المواطن / كتابات – فهمي محمد
بغض النظر عن المآلات التي انزلقت إليها جل ثورات الربيع العربي إلا أن ثنائية الدولة المدنية بمفهومها الواسع = (الدولة المؤسسية والنظام الديمقراطي ) ، كانت هي المطلب الثوري الذي تحركت خلفه الجماهير العربية الثائرة؛ ومع أن في حقيقة تطبيق مثل هذا المطلب الثوري؛ يكمن الحل الجذري للمشكلة العربية ذات الجذور التاريخية = ( الإستبداد وثقافته ) على اعتبار أن حل المشكلة السياسية هو المدخل الطبيعي المؤدي للحلول الشاملة ، إلا أن الواقع السياسي بعد ثورات الربيع العربي أفرز أسئلة جوهرية وهامه ذات خصوصية عربية ، تتعلق بإشكالية الدولة والديمقراطية “لاسيما” في حال نجاح الفعل الثوري في إزاحة القوى الممانعة عن المشهد السياسي أو التحكم في مخرجاته وانساقه حتى وإن كان هذا النجاح مؤقتًا يفتقد لشروط الأمان والسلامة في رحلة التغيير الثورية المتجهة نحو المستقبل ، أو كان مجرد تنازل تكتيكي من قِبل القوى الممانعة تأريخيًا لمفهوم الدولة الضامنة والديمقراطية السياسية والتعددية ، كما حدث في اليمن ومصر الدولتان اللتان شهدتا “انقلاباً” على المسار الثوري بعد أن تم إحراز تقدم يذكر ويعتد به في فعل التحول والتغيير ، وفي المقابل فإن فعل التغيير الثوري في هاتان الدولتان يعد من جانب آخر “نموذجاً سياسيًا عملياً يتعلق بصُلب أسئلتنا الإشكالية المتعلقة بالدولة والديمقراطية” = ( ثنائية الدولة المدنية ) .
وما نقصده هنا بتلك الإشكالية ، يتعلق بوجود مسألة الدولة الضامنة والديمقراطية الحقيقية =( دولة مدنية )؛ هل يجب أن تبدأ من نقطة التوافق أم التنافس لاسيما فيما نحن عليه اليوم في الواقع العربي ؟
وأياً من هذه الثنائية المتلازمة سياسياً في مفهوم الدولة المدنية تشكل سابقة وجودية وحالة ناظمة للأخرى الدولة بمفهومها العضوي والمؤسسي القانوني والدستوري المعبر عن إرادة شعب أو أمة = ( عقد اجتماعي) أم الديمقراطية بمفهومها كنظام سياسي تعددي يعطي الحق للأغلبية من الشعب في ممارسة السلطة والحكم عن طريق صناديق الإقتراع السري = ( آلية تتعلق بشرعية الحاكم وفي إدارة سلطة الدولة ) ؟
إن مبعث مثل هذه الأسئلة المركبة يعود في الأصل إلى حقيقة وجود حالة من الخصوصية السياسية والتأريخية والثقافية وحتى الإقتصادية التي تستوجب على الفعل الثوري التعاطي معها بمنطق إحراق المراحل التأريخية “لاسيما” في زمن الربيع العربي بعكس ما حدث في التجربة الأوروبية ، بمعنى آخر ما حدث في التجربة الأوروبية كان تطور مرحلي تأريخي جذري يعبر عن وجود صيرورة من التحولات السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية والعلمية وحتى النضالية التى ارتبطت بشكل أساسي بالدور الفاعل للمثقف الإنتلجنسي الذي سخر قدراته المعرفية وفكره الناقد ومنهجه العقلاني في سبيل مطاردة الحقيقة ، ثم حول هذه الحقيقة بعقل مفتوح إلى أفكار أو مشاريع ثورية يتسلح بها فعل التغيير المرحلي؛ وبمنطق سياسي ثقافي يتجاوز مفهوم التحزب السياسي والفئوي والمناطقي وكل المشاريع الصغيرة وحتى النخب السياسية التقليدية ، أي بمنطق قادر على استقطاب الجماهير بناءً على قيم وأفكار ذات أبعاد وطنية ومدنية خالصة ، كما أن التغيير المرحلي هنا لا يقصد به حدوث ترحيل للحلول في التجربة الأوروبية أو القبول ببعضها أو حتى تنصيفها في وجه المشكلة السياسية والإجتماعية وحتى الإقتصادية ، بقدر ما يعني هنا أن فعل التغيير كان قادرا ً على الحضور الواعي والعقلاني في كل المراحل التاريخية ، التي تطورت خلالها مفاهيم الدولة المدنية حتى استقرت هذه المفاهيم الحضارية والمدنية في حاضر هذه الشعوب على هذه الثنائية المتلازمة “سياسياً” بين مفهوم الدولة المؤسسية القانونية وبين الديمقراطية الليبرالية .
يتبع….