المواطن/ كتابات – محمد هائل السا معي
منذ مطلع العام 2015م،واليمن تعيش حرب عسكرية ـ اقتصادية التهمت الكثير من الفقراء والشرفاء ،قضت على كمية كبيرة من مخزون اليمن البشري ،نتذكر في بداية اندلاع الحرب ونزوح الملايين من سكان المدن الى الريف ،مع الاستنفار والحدث المُرعب والحصار الذي تم على البلد، أستبشرنا هروبهم الى الريف سيُحدث ثورة زراعية اولا-استصلاح الارض
الزراعية التي عُقرت ،ولاحظنا في ذلك رغبة الكثير من قطاعات الشعب في العودة لزراعة الارض بالحبوب ،والتي ماتزال المليشيات المسلحة الى اليوم تزرعها بالألغام والمتفجرات .
لكن الخارج كعادته لا يُريدك تُنتج قمح، وتعيش حراً في بلدك، أسرع في إرسال منظماته الخاصة التي لا تغيث اي شعب ،بقدر متاجرتها بمعانته، وأصبح الغالبية من الشعب، ينتظر أنصاف أكياس القمح المنتهي صلاحياته في مخازن المنظمات التجارية.
تجلت المعاناة في ظهور -مجاعة -بشكلها الموحش تكاد القضاء على الجميع، وليس بوسعي هنا الكتابة عن مأسي الحرب وكوارث الفقر.
تنتهج كثير من الدول المصنعة ،والمصدرة للسلع بتعمد سياسة تجارية ـ هي الاغراق لأسواق بلداننا بالسلع ـ أساسية أو كمالية كانت، حتى لا نستطيع المنافسة بمنتجاتنا المحلية الصنع أمامها ،لتعلن شركاتنا المحلية الافلاس امام سلعها المنخفضة في السعر والفائقة في الجودة، مقارنة بالسلع المُنتجة في بلداننا، بصورة مشابهة لا تؤمن كثير من النساء في العالم بالمنافسة الحرة والشريفة في العلاقات الزوجية ،بعضهن تتعمد في إخضاع الزوج و إغراقه بالإنجاب السريع والمتتالي سنوياً لعدة اطفال ، حكرا منها ان يذهب للزواج بمرآة أخرى ، وسيطرتها على الزوج بهذه السياسة ” الامبريالية” ،لا تختلف كثير عن سيطرت تلك الشركات على الاسواق ، واحتكارها لوسائل التصنيع.
للإنجاب العشوائي الغير منظم للأطفال ،الذي يؤدي لتصاعد كبير في مؤشر النمو السكاني – كارثة ،و للفقر مسببات كثيرة ، أكبرها الفساد ومنها البذخ والإسراف والإهدار الكبير لكثير من الموارد ،الذي يدل على أن المستهلك لا يتعامل بعقلانية ورشد ،وكما يقال في صحيح العبارة “من يأكل دون أن يحسب يَفقر دون أن يَعلم “.
فالعلاقة بين الفقر والفساد ـ طردية ـ مع تفشي الفساد ، ينمو الفقر ،و الفقر لم يكن ظاهرة عابرة في جيل معين ،وللفساد والإفقار والتجويع سياسة تتعمد الانظمة الاستبدادية في صناعتها لإخضاع الشعوب.
في اليمن هناك رأس مال طُفيلي – وفقر في المشاريع الوطنية المستثمرة في الانتاج المحلي نتيجة عن حرب ، تعرض لها الرأس المال الوطني المنتج؛ من قبل المسيطرين على نظام الحكم في البلد ،لذلك من يتعمد في محاربة الرأس المال الوطني هو من يصنع البطالة ليراكم نسبتها وهنا يتكاثر أعداد الفقراء بنسب عالية ،لا تؤرث غير المزيد من العنف والتطرف والإرهاب .
تعلمنا في الاقتصاد الشائع ،خلال فترة الدراسة في الجامعة على أن تعريف “الأزمة الاقتصادية”-هو قلة الموارد وتعدد الحاجات الانسانية.
