المواطن/ كتابات – عيبان محمد السامعي
ظاهرة تشغيل الأطفال.. جريمة بحق الطفولة:
يزخر عالم العمل الرأسمالي بالكثير من المفارقات المدهشة والعسيرة على الفهم ومن تلك المفارقات: اتساع دائرة البطالة وارتفاع نسب المتعطلين, في الوقت الذي تتسع فيه ظاهرة تشغيل الأطفال!
تشكل فئة الأطفال, وهي الفئة العمرية ما دون (15) عاماً ما يقارب نسبة (46%) من الإجمالي العام للسكان البالغ تعدادهم (28) مليوناً. وتتميز هذه الفئة بخصائص وسمات اجتماعية وسيكولوجية خاصة تفرض على الأسرة والمجتمع إيلائها اهتماماً خاصاً وتلبية حاجاتها الصحية والنفسية والفكرية والاجتماعية.
وتعد ظاهرة تشغيل الأطفال من أخطر المشكلات المرتبطة بالطفولة في اليمن, وتشير الاحصائيات إلى أن عدد الأطفال العاملين في اليمن يصل إلى مليون عامل.
وتشغيل الأطفال مشكلة مزمنة في اليمن, وتقف ورائها عوامل وأسباب مختلفة, أبرزها:
الفقر وتردي الأحوال المعيشية للأسر اليمنية, مما يؤدي بتلك الأسر إلى دفع أطفالها إلى سوق العمل لكسب العيش.
تراجع الدولة عن تطبيق مبدأ مجانية التعليم وإلزاميته والذي نص عليه دستور دولة الوحدة في 1990م ودستور(ج.ي.د.ش) قبل ذلك.
سوء الوضع التعليمي في مدارس التعليم العام, إذ أمست المدرسة بيئة طاردة للطفل إما بسبب سوء المعاملة أو بسبب افتقار المقومات المدرسية الجاذبة للطفل أو بسبب زيادة تكلفة التعليم ووطأتها على الأسر الفقيرة التي لديها عدد كبير من الأطفال.
تخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية في مجال الرعاية الاجتماعية للمجتمع بصفة عامة وللأطفال على وجه الخصوص.
التفكك الأسري وشعور الأطفال بالحرمان من الرعاية وتلبية احتياجاتهم, يدفع بالكثير منهم إلى ممارسة أعمال لإشباع حاجاتهم, أو للهروب من الوضع الأسري المفكك إلى بيئة أخرى.
المعايير الاجتماعية عن الرجولة, إذ يسود تصور راسخ لدى الكثير من الآباء والأمهات أن من الواجب عليهم دفع الطفل إلى العمل “كي يصبح رجلاً” (يقع رجال وفق اللهجة الدارجة), وقادر على تحمُّل المسئولية في المستقبل, وحفاظاً عليه من الضياع والانحراف, وغيرها من التصورات الخاطئة.
فقدان الأسرة لمعيلها, بسبب الوفاة أو لأي سبب آخر, يدفع الطفل ليحل محل المعيل المفقود.
تفضيل بعض أصحاب العمل عمالة الأطفال, وذلك لرخصها وعدم وجود التزامات قانونية يلتزمون بها.
عدم جدية السلطة في تطبيق المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الطفولة, فعلى الرغم من أن الدستور والقوانين الخاصة بالعمل وكذلك اتفاقية العمل الدولية رقم (138) لسنة 1973م بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام والاتفاقية رقم (182) لسنة 1999م بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال, واللتان صادقت عليهما اليمن, تحظر تشغيل الأطفال, إلا أن ظاهرة تشغيل الأطفال تتوسع يوماً عن يوم.
مجالات وظروف عمل الأطفال:
يستحوذ القطاع الزراعي على النصيب الأكبر في تشغيل الأطفال, إذ يتركز (93%) من الأطفال في هذا القطاع. ويليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات والسلع وأعمال الصيانة ويعمل فيه (4.8%). ويزاول الأطفال خمسة أنواع من المهن التي لا تتطلب مهارات عالية. وهناك علاقة مباشرة بين المهن التي يزاولها الأطفال, ومهن أرباب أسرهم ما عدا الأطفال العاملين في مهن عمال التشغيل والتجميع.[90]
ويتعرض الأطفال العاملون لشتى أنواع الاستغلال والمخاطر. إذ يتم تشغيلهم في أعمال شاقة وفي ظل ظروف وشروط عمل بالغة السوء, وبدون عقود عمل مكتوبة, ولساعات طويلة تصل إلى (57) ساعة في الأسبوع وبأجور بخسة, وفي ظل بيئة عمل سيئة لا تتوفر فيها شروط السلامة المهنية. فضلا عن تعرض هؤلاء الأطفال للتحرش الجنسي والعنف البدني إما من قبل أصحاب العمل أو من قبل العمال البالغين الذين يعملون في نفس نطاق العمل.[91]
ويتولد عن ظاهرة تشغيل الأطفال العديد الآثار السلبية على الطفل وعلى الأسرة وعلى المجتمع ككل: فاحتمالية إصابة الطفل العامل بالأمراض والإصابات الجسمية والعاهات تبقى كبيرة, فضلاً عما تولده ظروف العمل من آثار نفسية وعصبية سلبية في الطفل, وعلى مستوى تكوينه الجسماني. وتفضي إلى التسرب من التعليم وارتفاع نسب الأمية والجهل والانحراف في المجتمع.
