فهمي محمد
بخصوص نقد وتقييم تجربة حكم الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن، كثيراً ما وقفت على بعض المقابلات والبرامج المتلفزة التي تبث على القنوات الفضائية، وكذا على بعض المقالات أو الرؤى التحليلية الناقدة.
كان آخرها مقال وقفت عليه للكاتب الكبير طاهر شمسان بعنوان {المجلس الانتقالي، حالة قبلية في الجنوب وليس حالة جنوبية في اليمن} بحيث بدأ الكاتب مقاله عن الانتقالي بالحديث عن الصراع السياسي المسلح في عام 1986م.
وهو مقال ذو قيمة تحليلية نقدية يستحق الوقوف عليه والوقت المبذول في قراءته، ناهيك أن زمن الانتهاء من قراءة مقال الكاتب طاهر شمسان كان هو الوقت الذي تولدت فيه الرغبة لديَّ في كتابة مقالي هذا.
مع تعدد القراءات بخصوص تجربة الحزب الاشتراكي اليمني من الطبيعي أن نجد أنا وغيري من القراء بعض الكتابات النقدية التي تكتب بنفسية متجردة خالية من أي تشوهات، وكأن صاحبها يطارد الحقيقة، بغض النظر عن المصب السياسي الذي سوف يرمي المقال حمولته النقدية فيه، والبعض منها تكتب بنفسية مشحونة مسبقاً بالأحكام السياسية والايديولوجية تجاه الآخر بشكل مكثف، الأمر الذي يجعل المقالة فواحة برائحة الكراهية والصراع السياسي حتى بعد أن يفقد الصراع السياسي مبرر وجوده في ظل متغيرات جديدة.
وكأن صاحبها حين يكتب مقالته هذه، فقط يطارد المقالة المنصفة لتجربة الحزب الاشتراكي اليمني أو يقف في وجهها، بغض النظر إن كان مثل هذا سوف يتم على حساب تشويه الحقائق التاريخية والسياسية لجيل من المناضلين اليمنيين الوحدويين وحتى الوجه المشرق في تجربتهم السياسية التي كانت وما زالت تشكل مفاعيل بنيوية وجهازا مفاهيميا، وحتى إرثا سياسيا في مسار التوجه السياسي والاجتماعي الوحدوي نحو المستقبل الذي يجب أن تنتصر في ظله الفكرة الوطنية الديمقراطية.
وإذا كان هذا هو حال المقالة المكتوبة، فإن البرامج المتلفزة على شاشة القنوات الفضائية اليمنية هي الأكثر توجها نحو تشويه تجربة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب دون الاعتراف بمحاسن التجربة وتحديداً قناة “يمن شباب” الفضائية التي تقدم نفسها منبراً سمجا للفعل السياسي تجاه الآخر أكثر من كونها منبراً إعلامياً معنيا في المقام الأول بمسألة الانتصار المهني للحقيقة السياسية التاريخية، وحتى عندما تستضيف بعض القنوات الفضائية اليمنية قيادات وأعضاء في الحزب الاشتراكي تعمل على اجتزاء كلامهم بشكل يخدم في المقام الأول الفعل السياسي للقائمين على القناة الفضائية.
وفي المقام الثاني يعمل هذا الاجتزاء الانتقائي الذي يعرض بعض حديث الضيف دون بعضه الآخر على حجب كامل الحقيقة لدى المشاهدين {توظيف سياسي} كما حدث مؤخراً في البرنامج المسجل الذي نشرته قناة “العربي ” الفضائية عن حرب 1994م مع أن قناة العربي تشكل حالة متقدمة مقارنة بقناة يمن شباب.
في كل الأحوال تجربة الحزب الاشتراكي في الجنوب ليست مقدسة من سهام النقد ولا يجب أن تكون كذلك، فهي تجربة حدثت في سياق تاريخي وفي ظروف اجتماعية وسياسية وثقافية وحتى ثورية تعكس واقع حال اليمنيين في مرحلة تاريخية، الأمر الذي يجعل من الكتابات النقدية التي تطارد الحقيقة في ظل الظروف المحيطة بها بغض النظر عن المصب السياسي الذي سوف يرمي المقال حمولته النقدية فيه: هي الأكثر مصداقية في تناول أي تجربة سياسية في اليمن.
