المواطن/ كتابات- جار الله عمر
في البداية, ردا على بعض الاخوة فيما يتعلق بقضية المناطقية, أؤكد ان الحزب الاشتراكي اليمني كان لديه طموح كبير لتجاوز المناطقية للانتقال فعلا الى وطن مندمج بكل اجزائه وكان السباق في ان يأتي برؤساء الى دولته دون النظر في مكان مولدهم او طائفتهم, كان قحطان الشعبي رئيسا وكان علي ناصر رئيسا وغيرهم, وكان عبدالفتاح اسماعيل من الحجرية في تعز وكان سالمين من ابين وكان علي سالم البيض من حضرموت والعطاس من حضرموت, وانا لا استبعد ان التجربة لو كانت استمرت ان يأتي رئيس من المهرة على الرغم من صغرها لان الحزب الاشتراكي كان يريد فعلا ان يؤسس لمواطنه حقيقية لكن اتضح بالفعل ان الواقع اصعب واقسى من الاحلام النظرية ومن الطموح ونحن الآن ما زلنا نسعى ونناضل ونعمل من اجل المواطنة المتساوية ونعتبرها حجز الزاوية في كفاحنا ومعناها ان يتساوى الناس وألا يكون هناك مواطن من الدرجة الاولى وآخر من الدرجة الثانية والمواطنة المتساوية بالنسبة لنا ليست امام القانون, وانما في المشاركة السياسية, انا اريد ان يأتي رئيسي في يوم من الايام من اي مكان بوضوح, نحن نريد كسر هذا العرف القائم غير المكتوب, نريد ان يكون مسموحا ومتاحا ان يأتي رئيس الجمهورية من تهامة وألا يتطلب رئيس الوزراء بالضرورة ان يكون من المكان الفلاني نحن نريد ان ندخل هذا ولكن الطريق اليها الآن في رأينا اعتراف بها اولا كمشكلة قائمة, وان هناك مناطقية وانها حقيقة قائمة ولا يجب انكارها والقول ان من يتكلم من تعز في انه مناطقي عندما يطالب بالمساواة هذا منع للمساواة, عندما اكبح هذه الفكرة فأنا امنع مناقشتها وحلها فالحزب الاشتراكي يريد مواطنة متساوية ويقول ان هناك مناطقية ولذلك نحن نناقش هذا الموضوع حتى في المكتب السياسي ونقول لابد ان يكون هناك تمثيل للمناطق المختلفة في المكتب السياسي وهذا ليس عيبا ولكن هذا التمثيل لا يمنع بل يجب ان نوصل وان نؤكد ان من يقود هذه المجموعة هو الانسان الكفء بصرف النظر عن مولده او سلالته او المكان الذي نشأ فيه.
الموضوع الثاني هو قضية الاسلام, لسنا ضد الدين، انا متأكد ان هذه الملاحظات من قبل بعض الاخوة تنبع من الرغبة في جعل الحزب الاشتراكي في وضع افضل ولا تنطلق إلا من هذه الرغبة لكن علينا ان ننظر الى هذه المسألة بشيء من عدم العاطفة لأنه في كثير من الاحيان يقال لنا لابد ان تأخذوا قضية الاسلام مراعاة للجمهور, اعتقد ان هذا كلام يجب ان نعيد النظر فيه ويجب ألا نفعل شيئا لمجرد ان الجمهور العادي يريد ذلك, يجب ألا نقول شيئا ليس حقيقيا لا نقنع فيه.
