فهمي محمد
التربوي القدير ، والمناضل اليساري محمد غالب عبد الولي أحد أبرز قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في صبر مشرعة وحدنان وأكثر القيادات السياسية وعياً ومعرفة وايديولوجيا، بل هو أطول القيادات السياسية نفساً وحواراً وبُعد نظر فيما تعنيه ضرورة الإنتصار التاريخي لفكرة التغيير السياسي والاجتماعي داخل اليمن بأدوات العقل السياسي الحزبي ، سيما وأن هذا السياسي الرصين ظل يؤمن دون يائس حتى حاضر يومنا «وهو يصارع المرض» بدور الفكر السياسي الحزبي المدني دون غيره في صناعة مستقبل الأجيال الذي يجب أن يكون في اليمن بعيداً عن روابط الانتماءات القروية والتقليدية التي شكلت وعي الكثير من القيادات السياسية في المديرية وحتى على مستوى المحافظة ، وأن شئت فقل على مستوى الجمهورية اليمنية. فالرجل بدون شك يعد المثال الحي لنموذج السياسي المعجون بفكرة النزاهة والوطنية على حد سواء .
بن غالب عبدالولي كما يطلق عليه البعض في القرية أو الأستاذ محمد غالب عبد الولي كما يُعرف في عموم صبر وبين رفاقه في محافظة تعز التحق بالانتماء الحزبي في أواخر السبعينات وتخرج من معهد المعلمين في الثمانينات من القرن الماضي وعلى مدى ما يقرب من أربعة عقود ظل واقفاً على سبورة المدرسة يقدم عطاء نموذجياً لطلابه في مرحلة عمرية صعبه من مراحل التعليم.
يستلم طلاب الصف الأول الابتدائي ويرافقهم بكل حيوية ونشاط في عملية التعليم وتشكيل بذور المعرفة في شخصية الطالب حتى الصف الثالث وهكذا دواليك دون كلل أو ملل أو حتى غياب عن الحضور إلا في شدائد المرض الذي يواجه ، وفي المقابل كان يقود العمل السياسي الحزبي ويستقطب الأعضاء في قرى المديرية ، ثم يعكف في نفس الوقت على قراءة الكتب السياسية والفكرية التي أقدم على شرائها بنهم كبير في الثمانينيات والتسعينيات٠
ولأنه سياسي من طراز المثقفين الحريصين على نشر المعرفة ، فقد كان كريم في إعارة كتبه للقراء الذين لم يلتزموا بإعادتها إليه ، وكان حظي من تلك الكتب التي اخذتها منه في 2010 كتاب النزعات المادية في تاريخ الفلسفة العربية الاسلامية ، للمفكر حسين مروه ، وكتاب الاسلام وفلسفة الحكم للمفكر محمد عماره ، وبعض كتب المعاجم السياسية والفلسفية التي كان يخصص كل كتاب منها تحت عنوان ما هي الاشتراكية وما هي الرأسمالية وما هي الماركسية وما هي القيمة الزائدة وما هي الأيديولوجية . وماهي المادية التاريخية..إلخ ٠
وهي كتب مع ما أحدثته على وجه الخصوص لدي من وعي سياسي وفكري أعتز به ، اجد نفسي مدين غير قادر على سداد دين صاحبها ، سوى الاعتراف بالفضل الأول لهذا المناضل الذي كان ومازال مدرسة نموذجية في فن العمل السياسي والقيادة الحزبية وفي فن الحوار وقبول الآخر وحتى في فن تعامله السلمي والحضاري «المدني» داخل محيطه الاجتماعي.
على إثر أول انتخابات للمجالس المحلية التي فازت بها أحزاب مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة في مديرية مشرعة وحدنان بقيادته كسكرتير أول للحزب الاشراكي مع أمين سر التنظيم الناصري عبد الله جسار ، أصيب محمد غالب بجلطة دماغية أدخلته في غيبوبة عدت أيام داخل العناية المركزة ، وبعد خروجه كان بمقدوره الانتقال إلى التوجية التربوي ، أو أن يشغل منصب إداري في المدرسة، إلا أنه رفض الفكرة وظل مربي الأجيال في المدرسة حتى اليوم ، رغم مشقة مهمة التعليم مع الأطفال ، وحالته الصحية التي تستدعى علاج القلب وارتفاع الضغط الدائم، وبهذا الخصوص كم حدثني شخصياً هذا المناضل عن السياسيين الذين يدعون النضال الوطني في سبيل فكرة التغيير وهم عاجزين عن الإلتزام بالدوام الوظيفي ومقصرين في عطائهم المهني خصوصاً في قطاع التعليم.!!!
ومع أنه سلم موقع السكرتير الأول للحزب في المديرية قبل عشرين سنة إلا أن منزله وبحضوره المميز ظل حتى اليوم المكان الأمثل الذي تعقد فيه أهم الاجتماعات الحزبية.
في ظل قياداته السياسية سواء على مستوى قيادة الحزب أو قيادة العملية الانتخابية في المديرية تعلمت من هذا السياسي وأنا في بداية تطلعاتي السياسية أن الانتماء السياسي وخوض معركة التغيير بقدر ما تتطلب من المناضل وعي سياسي يتجاوز الانتماءات العشائرية والمناطقية، بقدر ما يعني النضال المستمر في سبيل الفكرة الوطنية وهو نضال يجب ألا يتوقف ولا يقبل الإحباط مهما بلغ بك العمر، كما تعلمت منه أن القراءه هي ديناميكية الفعل السياسي .
اتحدث هنا عن سياسي يحمل وعي ثقافي وفكر سياسي عابر للمشاريع الصغيرة ، والانتماءات الماضوية، وهو الان يصارع المرض كما صارع التخلف والجهل في هذه البلاد.
ادعو له بالشفاء العاجل وهو يصارع المرض ويتلقى العلاج .