ومع ذلك أعتقد -شخصياً- أنه من الإنصاف أن نقف على بعض الأطروحات التي لا أريد من خلالها تقوية حجة المقالة السياسية المنصفة لتجربة الحزب، بقدر ما أريد من هذه الأطروحات أن تتحول إلى مادة سياسية فكرية تخدم الفكرة الناقدة “بحد ذاتها” في سياقات وطنية ديمقراطية وحتى وحدوية، سيما في حال إن أخذنا في الاعتبار مفاعيل الفكرة الوطنية الجامعة خلال تجربة الحزب الاشتراكي في الجنوب مقارنة مع واقع حال الجنوب اليوم بعد أن أمعنت السلطة الحاكمة في صنعاء من بعد صيف 94 في مسألة إضعاف دور الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن.
في اعتقادي أن تجربة الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن تكتسب أهمية استحضارها “اليوم وغدا” على المستوى الوطني بنفس أهمية وجودها في الماضي كتجربة نضالية خاضها العقل السياسي الحزبي في جنوب اليمن، وذلك قياسا على المشكلة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية في اليمن، سيما وأن جذر المشكلة اليمنية يتعلق دائما بسؤال السلطة والثروة وشرعية الحصول عليهما، ناهيك عن فشل المجتمع في فض حالة الاشتباك القائم بين الماضي والحاضر بناء على فكرة التقدم الحضاري التي ستجعل مستقبل الأجيال القادمة خاليا من أي حضور تاريخي رجعي على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي في اليمن، وعلى هذا الأساس نستطيع القول :-
1- إذا كانت مشكلة اليمنيين في الماضي والحاضر تعود في الأساس إلى عدم وجود دولة وطنية ديمقراطية حاكمة تعمل على تحويل اليمن إلى وطن وسكانها إلى مواطنين يخضعون لأحكام المواطنة، فإن بدهيات تأسيس هذه الدولة الوطنية الديمقراطية تقتضي بالضرورة فض حالة الاشتباك القائمة تاريخياً بين حضور العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن بكل نماذجه السياسية وبين الكيان السياسي الحاكم في اليمن {السلطة} لأن فض حالة الاشتباك القائمة تجعل السلطة في اليمن مؤهلة سياسياً وفكرياً وحتى ثقافياً إلى أن تتحول إلى دولة.
من هنا تأتي أهمية تجربة الحزب الاشتراكي في حكم جنوب اليمن، لا لكونها تجربة الاشتراكيين الايديولوجيين الذين يعيشون حالة صراع وجودي مع الآخر الأيديولوجي، بل لكون الحزب الاشتراكي الذي حكم في جنوب اليمن هو أحد أدوات العقل السياسي الحزبي الذي يجب أن ننتصر لسلطته في اليمن على حساب سلطة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن = {السلطة القبلية والسلطة المذهبية والسلطة الجهوية المناطقية} هذا إذا كان ما نريده في اليمن تحويل السلطة الحاكمة تاريخياً إلى دولة وطنية فالدولة لا تتأسس في ظل وجود عقل سياسي نقيض لفكرة الدولة وهنا يكمن الفرق بين العقل السياسي الحزبي والعقل السياسي القبلي أو المذهبي أو الطائفي فيما يتعلق بالانسحام مع فكرة الدولة.
2- إذا كانت صيرورة الدولة تقتضي تحول الدولة إلى دولة وطنية ديمقراطية، فإن هذه الصيرورة على المستوى السياسي تحتاج في نفس الوقت على المستوى الاجتماعي إلى وجود تعبيرات ومكونات سياسية اجتماعية تتشكل تنظيميا على امتداد الجغرافية الوطنية بشكل عام، أي يتشكل كيانها الوجودي التنظيمي على امتداد الهوية الوطنية الجامعة للمكون الإنساني في أي دولة.
