عندما أعلن الميلياردير الأميركي دونالد ترامب ترشيحه لمنصب رئيس الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية لعام 20166، كان رد الفعل الفوري من النقاد السياسيين والمعلقين الإعلاميين اعتبارَ إعلان الترشح مجرد حركة استعراضية من ثريّ مترفٍ، يتمتع بشهرة دولية من خلال إمبراطورية شركة الإعمار الدولية التي يملكها، مع عدم وجود أية فرصة لدخوله البيت الابيض رئيسا للسلطة التنفيذية في البلاد.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 استطاع المرشح الجمهوري ترمب أن يثبت أن كل هذه الآراء كانت خاطئة، وكان انتخابه الرئيس الأميركي الخامس والأربعين 45 أكبر مفاجأة سياسية خلال أكثر من نصف قرن.
فوز ترمب بين التخطيط والعفوية
يتحدث الكاتب شيلدون فلغر في كتابه هذا -الذي صدر بُعيد فوز ترمب بالرئاسة- عن أسئلة عميقةومستعجلة انتشرت على المستويين الرسمي والشعبي في أميركا، وهي كثيرة وفِي مقدمتها: لماذا فشل الخبراء والإعلاميون والمستشارون السياسيون ومراكز البحوث والإحصاء في قراءة المشهد السياسي الأميركي قبيل الانتخابات؟
– العنوان: ترامب رئيساً.. الهزة الأرضية السياسية – المؤلف: شيلدون فلغر – الناشر: منشورات كندل – تاريخ النشر: 2016 |
وما هي الخطط الذكية أو العفوية التي اتبعها ترمب للتواصل المباشر والمثمر مع شرائح عريضة من الناخبين؟ وما العوامل الفاعلة التي مكّنته من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري وهزيمة منافسيه الستة عشر لنيل ترشيح
وكيف تمكّن ترمب من قهر منافسته على كرسي الرئاسة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، بعد أن صارت على بعد خطوات من سدة الرئاسة، ضارباً عرض الحائط بكل التوقعات واستطلاعات الرأي، وتأكيدات المحللين السياسيين أن كلينتون هي الرئيس المقبل وستحقق الفوز على منافسها بسلاسة مطلقة.
وأخيراً، هل سيتمكن الرئيس ترمب -إثر وصوله إلى سدة الحكم- من تنفيذ أجندته التي وعد بها خلال حملته الانتخابية؟ وكيف ستكون هذه الأجندة وسيلة لتعزيز قوته كرئيس لأقوى دولة في العالم؟!
ثورة أميركية على النخبة
الكتاب يقدم تحليلا موضوعياً لكيفية تحقيق دونالد ترمب لما كان يُعتبر أمراً مستحيلاً في الولايات المتحدة، بما يسميه مؤلفه فلغر الزلزال السياسي في البلاد، وهو ما حمله اسم الكتاب أيضاً.
كما يوفر فلغر في كتابه منظوراً جديداً لحملة ترمب الانتخابية، مبتعداً عن الصور النمطية الحزبية التي عادة ما تسيطر على أي نقاش حول قدرات ترمب وإمكانياته القيادية التي حسمتها الانتخابات الرئاسية الماضية.
ويسوق المؤلف وجهة نظره في تحليل هذه الظاهرة، قائلا إن أميركا تشهد ثورة جذرية في الشؤون السياسية الداخلية والخارجية في آنٍ، وظاهرة ترمب ما هي إلا نتيجة لتباعد التيارات السياسية الأميركية بعضها عن بعض، وللاغتراب المتزايد والسخط الشعبي الأميركي من أداء النخب السياسية المخيب للآمال.
إضافة إلى انفصال هذه النخب تماماً عن معاناة وحاجات الشارع، ولاسيما الطبقة الوسطة التي هي أهم ما يؤيد حركة التنمية والصعود المتواصل في الخط البياني الأميركي الاجتماعي. فكان لابد للأميركيين من قلب الطاولة وإجراء تغيير سياسي جذري وعميق، قد يساعد في إعادة ترتيب البيت السياسي الأميركي بصورة تخدم المجتمع الأميركي بشكل أفضل.
تجفيف “المستنقع”
يوفر فلغر لقرائه -عبر تحليله للانتخابات وما جرى بعدها- متابعة دقيقة لهذا الصعود النيزكي لقطب العقارات الأغنى في العالم نحو قمة الهرم السياسي الأميركي، في غفلة من كل التقاليد السياسية والنواظم المتعارف عليها في الجولات الرئاسية، مستفيداً من حالة الخمول والوهن السياسي الذي أصاب الجسم الأميركي خلال ثماني سنوات من حكم باراك اوباما .
“تمكّن ترمب من قهر منافسته على كرسي الرئاسة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، بعد أن صارت على بعد خطوات من سدة الرئاسة، ضارباً عرض الحائط بكل التوقعات واستطلاعات الرأي”
فرغم كل الأضداد التي أنتجتها مواقف ترمب وتصريحاته التي أقل ما يصنفها المراقبون بأنها شعبوبة ومتسرعة ومتغطرسة وتنمّ عن جهل سياسى؛ فإنّ ترمب خاض بقوة المعركة الانتخابية الرئاسية التي وُصفت بأنها الأشد سخونة في التاريخ الأميركي، واستطاع أن يخترق جدران البيت السياسي للحزب الجمهوري العريق.
ومن ثم استطاع أن يحوز ترشيحه له لخوض المعركة أمام المرشَّحة الديمقراطية هيلارى كلينتون التي سجّلها التاريخ أيضا كأول امرأة في تاريخ أميركا تكسب ترشيح حزبٍ بحجم الحزب الديمقراطي للرئاسة، وأن يهدم منافسته ويصعد إلى المكتب البيضوي لمدة أربع سنوات، قابلة لأن للتمديد بأربع أخرى إذا ما ترشح لدورة ثانية وفاز في الانتخابات.
ولا يكتفي الكاتب بأن يدرج الفضائح التي رافقت الحملة الانتخابية لترمب الشخصية منها والسياسية، ولا بالحديث فقط عن مساوئ هذا القادم الجديد إلى سدة البيت الأبيض، بل يكشف أيضا الفشل السياسي لدى النخبة السياسية الأميركية سواء على مستوى الولايات أو على نطاق العاصمة واشنطن ، حيث نال ترمب الرئاسة بشعار وجهه إلى الحكومة المترهلة في عهد الديمقراطي أوباما، ويقول هذا الشعار: “سنجفف المستنقع”.