نقلاً عن المشاهد
حضرموت – مكين العوجري
مع استمرار الجهود الأممية للوصول إلى اتفاق يفضي إلى توقف شامل للحرب الدائرة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، أعلنت قوى قبلية وسياسية عن اليوم الوطني الحضرمي، وتدشين مرحلة جديدة لمشروع استعادة دولة حضرموت.
في الـ20 من ديسمبر، أعلن ما يسمى “حلف قبائل حضرموت”، عن اليوم الوطني الحضرمي، الذي يسعى إلى انفصال المحافظة عن الخارطة اليمنية شمالًا وجنوبًا، والاستقلال التام، حسب حديث الشيخ القبلي عمرو بن حبريش، رئيس الحلف.
نفق جديد
تقديرات مختلفة يضعها محللون وسياسيون لإعلان اليوم الوطني الحضرمي، في ظل تعدد المشاريع لقوى سياسية وعسكرية طامحة لتحقيق مكاسب تمكنها من وضع موطئ قدم لها، وفي الوقت نفسه يعد عاملًا جديدًا لدخول اليمن في نفق جديد مجهول.
المحلل السياسي، الدكتور نبيل الشرجبي، يقول إنه يمكن النظر لمثل هذه التحركات في أوقات الصراع من زوايا عدة، إذ يرى أن إعلان يوم وطني لمحافظة حضرموت يعد محصلة أو نتيجة لتحقيق هدف انتظرته حضرموت لإعلان دولتها المستقلة، مستعينة بالعديد من المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجيوسياسية، بالإضافة إلى وصول الدولة المركزية إلى حالة الوهن، الأمر الذي شجع أبناء حضرموت على الإقدام على تلك الخطوة، حسب تعبيره.
ويضيف الشرجبي لـ”المشاهد”: “إعلان يوم وطني حضرمي يعد نوعًا من الضغط على الأطراف الأخرى من أجل أن يكون لحضرموت وضع مميز يتحقق فيه الكثير من الاستقلال الاقتصادي من خلال وضع إقليم مستقل بذاته”.
ويصف الأمر من زاوية أخرى بأنه “قد يكون هناك دفع من أحد أطراف التحالف (السعودية) للإقدام على مثل تلك الخطوة بغرض الضغط أو منع تحركات أطراف أخرى (الانتقالي) لزيادة التفتت وتعقيد الأوضاع أكثر مما هي معقدة، وبكل تأكيد فإن تأثير ذلك الوضع على علاقة الشرعية بحضرموت أو بالوضع، فهو خاضع لرغبة وسياسة التحالف النهائية بالنسبة لوضع اليمن بشكل عام”، مضيفًا: “لا بد أن تنتزع الأطراف الجنوبية بعض الاستحقاقات، التي بات التحالف يقر بها”.
استثمار سياسي
ويعود سبب تسمية هذا اليوم إلى أحداث سياسية وشعبية جاءت عقب اغتيال الرمز القبلي الحضرمي سعد بن حبريش العليي، في الثاني من ديسمبر 2013، إذ يقول الكاتب السياسي، أمجد رامي، لـ”المشاهد”، إن تاريخ التسمية يعود إلى هبة شعبية وقبلية مسلحة ومدنية، شاركت فيها كل الأطر السياسية والمكونات المدنية في حضرموت، وأدت إلى تغييرات جعلت من حضرموت رقمًا صعبًا آخر في المعادلة اليمنية المعقدة.
من جانب آخر، ينظر قادة سياسيون إلى إعلان يوم وطني لحضرموت بأنه مجرد استثمار لمشاريع سياسية قد تكون في مفترق طرق، إذ يقول رامي إن معلني هذا اليوم الوطني يحاولون في معظمهم استجرار تلك الروح الوطنية الحضرمية، واستثمارها لصالح مشاريعهم، مشيرًا إلى أن هناك فريقًا اتخذ من دعاوى مظلمة حضرموت كمدخل لضرب أي استحقاقات انتقالية جنوبية قادمة وداعية للاستقلال.
ويعتقد أن هناك فريقًا آخر لم تتضح رؤيته السياسية كاملة ولا دوافعه، والتي قد تكون على رأسها الرغبة في إضعاف أي نفوذ جنوبي في حال فرض استعادة الدولة الجنوبية القادمة، ومن دلالات هذا الاختلاف بين الفريقين، رفع العلم المثير للجدل، والذي يفترض أنه يمثل إقليم حضرموت.
وعن حاضنة القوى الجديدة القديمة، كما يصفها البعض في حضرموت، تعد مناطق الوادي والصحراء في حضرموت هي الحاضنة الأكبر لتواجد مناصري إعلان اليوم الوطني الحضرمي، وعن هذا البعد يقول رامي إن “تلك المناطق تسيطر عليها قوات تُتهم بكونها داعمة لحزب الإصلاح، وبرز ذلك بعد نجاحات الانتقالي الأخيرة سياسيًا وعسكريًا، والثقة التي نالها من قبل الحضارم”، حسب وصفه.