هذه الحاجة الوطنية التي سوف تشكل على المستوى الأفقي بنية تحتية للدولة الوطنية الديمقراطية، لا يستطيع أن يقوم بدورها وإشباعها كحاجة وطنية سوى العقل السياسي الحزبي الذي يؤسس أحزابا سياسية يتواجد أعضاؤها في كل قرية وفي كل مديرية وفي كل محافظة، بعكس مكونات العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن (مثل: القبيلة السياسية والمذهبية السياسية والجهوية والمناطقية) لا تستطيع أن تشكل حالة امتداد تنظيمي سياسي على كامل التراب الوطني لأن مكوناتها الإنسانية لا تتواجد في كل القرى والمديريات والمحافظات، ما يعني في النتيجة إذا كانت أهمية العقل السياسي الحزبي في أي بلد تأتي من قدرة هذا العقل على تقديم مشروع سياسي وطني يلبي طموحات الشعب السياسي على أساس الهوية الوطنية الجامعة، فإن أهمية تجربة الحزب الاشراكي اليمني في جنوب اليمن -بقدر ما نجدها إلى حد كبير- كانت تعكس تطلعات الشعب في تأسيس دولة النظام والقانون والعدالة الاجتماعية في الجنوب، بقدر ما نجد أن الحزب قد بلور مشروعه السياسي على أساس الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين ليس على مستوى الشطر الجنوبي فقط، بل على مستوى اليمن بشكل عام.
فالعقل السياسي الحزبي عندما عمل على تأسيس حزب سياسي على أنقاض التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية (الحاكمة في الجنوب) أسس الحزب الاشتراكي اليمني على مستوى جنوب اليمن وشماله كحزب واحد وقيادة سياسية واحدة في زمن التشطير السياسي بين صنعاء وعدن، الأمر الذي جعل الوحدة اليمنية هي القضية المركزية النضالية للحزب الاشتراكي اليمني، بل إن الحزب حولها في خضم معركة الهوية والانتماء إلى حالة وجدانية شعبية، وطنية، مطلبية، حتى تم تحقيقها في الواقع في عام 1990.
وبهذا الخصوص أكاد أجزم بأن الجنوب بعد نيل الاستقلال الوطني لو لم يخضع لسلطة العقل السياسي الحزبي الذي لم يغرق في فساد السلطة والثروة والمصالح الشخصية، ناهيك أنه جعل من الوحدة مشروعا سياسيا لليمن الكبير لولا ذلك لنجحت القوى المعادية للوحدة في مسألة تحويل الجنوب والشمال إلى دول قطرية ذات حدود وطنية منفصلة عن بعضها البعض، على غرار تلك الدول التي تأسست بحدود وطنية داخل فضاء الوطن العربي من العدم، وما زالت حتى اليوم خصوصاً مع محدودية السكان وحجم الثروات المتاحة قياسا على عدد السكان في جنوب اليمن.
قد يقول أحدهم إن التاريخ يحدثنا منذ قرون عن اليمن الواحد من قبل أن يوجد مسمى الوطن العربي وقبل أن يوجد العقل السياسي الحزبي، ومع ذلك نقول إن التاريخ نفسه يعجز عن تقديم دليل واحد يقول إن اليمن الطبيعي في التاريخ قد خضعت لسلطة مركزية واحدة أو لسلطة دولة واحدة على كامل التراب اليمني ما يعني أن تحقق وحدة الأرض والإنسان والسلطة في اليمن على أساس الفكرة الوطنية الجامعة تمت على يد العقل السياسي الحزبي، الذي قدم التنازلات باسم الشطر الجنوبي في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية في 1990م.
3- اذا كان تطور العقل البشري وتفكيره النقدي في المسألة السياسية قد مثل صيرورة الفكر السياسي الحديث بحيث أصبح هذا الأخير يُعرف النموذج المثالي للدولة بكونها الدولة الوطنية الديمقراطية ={ الدولة المدنية } اي الدولة التي تحمي عملية التداول السلمي للسلطة، فإن ذلك يقتضي بالضرورة وجود أحزاب سياسية مدنية تتولى نقل أفراد المجتمع على المستوى السياسي والثقافي من حالة الانتماءات القبيلة أو المذهبية أو الطائفة أو الجهوية إلى حالة الانتماءات الحزبية ومشروعاتها السياسية الوطنية، هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية فإن الأحزاب السياسية هي المعنية في ظل الديمقراطية بمسألة التداول السلمي للسلطة، فالدولة المدنية على حد قول الفيلسوف رالف غولدمان في كتابه ={من الحرب إلى سياسة الأحزاب} هي الدولة التي تحكمها المؤسسة الحزبية، اي العقل السياسي الحزبي.