الظاهر بأن أزمات بلداننا الاقتصادية لم تكن ناتجة عن قلة الموارد ،وانما للسيطرة على السلطة بقوة النفوذ العسكري -القبلي التابع لأي جماعة دينية ،بغرض الهيمنة ونهب الثروة سيخلق أزمة حقيقة -كما يقول كارل ماركس عن حقيقة نشؤ هذه الأزمات ” ان تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع ،هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الأخر”.
لغياب العدالة الاجتماعية وعدم المساواة وانتشار الفساد المالي والإداري ،وتدمير المؤسسات التعليمية والصحية وخصصتها ،إضافة الى تدني الأجور مقارنة بالارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية ،مع الفشل الذريع للنخب الحاكمة في القيام بأدنى مسئولية لها، في توفير الخدمات العامة مجانا للمواطنين ،يوضح ما تم ذكره سابقاً حجم الإسهام الكبير في تنامي الفقر الذي يعد من أعنت الأمراض خطورة و فاتكا بالمجتمعات .
لقد شّكل النمو المتسارع في سكان عالمنا النامي ،مصدر مُقلق للوبي الصهيوني الذي يُدير السياسة الأمريكية، بعد النجاح المبهر للصين شعباً وقيادةً في الاستفادة من أكبر كثافة سكانية في العالم ،وتوظيفها بشكل أمثل في خدمة الصين – الارض والإنسان، ودعم العالم النامي في تنمية موارده ،فالشعب الصيني العظيم ليس بوحوش كما يصوره أجهزة المخابرات الأمريكية وإعلامها المعادي للإنسان ،ولا يأجوج ومأجوج الوارد ذكره في القرآن الكريم ببشر..
كما تزعم سياسة القطب الاحادي المهيمن على العالم ،عبر أحد أدوات هيمنتها ـ البنك الدولي ـ بأن النمو السكاني المتسارع هو العائق امام تحقيق اي تنمية ،لإيهامنا أن الموارد قليلة ولن تكون كافية لتحقيق الرفاه لدى سكان اي بلد، ومن خلال سياساتها العدوانية الخبيثة ،نتعرف على انها تريد إشعارنا بأن هذا الفائض في السكان، يجب أن يقتل ، وان الفقراء عالة على هذا العالم وأنهم في فقرهم ،حين يدفع غياب الوعي لديهم الى الزيادة في الانجاب والتكاثر، وترى ان المشكلة هو الانسان الفقير .
بالطبع ـ كما يقول كارل ماركس مؤسس الاشتراكية العلميةـ ” بأن الفقر لا يصنع ثورة ،وإنما وعي الفقير هو من يصنع الثورة ،الطاغية مهمته أن يجعلك فقيراً ،وكاهن الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً”
نفهم من هذا الحديث المختصر لكارل ماركس بأن شعوبنا المفقرة تحتاج ،لتوعية بأهمية المضاعفة في الانتاج المحلي للسلع ،بدلا من الاعتماد على الخارج في استيراد كل شيء ، استغلال كافة الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق تنمية حقيقية ،بمعنى أن يرافق النمو في السكان بشكل متوازي نمو في الاقتصاد.
بلداننا تحتاج لتنمية حقيقية ، لأنها لا تفتقر للموارد بقدر ما تفتقر للأنظمة المتحررة ،التي تعمل من أجل شعوبها ،كما تناضل القيادة الصينية من أجل سعادة شعبها العظيم والبشرية جمعاء.