تظل ظاهرة تشغيل الأطفال إحدى التحديات الكبيرة التي تواجه الحركة العمالية, وإدانة أخلاقية لعالم العمل الرأسمالي المتوحش.
المرأة العاملة: معاناة مريرة
يكمن أكبر القيود الاجتماعية المكبلة للمرأة في الفكرة القائلة بأن البشر غيّريّون بالفطرة, وأن المرأة متكيّفة بيولوجيًا مع دور رعاية وتربية الأطفال في الأسرة.[92]
هذه الفكرة التي تربط وضع المرأة في المجتمع كمواطنةٍ من الدرجة الثانية، عمومًا، بدورها داخل الأسرة النووية (Nuclear Family).
وإذا كانت هذه الفكرة تمتد جذورها إلى مرحلة تاريخية موغلة في القدم, وهي مرحلة التحول من المجتمع الأمومي إلى المجتمع الذكوري, أو وفقاً لفريدريك انجلز “الهزيمة العالمية التاريخية للجنس الأنثوي”[93], فلا تزال هذه الفكرة راسخة في الوعي الاجتماعي اليمني, فـ”المرأة ما لها إلا بيتها والمطبخ”!
تفيد الاحصائيات بأن النساء يشكّلن (49.2%) من إجمالي السكان النشيطين اقتصادياً, ومع ذلك فإن نسبة مشاركة النساء في العمل لا تتعدى (6%) [94], الأمر الذي يعني أن (94%) عن النساء اليمنيات ما يزلن خارج إطار العمل. رغم أن ما يقارب (70%) منهن يعملن بدون أجر لأسرهن كربات بيوت و/ أو في الملكيات الزراعية العائلية وفي الأراضي المستأجرة, ولا تزال النظرة القاصرة تجاه خروج المرأة للعمل تحكمها عوامل ومعايير اجتماعية وثقافية ودينية كثيرة وتحتاج إلى دراسة منفصلة.
ما يعنينا هنا هو تناول أوضاع النساء العاملات, وما يواجهن من مصاعب وتحديات جمة, تبدأ بالنسق الأسري وتنتهي إلى طبيعة نظام تقسيم العمل السائد.
فعلى المستوى الأسري تعترض المرأة العاملة المصاعب والمشكلات التالية:
تتحمل مسؤوليات مضاعفة, فهي مطالبة بأن تكون أم وزوجة وربة منزل, وفي موقع العمل مطالبة بأن تؤدي عملها وتنفذ كل ما يوكل إليها من مهام.
وتشير الدراسات السيكولوجية إلى أن المرأة العاملة تعاني من القلق والإحساس بالذنب تجاه أطفالها, وهذا ما يدفعها للتعويض عن غيابها بأن تميل للين أحياناً حتى تكون أماً صالحة, ولكن في ذات الوقت فإن الأسر التي تعمل فيها الأم, غالباً ما تكون أكثر انتظاماً وحسماً في أمور الحياة والتربية, وتشجع الأطفال على الاستقلال في أمورهم البيتية الخاصة. إلاَ أنه لوحظ في بعض الأسر أن عمل المرأة يؤثر سلباً على علاقتها بزوجها, وطبعاً هذا ناجم عن الفهم الخاطئ من الزوج لعمل ونفسية المرأة, وعدم مساعدتها.[95]
أدى انخراط المرأة في العمل إلى تغيُّر بعض الأدوار والوظائف في نسق الأسرة لكلٍ من الرجل والمرأة, فحظيت المرأة العاملة بفعل استقلالها الاقتصادي مكانة اجتماعية وسلطة تخولها اتخاذ القرار في الأسرة, الأمر الذي يعني تهديد السلطة المطلقة للرجل. وإذا كان الرجل تقليدياً ويحمل نظرة دونية عن المرأة, فسيؤدي ذلك إلى إحدى نتيجتين: إما إجبار المرأة على ترك عملها, أو إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق.
أما على مستوى نظام تقسيم العمل السائد, الذي يتخذ طابعاً ذكورياً, فيقوم على أساس حصر عمل المرأة في مجالات خدمية معينة, مثل ممارسة مهنة التدريس في المدارس, والأعمال الإدارية والمكتبية, ومهنة التمريض. وبدرجة أقل في مهنة الطبابة وفي مهنة التدريس بالجامعات والمحاماة والإعلام والتجارة, إلخ.