وعطفاَ على ذلك فإن أهمية تجربة الحزب الاشراكي اليمني في جنوب اليمن سيما فيما يتعلق بالديمقراطية، تكمن في كون الحزب الاشتراكي شكل حالة تجاوز مفاهيمي وطني مدني، نقلت المكون الإنساني من حالة الانتماءات التقليدية إلى حالة الانتماء للحزب السياسي أي أن تجربته في اليمن شكلت إلى حد كبير تجاوز لمكونات العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن وهي المكونات التي تشكل حاله ممانعة للديمقراطية مثل القبيلة السياسية والمذهبية السياسية،
صحيح أن تجربة الحزب الاشتراكي في الجنوب تخللتها صرعات دموية كارثية كان أخطرها في عام 1986م التي استطاعت نزعة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن أن تطل برأسها في مسألة جر الصراع السياسي في المكتب السياسي إلى انقسام مناطقي وليس صراع قبلي كما يصور بعض الكتاب، إلا أن العقل السياسي الحزبي انتصر على نزعة العقل السياسي التاريخي، فإذا كانت القبيلة في الجنوب مع وجود الحزب الحاكم لم تستطيع أن تقتحم المجال السياسي العام ولم تستطع أن تتحول الى قبيلة سياسية حاكمة على غرار حاشد وبكيل في شمال اليمن، فإن المناطقية التي عملت على فرز الصراع على المستوى الأفقي في 86 لم تستطع هي الأخرى أن تتحول الى حالة سياسية حاكمة في مستقبل الحزب والدولة مع وجود العقل السياسي الحزبي الحاكم في جنوب اليمن، بدليل أن مقاليد سلطة الحزب والدولة لم تذهب الى يد المنتصرين مناطقياً ={ الضالع وردفان على حساب ابين وشبوه } إذا جاز مثل هذا التعبير، بل ذهبت أمانة الحزب للبيض ورئاسة الدولة للعطاس حضرموت ورئاسة الوزراء ومجلس الشعب للدكتور ياسين سعيد نعمان وكان معيار هذا الاستحقاق في الجلوس على كرسي السلطة بعد أحداث يناير هو التاريخ النضالي الحزبي والكفاءة السياسية والإدارية، وليس المناطقية سيما البيض الذي كان أبرز الرموز الباقية من جيل الثورة والاستقلال في جنوب اليمن، كما أن حضور العقل السياسي الحزبي تجسد في مسألة نقد وتقييم التجربة وهذا الصراع المسلح بكل شجاعة ومسؤولية بعد أحداث يناير في الوثيقة النقدية التي أقرها الحزب الاشتراكي وخلص فيها إلى ان الديمقراطية والتعددية السياسية الحزبية هي المخرج الحقيقي من دوامة الصراع السياسي في اليمن، الأمر الذي جعل الوحده اليمنيه تقوم على نظام الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وهذه استنتاجات عقلية فكرية توكد أن العقل السياسي الحزبي هو الذي كان حاضراً في اتخاذ القرارات المستقبلية في جنوب اليمن بعد أحداث يناير وليس العقل السياسي التاريخي المناطقي الذي أراد من خلال أحداث يناير أن يتحول الى سلطة حاكمة في الجنوب ما يعني في النتيجة من جهة أولى أن أهمية التجربة السياسية في حكم الحزب الاشراكي اليمني في جنوب اليمن تأتي من أهمية سبقها السياسي التقدمي في مسألة الإنتصار المستقبلي للعقل السياسي الحزبي بشكل عام على حساب العقل السياسي التاريخي أو العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، ومن جهة ثانية فإن أضعاف دور الحزب من بعد 1994 وتشويه تاريخية لم يصب سوى في مصلحة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن بشكل عام، وليس في صالح خصومه من الأحزاب السياسية وما يجري اليوم في شمال اليمن وجنوبه هو شاهد حال لمعنى انتصار العقل السياسي التاريخي وليس انتصار خصوم الحزب الاشتراكي من الأحزاب السياسية، بمعنى آخر وضع الأحزاب السياسية اليوم وعدم قدرتها على مواجهة ما يجري في اليمن هو الدليل القاطع بأن العقل السياسي الحزبي هو الذي ضرب لصالح نقيضه في معادلة الصراع في اليمن بحيث أصبحت هذه الأخير تعيش في ظل سلطة المذهبية والسلالية والمناطقية والجهوية ناهيك عن داعي القبيلة.