فالإمبريالية المتوحشة لا تعمل بعفوية ،ولا تتأخذ اي سياسة من فراغ ،وفي هذه الحالة تنطلق مستندة في سياساتها العدوانية على نظرية العالم ـ مالتوس ـ التي تسمى بنظرية “مبدا السكان” والتي تقضي بأن الفقراء هم السبب في فقرهم، و ان الحل لوقف هذا النمو في السكان هو ان تتدخل الضوابط الطبيعية والبشرية من الكوارث والامراض والحروب، لقتل اكبر عدد ممكن من البشرية، حتى يستطيع اعادة التوازن بين اعداد السكان والموارد الاقتصادية المتاحة ،في استهانة واضحة واستغلال قذر لوعي قطاعات واسعة من شعوب هذا العالم المفقر ،على اعتبار ان هذا الإجحاف بحق الانسان هو الحل السحري الوحيد للازمات الاقتصادية.
فالفقراء لم يكونوا هم السبب في الفقر كما نرى، بل تخلفهم التي أورثه الاستعمار الغربي هو السبب الاكبر ،و بلا شك نحن لسنا فقراء وبلداننا ليست فقيرة كما يوهمونا بتظليلهم وزيف إعلامهم ،ولكننا مفقرين كما أفقرت بلداننا حين تم سلب قراراتها ،ونهب ثرواتها ،وإبقائها تابعة والتحكم بشأنها عبر أدواتها المصنوعة -أنظمة فاشية عسكرية وجماعات دينية متطرفة تستغل فقر الشباب للوعي والمال ،لتربح من المتاجرة بأرواحهم ،مثلما هو واضح في مناطق حدودية للسعودية مع اليمن .
لكونه على معرفة بمتابعتي واهتمامي بكل جديد عن الصين ،سألني قبل فترة صديقي الاستاذ /عبداللطيف القدسي ؛عن إقدام الصين وقيامها بافتتاح معرض شنغهاي للاستيراد ، في نوفمبر من العام 2018م،رى بتخوف على ان انفتاح الصين في الاستيراد سيمكن الطبقة الصينية المتوسطة الدخل من الشراء للسلع المستوردة ،والطبقة الفقيرة لن تستطيع ،مما سيؤدي الى توسع الفجوة بين تلك الطبقات؟
لكني أرى ما تسعى اليه القيادة الصينية في مشروعها العملاق واضح – تنظر للعالم من خارج السور ،وترى بأنه لا يجب أن تعيش بمعزل عنه ،مشروعها إسعاد الفقراء في العالم بواسطة التنمية لا غيرها ،ولديها يد كبيرة في الداخل تعمل بكل تفاني وإخلاص في تحقيق العدالة الاجتماعية ،والمساواة ،والتحديث المستمر ،ومحاربة الفساد الذي ينتج الفقر.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا :كيف نجحت الصين في القضاء على الفقر المدقع ،وعزمها على التخلص من الفقر للأبد؟
يكمن سر نجاح الصين في القضاء على الفقر ـ هو محاربتها للفساد ،فالصين البلد التي لا تملك نفط ،بلد لديها طاقات بشرية هائلة ،يقترب تعدد سكانها من المليار والنصف ،فمنذ انطلاق ثورتها العظيمة، وتحررها في أربعينيات القرن الماضي ،وتولي الحكم -حزب الثورة ـ الحزب الشيوعي الصيني وتحمله المسئولية والعمل بكل وفاء ومثابرة ،أنتج بفضل الشعب والقيادة الصادقة الكثير من الانجازات العظيمة ،تقلص الفقر بنسبة كبير من سكانها الفقراء ،وفي حلول عام 2020م ،كما تؤكد القيادة الصينية بأنها ،ستقضي على الفقر الى الأبد، فالصين اليوم تُغذي نسبة كبيرة من سكان العالم ،على الرغم من أن المساحة القابلة للزراعة فيها صغيرة من الكوكب ، وهذا مذهل في الحقيقة .
كما لا ننسى، الرأس المال الوطني الصيني ،المُساهم بشكل كبير ،وعمله بروح وطنية عالية في الحرب ضد الفقر، بالشراكة مع السلطة الحاكمة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ، وبحسب مجلة الصين اليومية – ذهبت في العام المنصرم نحو 600 شركة صينية ،دفع قرابة 940 مليون دولار أمريكي للقضاء على جيوب الفقر المتبقية.