الاسلام كدين وعقيدة لا جدال فيه بدون شك لكن نحن كحزب سياسي والاسلام كعقيدة ليس هناك خلاف لكن المذاهب الفقهية مختلفة, اذن عندما تطالبني بأن اخذ بالإسلام كشريعة لابد ان تقول لي ما الذي تقصد؟ هل مذهب احمد بن حنبل,؟ هل مذهب الشافعي؟ هل مذهب زيد بن علي؟ هل نهج جمال الدين الافغاني المجدد هل محمد بن عبدالوهاب العائد الى الوراء؟ هل فكرة حسن البنا التي كانت انقلابا وعودة على دعوة الاصلاح الديني التي بدأها جمال الدين الافغاني ماذا تقصد؟ هذه قضايا اساسية ولقد كان عندنا جدل كبير بيننا والاخوة في الاصلاح والمؤتمر حول موضوع الاسلام هل هو المصدر الوحيد او المصدر الرئيسي للتشريعات؟ واستمر هذا الجدل طويلا وانا على يقين الآن بأن هذا الموضوع استخدم كورقة سياسية, بدليل انه لا يوجد الآن في التشريعات وفي الدساتير الاسلامية قط كلمة (المصدر الوحيد) هذا اولا, ثانيا لان هذا غير واقعي وغير عملي ان اقول ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد, كلام غير منطقي اولا لان هناك اشياء وجدت في هذا العصر لم يشرع لها الاسلام ولم يشرع لها الفقهاء وليست بالضرورة في تضاد مع الاسلام, صحيح انه في الاسلام نصوص تتكلم عن الشورى وتتكلم عن العدل وعن اشياء اخرى فهذه يمكن ان نأخذها كمرجعية عامة لكن الوسائل والآليات من ابتكار هذا العصر وعلي ألا اعاديها لأنه ليس بالضرورة ألا اعمل اي شيء إلا كما فعله ابو حنيفة والله تعالى قال (اليوم اكملت لكم دينكم) ولم يقل كل القضايا قضايا حياة, فكما قال الشيخ الاصفهاني: ان القضايا غير متناهية اما النص فهو متناه, ان قضايا الحياة غير متناهية, نحن كحزب سياسي نريد دولة مدنية لكن هذه الدولة المدنية ليس بالضرورة ان تكون في تضاد مع الاسلام, وانا اقول عندما يقال للحزب الاشتراكي انه ينبغي ان يكون اسلاميا, ما الذي سيضيفه الى اليمن, عندما نتنافس مع الاحزاب الاسلامية الاخرى الموجودة في الساحة وعندما نتحول الى (وعاظ)؟
نحن مشكلتنا ليست مع السماء, نحن مشكلتنا في الارض, قضايا الناس, قضايا الفساد, قضايا بناء الدولة, الديمقراطية وحقوق الانسان هذه هي ما يتضمنها برنامجنا, لذلك انا أؤكد ان الحزب الاشتراكي هو حزب ملتزم بالدستور مثلما ان الدستور ملتزم ان الاسلام هو دين الدولة بشكل عام ولكن نحن ضد قيام الدولة الدينية بوضوح ونحن مع اقامة دولة مدنية والفارق في هذا هو ان زعيم الدولة الدينية لا يحاسب لان عنده تفويض من السماء ونحن غير معقول ان نخلع قميصا البسنا الله اياه, نحن نعتقد ان هذا القميص يجب ان يلبسه الناس للحاكم ويخلعوه منه عندما يستدعى الامر ذلك, الفارق هنا بين الدولة الدينية والدولة المدنية ان زعيم الدولة المدنية ينتخب ثم يحاسب ثم يعاقب ثم يقصى الى آخره وانه بشر ينتخبه البشر ويسحبون منه الثقة طبقا لمصالحهم وحقوقهم وطبقا لتصرفاته في الحياة اليومية.
الانفصال رد فعل على الحرب وعندي رأي في قضية الوحدة والانفصال, انا اعتقد ان اعلام المنتصرين هو الذي يصنع وجهات نظر الى حد كبير وابرز مثال على ذلك وثيقة العهد والاتفاق, فوثيقة العهد وثيقة للمستقبل, كيف يجوز لمثقف ان يقول ان وثيقة العهد هي من مخلفات الماضي, لو افترضنا ان الذين انتصروا اشادوا بوثيقة العهد, ولو انهم لم يسفهوا هذه الوثيقة هل كنا سفهناها؟ كلا, هل الغاء وثيقة العهد بسبب اننا فكرنا عقليا بعدم الحاجة اليها او بسبب ان القوة المنتصرة هي التي رفضت؟ انا رأيي ان السبب يعود الى القوة ويعود الى ان المدافعين عن وثيقة العهد صاروا في موقع المهزومين هذا هو السبب ونحن لدينا ميول دائما للوقوف ضد التضحية باستمرار, الميل الطبيعي, انا اعتقد ان وثيقة العهد هي مخرج تاريخي من مأزق تاريخي ليست مشكلة ألا نطبقها الآن فقد تقول الوقت غير مناسب لكن طالما ان وثيقة العهد تنادي ببناء الدولة المؤسسية الحديثة, طالما انها تقول ان الاعلام يجب ان يكون مستقلا وطالما انها تقول يجب تحقيق مواطنة متساوية اذن هذه بالنسبة لنا خيار طبيعي, الناس يرفضوها اليوم, ليست مشكلة يرفضوها اما انا فهي خياري للغد واعتقد ان المواطنين جميعا معي عندما يتاح لهم الحق في القول دون ضغط او املاء لإنها تعالج قضية الناس, تعالج الحكم المحلي, تقول للناس اديروا شؤونكم, جزء من النخبة يرفضونها نعم لأسباب اعتقد انها تتعلق بالمصالح وتتعلق باستمرار هذه المصالح اما الناس فليسوا ضد وثيقة العهد اذا اردنا الحقيقة.