4- اخير يجب أن ينظر إلى تجربة العقل السياسي الحزبي الحاكم في جنوب اليمن من زاوية أن الحزب الاشتراكي اليمني شكل حالة استثنائية إيجابية مع فكرة التغيير السياسي والاجتماعي مقارنة بالأحزاب العربية يومها، فالحزب الاشتراكي بقدر ما صنع السلطة في الجنوب ظل على الدوام هو صاحب السلطة ولم تستطيع السلطة أن تحوله إلى حزب السلطة على غرار الأحزاب العربية التي تولت مقاليد السلطة، كان العقل السياسي الحزبي يستطيع أن يقيل أمين عام الحزب ورئيس الدولة بقرارات حزبية صادرة عن المؤسسه الحزبية كما حدث في حق سالمين وفتاح وكان سيصدر بحق على ناصر لولاء استخدام القوة من قبله، بعكس الأحزاب العربية التي وصلت إلى السلطة أو تأسست من قبل السلطة تحولت كلها إلى أحزاب سلطة في خدمة رئيس الدولة الذي هو آمين عام الحزب، بل وجدناها أحزاب تقدس الرئيس وأكثر من ذلك تشرعن لسلطة أبنا الرئيس من بعده في حكم النظام الجمهوري، وهنا يكمن الفرق في مسألة الإنتصار لفكرة الدولة الوطنية الديمقراطية بين دور الحزب الذي يملك السلطة في سبيل مشروعه السياسي وبين سلطة تملك الحزب في سبيل تغولها في المجتمع، بمعنى آخر في الجنوب وجدت سلطة الحزب وفي الشمال وجد حزب السلطة وهذا الفرق كان يعكس في واقع الحال وجود سلطة العقل السياسي الحزبي في الجنوب وسلطة العقل السياسي التاريخي في الشمال.
اذاً القيمة التاريخية في مسألة تكوين الحزب الاشتراكي اليمني وتجربته السياسية في جنوب اليمن، يتجلى شأنها اليوم على المستوى الوطني وحتى الوحدوي في الحديث عن فكرة الدولة الحاكمة وعن القيمة الوطنية الديمقراطية وأهمية حضور دورها الثقافي الفاعل داخل الوجدان السياسي للأجيال القادمة في اليمن.
وإذا كانت أهمية القيمة التاريخية والوطنية لا تعني بالضرورة أن مسألة الانتصار للقيم السياسية الوطنية الديمقراطية تتعلق اليوم بوجود الحزب الاشتراكي اليمني بذاته دون غيره من الأحزاب السياسية، فإنها تعني بالضرورة أن العقل السياسي الحزبي بشكل عام وحده هو القادر في كل الأحوال على تقديم نفسه حليفا للفكرة الوطنية وحتى للشعوب التي تخوض معركة التحولات السياسية والاجتماعية من حاضرها كمجتمعات تقليدية عصبوية إلى مستقبلها كشعوب سياسية مدنية ومن حاضر سلطتها التاريخية التقليدية إلى مستقبل الدولة الوطنية الديمقراطية.
وعطفا على كل ما سبق إذا كانت معركة التغيير في اليمن لا تعني سوى أن تتحول اليمن إلى وطن ودولة لليمنيين، فإن معركة التغيير نفسها سوف تكون أكثر نجاعة ووعيا بجذر المشكله اليمنية عندما ندرك أن معادلة الصراع السياسي في تاريخ اليمن الحديث تتشكل منذ ثورة الـ26 من سبتمبر وحتى انقلاب الـ21 من سبتمبر على شاكلة صراع وجود بين العقل السياسي الحزبي الطامح في حكم مستقبل اليمن والعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، وأن هذا الأخير يظل قادرا على ضرب فرص التغيير السياسي والاجتماعي مع كل ثورة في اليمن.