وفي مجالات العمل الانتاجي, تساهم المرأة في الريف بنسبة معتبرة للعمل في الزراعة, غير أن هذه المساهمة لا تعدو أن تكون عمل في ملكيات وحيازات زراعية عائلية صغيرة, بمعنى آخر أن نسبة النساء اللائي يعملن بأجر في مجال الزراعة لا تكاد تذكر.
ويضم قطاع الصناعة الآلاف من النساء العاملات, موزعات على مختلف مجالات التصنيع, في المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. وبحسب دراسة لـ د. فوزية حسونة, فإن (68%) من النساء اللائي يعملن في المصانع أميات, في مقابل (8%) يجدن القراءة والكتابة, ونسبة (1%) فقط مؤهلات, ونسبة (31%) منهن مطلقات وأرامل, وقد توصلت الباحثة إلى أن غالبية أولائي النسوة قد اضطررن للعمل في المصانع بحثاً عن لقمة العيش رغم انخفاض أجورهن إذ يعشن على أقل من دولار أمريكي واحد في اليوم, وذلك لعدم توفر فرصة عمل أخرى, فالكثيرات منهن معيلات لأسرهن, إذ تشكل النساء اللواتي يصرفن أجورهن للإنفاق على الأسرة نسبة (52%).
وتعاني النساء العاملات في المصانع من عزلة وتهميش, وحصار اجتماعي وأسري, فنسبة (56%) منهن لا يخرجن من المنزل إلا بمحرم, والغالبية العظمى منهن لم يسافرن داخل اليمن طيلة حياتهن. كما يعانين من ضغوط العمل في المصنع والعمل في البيت وهذا يحول بينهن وبين أوقات الفراغ.[96]
وإذا كان وضع المرأة العاملة في قطاع الصناعة يتسم بهذا القدر من البؤس, فماذا عن وضع المرأة العاملة في القطاعات الأخرى؟؟
تعاني النساء العاملات في القطاعات الخدمية من “تمييز مركب” إن جاز التعبير, فهنّ يعانين من تمييز على مستوى الأجور والمكآفات, إذ يقبضن أجور أقل من أجور الذكور وذلك بسبب أن الغالبية الكاسحة من النساء العاملات يحتللن مواقع متدنية في السلم الوظيفي والمهني, حيث “تدفع الأجور على أساس المنصب وليس على أساس الجنس”.[97]
ويعانين من نظرة دونية من قبل أرباب العمل أو من المدراء التنفيذين والمشرفين في مواقع العمل, ويجري تهميشهنّ وحرمانهنّ من حقهنّ في الترقي والحصول على فرص التأهيل والتدريب واكتساب الخبرات وبالتالي حرمانهنّ من إمكانية تحسين أجورهنّ.
هذا فضلاً عن تعرضهنّ لمشكلات “مسكوت عنها”, مثل التحرش الجنسي والابتزاز والاستغلال العاطفي.
وفي المجمل يمكن القول بأن خروج المرأة إلى العمل, يمثل خطوة تقدمية هامة وانتصاراً كبيراً للحركة النسوية, ويضيف إلى الحركة العمالية رافداً اجتماعياً وإنتاجياً لا غنى عنه, فالمرأة تشكّل نصف المجتمع, وتؤثر على النصف الآخر. وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في العمل يزيد من إمكانيات الانتاجية الاقتصادية والتنموية للمجتمع, ويخفض من نسب الإعالة والفقر والأمية والتخلف, ويساهم في التطور الاجتماعي والثقافي بوجه عام.
وصارت الحاجة ملحة لسنّ تشريعات ووضع سياسات تساعد المرأة العاملة على التغلب على المشكلات التي تعترضها, وتحقيق المساواة والعدالة في التوظيف والأجور والترقي أسوة بزميلها الرجل, ونشر الوعي المجتمعي والأسري بأهمية عمل المرأة, وضرورة التعاون بين أفراد الأسرة لمواجهة الالتزامات الأسرية.
الهوامش والإحالات:
[90] د. خالد راجح شيخ, عمالة الأطفال في اليمن, مجلة حوليات العفيف الثقافية, العدد (3), 2003م, مؤسسة العفيف الثقافية, صنعاء, ص362 – 363.
[91] بتصرف: نفسه, ص366.
[92] شارون سميث, في تنظير قمع المرأة: العمل المنزلي واضطهاد النساء, مدونة ما العمل, مقال مترجم, تاريخ النشر: 14 سبتمبر2016م.
[93] راجع: فريدريك انجلز: أصل العائلة, الملكية الخاصة والدولة.
[94] راجع: مسح القوى العاملة 2013/ 2014م.
[95] إيمان أحمد ونوس, سيكولوجية المرأة العاملة, الحوار المتمدن, مقال, تاريخ النشر: 26/ 4/ 2015م.
[96] راجع: د.فوزية حسونة, المرأة اليمنية والتصنيع, دراسة ميدانية, مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان, مايو 2002, تعز.
[97] منظمة العمل الدولية: اتجاهات تشغيل المرأة في اليمن, المكتب الاقليمي للدول العربية, بيروت, يونيو 2005م, ص19.