اما موضوع الحرب والانفصال انا عندي وجهة نظر هي ان الحرب فعل سيئ, والانفصال هو رد فعل ايضا سيئ وهذه ضمن ما قاله الاخ عبدالباري: “لحظتان كريهتان في تاريخنا”, ولكن انا عندي عقل يقول التالي ما هو الاول وما هو الثاني, الحرب كانت هي الاولى والانفصال جزء من تداعيات هذه الحرب, الذين اعلنوا الانفصال لم يكن لديهم وعي كامل بما فعلوه تصرفوا كمتأزمين واساءوا لأنفسهم اصلا هم سلحوا خصمهم بسلاح ضدهم، قدموا تبريرا لاحقا, للحرب فهم اساءوا لأنفسهم، وهذا دليل انهم لم يعملوا هذا بوعي, عملوا هذا في حالة انفعال وعصبية لان الذي يخطط لانفصال فعلي سيعلنها ثالث او رابع يوم من الحرب, اذا اراد ذريعة, سيعلنه بسرعة لماذا سينتظر خمسة وعشرين يوما يتحاربون.
قال الاخ عبدالباري طاهر ان المصالحة (وهمية) وانا اقول (ليست وهمية) المصالحة ضرورة من اجل ان تكون (تهامة) كـ(الجبال) ليست وهمية يا عبدالباري, انا اقول انها مطلب واقعي ونريد ان نكون سواسية ولا يمكن ان يتحقق هذا إلا اذا تصالحنا, انا مع الرأي الذي قال ان كل مصالحة كانت غلط لانهم كانوا يفكروا بحاجة واحدة انهم يقسموا المناصب, نحن نريد مصالحة تاريخية تلغي العنف, تلغي هيمنة فئة معينة, تعمل دستور وقانون, تعمل دولة مؤسسية تعمل فعلا يقر بالمواطنة المتساوية, طبعا هذا يحتاج الى موازين قوى لاشك, وانه لابد من الكفاح الطويل حتى يجد الناس موازين قوى تسمح بمثل هذه المتغيرات ولكن طالما وان موازين القوى غير متوفرة يجب ان نبشر بهذه الافكار ويجب ألا نمنع من الحلم بها بما هو افضل, يجب ان نحلم وان نبشر ويجب ان نعمل مهما كان الواقع شائكا ويمنعنا من الوصول الى ذلك ديكور ديمقراطي يمني.
اكد الحزب الاشتراكي في التقرير السياسي للدورة الثانية للجنة المركزية انه من السهل الاعلان عن الموقف النظري من الانتخابات الرئاسية ولكن الامر يصعب حينما تقترب لحظة الممارسة وليس غريبا ان تشهد صفوف احزاب مجلس التنسيق الاعلى للمعارضة بكل مفاصلها القيادية والقاعدية مناقشات حادة وجدالات وربما اختلافات وهواجس لا حدود لها حول مدى صواب هذه الخطوة وعواقبها وهل كفة الربح ام الخسارة هي الارجح؟ وكل ذلك مشروع وطبيعي تجاه السير في طريق لم يطرق من قبل والاقدام على مجازفة سياسية بحجم المنافسة على منصب الرئاسة في بلد ميراثه من الديمقراطية والتسامح ضئيل جدا, وليس لديه رأي عام مؤثر ولم يحدث في تاريخه اي انتقال سلمي للسلطة ولو مرة واحدة والمعارضة تعد في نظر السلطة اما بدعة او وسيلة للتضليل او متآمرة لصالح اعداء البلاد, ولا يجب ان نستغرب اذا ما وصفت خطوة المعارضة باتجاه المشاركة في الانتخابات الرئاسية بمرشح وبرنامج انتخابي بالخيالية والقفز على الواقع لدى البعض او بأنها مغامرة سياسية ليس لها آفاق ومحفوفة بالمخاطر, وقد يرى فيها البعض الآخر مجرد خطوة مساندة للسلطة مدفوعة الاجر يقصد بها تجميل وجه الحاكمين امام العالم واستكمالا للديكور الديمقراطي الذي يرمي الى الدعاية من خلال ديمقراطية مظهرية لنظام يستمد شرعيته من العصبية والقوة المسلحة.
*تعقيب في ندوة نظمها مكتب صحيفة البيان الاماراتية في صنعاء في 1999م حول “الحزب الاشتراكي دلائل كثيرة على حيوية جسد الحزب وتكاثر تحدياته وقدرته على المراجعة ونقد الذات”وشارك فيها الشهيد جار الله عمر الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، مع نخبة من قادة الاحزاب السياسية حينها.. ولأهميتها وما ورد فيها من قضايا محورية كانت ولاتزال في صميم نضال الحزب الاشتراكي اليمني يعيد “الاشتراكي نت” نشرها.
المصدر: صحيفة البيان