المواطن/ كتابات – محمد عبد الوهاب الشيباني
يقال ان لكل مهنة اوغادها، ومهنة السياسة ،في بلد مثل اليمن ، استقطبت الى واجهاتها الصاخبة، خلال العقود الثلاثة الماضية ،عشرات الاميين البلهاء، الذين يقدمون الغريزة على فعل السياسة ، الذي هو في الاصل عملية تراكم للتسويات الكابحة للعنف والفوضى . فعل السياسة عند هذا النوع من البشر يؤدي وظيفة نقيضة لما درج على تعزيزه الوعي الانساني عبر قرون ، فانحصرت تلك الوظيفة المشوهة في تبديد والغاء المنجز الطويل للعقل القائد، الباحث عن اشباع حاجات المجتمع في التنمية والحريات والسلم الاهلي.
يزدحمون في المناطق العصبوية الضيقة ،التي تشكل الارضيات الملائمة للنزاع، الذي يُرمى منه تحقيق اكبر قدر من الانتفاع والتكسب ، عبر لافتات وشعارات وطنية ودينية واخلاقية خادعة، تنطلي على الجهلة وانصاف المثقفين، الذين استثمر فيهم النظام لعقود طويلة، بتخريبه للتعليم وفكرة الانتماء للجماعة الكبيرة “الوطن”.
الكارثة التي حلت بالبلاد بفعل مغامرات الاوغاد ، والبلهاء تتضاعف ايضا بإعادة تدويرهم القبيح على طرفي التنازع “الشرعية والانقلاب”، ليحملوا معهم كل معضلات اللا حل في كلا متراسي الحرب ، التي ليس في الافق ما يشير الى انهائها حسماً او تسوية.
يعملون بخبراتهم الطويلة وبأكفأ الادوات، لإعاقة تبلور ونضوج الصوت النابذ للحرب، والذي اراد التشكل بعيدا عن استقطابات خطاب الكراهية، بمشغلاته الطائفية والمناطقية، الذي يعتاشون منه ، لان الحرب بفضاءاتها اللامحدودة ، ومتاحاتها وسيلة كبرى للانتفاع. فمادامت لا تكويهم ولا تدمي قلوبهم. فهي الاستثمار الانجع والاقل كلفة الذي يوفر وظيفة الاثراء والوجاهة والنفوذ لهم ولاسرهم ، ويعزز عند العشرات منهم مواقع ادارة اقتصاد الحرب ( الاتجار بالعملة والسلاح والوقود ومواد الاغاثة)، الذي تغلغل في شريان المجتمع، ورئتيه دون ان يجد مقاومة.
ليمت الناس من الجوع والوباء . لتتشظى البلاد الى امارات حرب وفيد وغنيمة. ليذهب الجميع الى الجحيم، ليس كل ذلك مهما وذو شأن ،المهم ان تستمر غيمات الحرب بسكب امطار الدم والحزن، على ملايين الضحايا في الشمال والجنوب ، لتورق وتزهر في الجغرافيا المتشظية المشاريع الصغيرة، التي تتقوى بشعارات الخديعة والتضليل، التي يجيد الاوغاد توظيفها في كل منعطف ومناسبة.
المتباكون على الوطن وترابه هم اول من اغمد سكاكين العمالة والارتزاق في نحره. وحولوا مقدراته وموارده الى ملكية خاصة بالحيلة والقوة، وبها الان يديرون حربهم ضد اليمنيين.
رافعو شعارات الدين و”حماية العقيدة ” هم اول من حول تسامح الاسلام الى خطاب كراهية واحزمة ناسفة ضد الابرياء، وناشطي المجتمع الشبان، الذين تغتالهم بنادق الفتوى في الشوارع ومقاهي الانترنت.
المتشدقون بالزهد والعفة وظفوا النصوص الدينية من اجل التكسب والتسلط والاستبداد، بداية من شركات توظيف الاموال و الاحياء البحرية ،وانتهاء بمسيرة القرآن الناطق، التي اكلت الاخضر واليابس ، بمعدة فولاذية صنعها الجوع التاريخي، ومظنة الحق في الحكم والتملك.
بائعو الوهم من اوغاد السياسة وبلهائها يستثمرون عواطف الناس وحماسهم وفراغهم ، ويبيعونهم احلاما تتراءي سهلة وطيعة، قبل ان تأخذهم النشوى الزائفة الى مربعات الكراهية والعنصرية المشبعة بالجوع والجنون ، الذي لن يطيلهم دولة متعافية او يكسبهم الاحترام.
نافخوا كير التعصب يستغلون جهل الريفيين الفقراء وحاجات الشبان العاطلين والمتسربين من المدارس لتحويلهم الى كائنات “صارخة ” ،وتحويل اعمارهم البضة الى وقود للموت في الجبهات ، حتى يحيا السيد والمشرف القنديل والقائد المؤمن.
مرضى السلطة والزعامة ، يوظفون ملكاتهم الشيطانية للانتقام من الجميع، لان المجتمع قال لهم ذات ربيع مغدور، اخرجوا من وقتنا وجلودنا، قبل ان تذروهم رياح التحالفات القاتلة في الجهات
السياسة في البلاد معطلة ،لان البلهاء والاوغاد معاً يقدمون غرائزهم على فعل الممكن فيها، لهذا سيظل صوت البارود يسبق فعل العقل المُغَّيب.
(*) هذه المادة نشرت بذات العنوان في مايو 2017 .. لم يتغير شيئا في الامر، لم يزل الاوغاد ذاتهم، والبلهاء يتكاثرون مثل فطر سام ، والحرب لكليهما صارت الوظيفة المستديمة الاكثر ملاءمة لمواهبهم المريضة في التكسب من بؤس المجتمع ودم ابنائه المسترخص