيرورة التاريخية لمسألة السلطة والدولة، اللتان تكوًنتا تباعاً لاسيما وقد تشكلت المفاهيم الخاصة بهما تاريخياً كنتاج لحالة من الوعي الإجتماعي والمرحلي تجاه المسألة السياسية، بقدر ما يتعلق أو يعني هنا أننا بصدد قراءة سياسية – من منظور وطني – تعمل في المقام الأول على تفكيك المفاهيم السياسية والماهوية، لكلً من السلطة والدولة انطلاقاً مما هو واقعي وممارس في حاضرنا وحتى إنطلاقا مما نستطيع أن نصفها بالنتائج والمخرجات العملية وليست النظرية فحسب، خصوصاً في الزمان والمكان اللذان بدت فيهما السلطة بكل وضوح لا تؤكد صدق المأثور السياسي بكونها مفسدة مطلقة فحسب، بل أكثر من ذلك فيما يتعلق بتحولها إلى كائن سياسي ممانع لمشروع الدولة بدلاً مما كانت في الماضي مقدمة سياسية ومنطقية في مسار التطور السياسي والتاريخي لها، واهمية مثل هذا التطور السياسي تلاحظ بشكل جلي في تلك المجتمعات التي تعيش اليوم في ظل وجود الدولة، عكس ما هو حاصل في اليمن التي تُعد حتى مطلع القرن الواحد والعشرين من أكثر البلدان إنتاجاً لظاهرة السلطة “المتغولة” والممانعة لفكرة الدولة الوطنية.
…..يتبع