ويضيف: “أعتقد أن ما يحدث بشكل عام إنما هو مجرد محاولة لعرقلة مكاسب المجلس الانتقالي السياسية والعسكرية مؤخرًا، مع المؤشرات القوية التي تؤكد أن حضرموت الوادي والصحراء تتجه إلى أن يكون مصيرها نفس مصير ومآل محافظتي شبوة وأبين”.
تشظٍّ جنوبي شمالي
ومع حضور حالة من المساعي لإدخال اليمن في مفاوضات تنهي الحرب في البلاد، أصبح من اللافت تعمد قوى سياسية وعسكرية نافذة توسيع دائرة التشظي في صفوف الحكومة اليمنية، آخرها يوم حضرموت الوطني، الذي يراه أمجد “لا يرقى قطعًا إلى مستوى الهبة الأولى، ولا يمكن الجزم بأنه سيُحدث أثرًا ذا قيمة في أية عملية مفاوضات قادمة، كونه لا يرتكز على فعل شعبي وقبلي واسع النطاق، مع ما يعتريه من اتهامات تطعن في أهدافه الحقيقية”.
ومن وجهة نظر أخرى، يصف القيادي السياسي في الحزب الاشتراكي اليمني، مراد بليم، الإقدام على إعلان يوم وطني لحضرموت بأنه “دعوات خائبة تهدف لتهشيم الجنوب أولًا واليمن ثانيًا، واتساع دائرة التفتيت بتمزيق الممزق”، مشيرًا إلى أن حضرموت كانت أساس دولة الجنوب بعد الاستقلال، وكانت العمود الفقري لقيام الدولة بعد توحيد حضرموت الوادي والساحل التي كانت تقبع تحت سلطتين قعيطية وكثيرية.
ويضيف بليم لـ”المشاهد”: “أعتقد جازمًا أن محاولات إحياء مثل هذه الكيانات التي أصبحت من التاريخ، مجرد فقاعات لن ترى النور، كونها ضد المنطق والتاريخ، وضد إرادة الناس وتضحياتهم على مدى عقود من الزمن”.
ويعتقد أن هذه الدعوات قد تشوش على مسارات السلام والمفاوضات بشأن تحقيقه، لكنها حتمًا لن يكون لها تأثير كبير على تلك المفاوضات، باعتبار غالبية أبناء حضرموت يقفون ضد هذه الارتدادات التي تحاكم الثورة والاستقلال والشهداء، حسب تعبيره.
ردة فعل
وجاء إعلان اليوم الوطني الحضرمي في ظل وجود اضطراب سياسي تشهده المحافظة، بخاصة مع تواجد قوي للمجلس الانتقالي الجنوبي وبعض النفوذ لقوى سياسية وعسكرية أخرى تعارض مشروع الانتقالي الجنوبي، وحول هذا المنظور يقول القيادي في المجلس الانتقالي، عمر باجردانة، إن حضرموت في الآونة الأخيرة شهدت تجاذبات إقليمية ودولية كونها منطقة ثروة، وتتمتع بموقع جيوستراتيجي هام، وتمثل ذلك بين المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه قوات التحالف العربي، والشرعية اليمنية والإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) من جهة أخرى، حسب تعبيره.
ويضيف باجردانة لـ”المشاهد”: “تنامي وتصاعد دور المجلس الانتقالي في حضرموت والمحافظات الجنوبية، يقابله تصعيد بإعلان دولة حضرموت والاحتفال بيومه الوطني كردة فعل من تلك القوى، بخاصة التي لاتزال مسيطرة على القرار السياسي والعسكري في وادي حضرموت”.
ويرى أن هذه الدعوات ردة فعل تأتي ضمن المماحكات السياسية بين الأطراف المتنازعة في اليمن، لافتًا إلى أن ذلك لن يؤثر على سير العملية السياسية وجهود إحلال السلام والمفاوضات الجارية.
ويقول إن إعلان يوم وطني لأي بلد أو إقليم يشترط أن يكون منصوصًا عليه في الدستور وبشكل سنوي، ويمثل إجازة رسمية لكل دوائر ومرافق الدولة وهيئاتها، وتكون هناك كلمة لرئيس الدولة أو الإقليم بمناسبة هذا اليوم، كيوم الاستقلال الـ30 من نوفمبر المجيد، فهو مناسبة وطنية بحسب دستور الجمهورية اليمنية، بينما ما تمت تسميته مؤخرًا باليوم الوطني الحضرمي، يفتقر لكل هذه الشروط، وبالتالي لا معنى لهذه التسمية سياسيًا ولا دستوريًا، وإنما يعتبر ذكرى خاصة للحضارم كونه يوم انطلاق الهبة الحضرمية.