المواطن نت- مسارات
تواجه الحكومة اليمنية اليوم تحديًا جديدًا في مكافحة الفساد يتمثل في القضية المثيرة للجدل حول أنيس عوض باحارثة، مدير مكتب رئيس الوزراء، الذي يشغل أيضًا منصبي رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني ورئيس هيئة الاستثمار. هذا التداخل الاستثنائي في المناصب يمنحه سلطة واسعة ويتيح له استغلال هذه المواقع لتحقيق مكاسب شخصية ومراكمة النفوذ على حساب الدولة والمواطنين، مما يعكس استشراء الفساد في أروقة الحكومة.
ازدواجية المناصب وتجاوز القوانين
تعد ازدواجية المناصب أحد أبرز جوانب القضية، حيث يتعارض جمع باحارثة لهذه الوظائف الثلاث مع قانون الخدمة المدنية اليمني، الذي يمنع ازدواجية الوظائف في المؤسسات الحكومية. ومع أن وزارة الخدمة المدنية أصدرت تحذيرات صريحة بشأن ازدواجية الوظائف، إلا أنه لم يُتخذ أي إجراء فعلي حتى الآن، مما يثير التساؤلات حول أسباب التواطؤ أو الصمت المريب من قبل السلطات المعنية.
استغلال المناصب الثلاث لتحقيق المكاسب الشخصية
1. نهب أراضي الدولة: كرئيس للهيئة العامة للأراضي، يمتلك باحارثة سلطة التحكم في ملكية الأراضي العامة وتوزيعها، وقد كشفت التقارير عن تورطه في توزيع أراضٍ مخصصة لمتنزهات ومرافق عامة بين قيادات سياسية نافذة، مما جعل من الممتلكات العامة غنائم شخصية للمتنفذين على حساب المواطنين.
2. تسهيل الصفقات المشبوهة: من خلال منصبه كرئيس هيئة الاستثمار، يستغل باحارثة سلطته لتوجيه المشاريع الاستثمارية نحو الجهات والشركات التي يتربح منها، ويخصص الأراضي للمستثمرين المتواطئين معه. هذا التلاعب بالاستثمارات العامة يفتح الباب أمام تحويل المشاريع الاقتصادية إلى وسيلة لمراكمة الثروة الشخصية على حساب الاقتصاد الوطني.
3. تعطيل قرارات الإقالة والتحقيق: بصفته مدير مكتب رئيس الوزراء، يستطيع باحارثة استخدام قربه من رأس السلطة التنفيذية لتعطيل أي محاولات للتحقيق معه أو إقالته. كما يفرض نفوذه لحماية شبكته الفاسدة ومنع الجهات الرقابية من ممارسة دورها، مما يسمح له بالعمل دون رقابة حقيقية ويجعل من مكافحة فساده تحديًا أكبر.
قضية خزانات رأس عيسى والابتزاز المالي
من أبرز الأمثلة على ممارسات باحارثة كان ما حدث في قضية خزانات رأس عيسى النفطية، حيث أفادت تقارير عن قيامه بابتزاز ممثلي الشركات المنفذة للمشروع، مطالبًا بعمولات نقدية نظير تسهيل صرف مستحقاتهم المالية. وقد رفضت الشركة الرضوخ لهذه الضغوط، ما أدى إلى تعطيل المشروع وتكبد اليمن خسائر مالية ضخمة، تكشف عن مستوى الابتزاز المالي الذي يمارسه باحارثة من خلال منصبه.
شبكة الفساد العائلية
تشير التقارير إلى أن شبكة الفساد المحيطة بباحارثة تشمل أفرادًا من عائلته، ممن يشغلون مناصب في الهيئة العامة للأراضي ويديرون أعمالها بتنسيق معه. هذه الشبكة العائلية تسهل عمليات النهب وتمرير القرارات المتعلقة بتوزيع الأراضي والرشاوى، مما يعزز من نفوذ باحارثة ويصعب من محاسبته قانونيًا.
دعوات للإقالة والمحاسبة
أثارت قضية أنيس باحارثة موجة من الغضب الشعبي والدعوات المتزايدة لإقالته وتفكيك شبكة الفساد التي يديرها. حقوقيون وناشطون يرون ضرورة تعيين شخصية نزيهة لقيادة الهيئة العامة للأراضي ووضع حد لاستغلال الموارد العامة، مؤكدين أن استمرار باحارثة في مناصبه يعوق التنمية ويهدد حقوق المواطنين. كما تُعد إقالته خطوة أولى ضرورية لاستعادة الثقة في مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية والنزاهة في إدارة شؤون البلاد.
الخاتمة
تجسد قضية أنيس باحارثة مثالًا صارخًا على الفساد المستشري في اليمن، مما يضع أمام الحكومة تحديات حقيقية لإصلاح مؤسساتها ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، واستعادة سيادة الدولة على مقدراتها، ليظل السؤال قائمًا: هل تستطيع السلطات تجاوز الحصانة السياسية التي يحظى بها باحارثة وأمثاله من المتنفذين، ووضع حد لهذه المنظومة الفاسدة التي تنخر جسد الدولة؟
المصدر: مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام