تعز – مكين العوجري
في ظل هدنة هشة يمتد عمرها مايزيد عن خمسة أشهر لم تقدم جماعة الحوثيين فيها أدنى التزام بأي من مضامين الهدنة، بل تمادت وأظهرت نواياها اتجاه الحرب وأي مفاوضات مقبلة، وذلك من خلال الهجوم المسلح الواسع الذي استهدف المنفذ الغربي والوحيد لمدينة تعز التي تتعرض لحصار منذ مايقارب ثمانية أعوام من قبل الجماعة.
في 28 اغسطس أرادت جماعة الحوثي الموالية للنظام الإيراني أن تطبق الحصار التام على ملايين من سكان تعز، من خلال هجوم مسلح واسع بعدة انساق عسكرية على مواقع القوات الحكومية المرابطة في الجبهة الغربية الممتد من جبل حبشي إلى أجزاء من مديرية التعزية.
واستشهد خلال الهجوم عشرة جنود من قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وعشرات الجرحى والقتلى من عناصر جماعة الحوثي، وسط تنديد دولي واممي خجول والذي اعتبره مراقبون محاولة لطمس أثر التماهي مع الخروقات التي تتعرض لها الهدنة من قبل الحوثيين.
لا زالت جماعة الحوثي تطمح إلى تحقيق مكاسب عسكرية وخاصة في محافظة تعز وذلك استثمارا لفترة الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في اليمن، حيث يرى مراقبون أن الجماعة ترغب في إغلاق المنفذ الوحيد لسكان مدينة تعز من أجل تحسين شروطها التفاوضية، والالتفاف على بنود الهدنة.
اطباق الحصار
لم تكن العملية العسكرية الحوثية التي استهدفت الجبهة الغربية لمدينة تعز الا مؤشر لما ستذهب إليه جماعة الحوثي في المستقبل القريب، حيث يرى الصحفي والمهتم في الشأن السياسي أدونيس الدخيني أن الهجوم جزء من مخطط أوسع يستهدف الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن.
وأشار إلى أن ملامح المخطط الحوثي تتمثل في استقدام حشود عسكرية كبيرة إلى الحديدة وتفجير الطرقات الرابطة بين محافظتي أبين والبيضاء والهجوم على البوابة الغربية لمدينة تعز وهي الوحيدة التي يتنقل عبرها المواطنيين بين عاصمة المحافظة وأريافها والمحافظات الأخرى حد تعبير الدخيني.
ويرى الدخيني أن الهجوم كان يستهدف تطويق المدينة من جديد، وتشييع رسمي للهدنة الأممية والتي رفض الحوثيين تنفيذ بنودها وفتح الطرق الرئيسية في تعز، وذلك منذ اكثر من خمسة أشهر من عمر الهدنة ولم تكتف بذلك بل اتجهت إلى استكمال حصارها.
لن يفتح الحوثي الطرق
ويعتقد الدخيني ان جماعة الحوثي غير مستعدة لتنفيذ بنود الهدنة، وفرص نجاح الهدنة الأممية تقلصت كثيرا، ويتخذ الحوثيين من الاتفاق كما حدث في اتفاق ستوكهولم، فرصة لإعادة ترتيب صفوفها ومن ثم العودة إلى استئناف المعارك من جديد.
كانت الجيش اليمني حاضراً في إحباط طموحات الحوثيين الأخيرة غرب تعز رغم الشكوك عن مدى جاهزيتها، وفي سياق ذلك يقول الدخيني أن القوات الحكومية إلى حد ما كانت تملك جاهزية لصد هجوم جماعة الحوثي، إلا أنه يتساءل عن قدرة الأولى للتعامل مع تصعيد عسكري يستمر لأيام واسابيع متواصلة كما حدث على في مأرب قبل شهورٍ.
واضاف “بلا شك، تحتاج القوات الحكومية إلى إعادة ترتيب وضعها وتعين قيادات عسكرية كفوءة قادرة على التعامل مع كل التحديات بما في ذلك تصعيد محتمل للمليشيات الحوثية”.
هجمات مستمرة
ويرى صلاح احمد أن الحوثيين يعتبرون الهدنة بينهم وبين طائرات التحالف فقط وعلى هذا الاساس يستمر في الحرب والتحشيد والاستعراض العسكري في كل مكان، لافتاً إلى أنه لا حل سوى الخيار العسكري مع الحوثيين وايقاف التنازلات لهم عبر مايسمى بالهدنة.
مواقف دولية ومحلية
عقب الهجوم الحوثي على المنفذ الغربي والوحيد لمدينة تعز نددت جهات دولية واممية بالهجوم العسكري باعتباره خرق للهدنة وتقويض لمساعي السلام الذي لم يظهر أي بوادر واضحة تضمن عودة الدولة اليمنية وانهاء مظاهر الانقلاب الحوثي، حيث وصف الاتحاد الأوروبي هجوم الحوثيين الاخير على مواقع القوات الحكومية غرب تعز بانه دامي ويقوض جهود السلام في اليمن.
وعبر سفراء الاتحاد الأوروبي في اليمن عبر بيان له في حسابه “بتويتر” عن قلقه العميق إزاء الهجوم الدامي من قبل الحوثيين على منطقة الضباب، والذي استهدف الطريق الجبلي الذي يربط بين تعز وعدن، معتبراً ذلك تقويضا لجهود السلام، مشيراً “أنه ليس ما يريده ويستحقه سكان تعز، من المهم المشاركة وبطريقة بناءة في لجنة التنسيق العسكرية”.
كما أصدرت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عبر وزارة خارجيتها بيان إدانة للهجوم الحوثي على منفذ تعز الوحيد معتبرة ذلك تصعيد خطير وتدعوا المبعوث الدولي إلى تحمل مسئولياته وإدانة الهجوم، وأنها لن تسمح لمليشيات الحوثي باستمرار خروقاتها وعبثها واستغلالها للهدنة والاستفادة من التزام الجانب الحكومي بتنفيذ بنود الهدنة لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية على حساب خيارات اليمنيين، فيما بيان الحكومة لم يوضح أي خيارات يمكن اتخاذها للرد على الأعمال العسكرية الحوثية.
وفي السياق اصدرت الأحزاب السياسية في تعز بيان مشترك، طالبت فيه مجلس القيادة الرئاسي بقيادة باتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه المواقف المتماهية للمبعوث الأممي مع الحوثي، و ما تتعرض له الهدنة، وتضمن البيان مناشدة لدول التحالف العربي بتقديم المزيد من الدعم لإنجاز التحرير وتحريك كافة الجبهات أو تلك المتعلقة بموقف حازم تجاه ميوعة المواقف الدولية ومبعوثيها للشأن اليمني ووضع حد لهذا الغطاء الذي يمثل دعما للمليشيات وتكتيفا للشعب اليمني في معركة التحرير الوطني.
ويدرك الشارع التعزي مدى رغبة الحوثيين في إكمال عقد الحصار على المدينة، الا أن عصا المقاومة لا زالت خضراء في ايديهم، رغم ضبابية خيارات القوات الحكومية التابعة للشرعية اليمنية، ويبقى السؤال هل استوعبت القوى السياسية والعسكرية في مدينة تعز الدرس الذي ربما يتكرر وسيكون اقسى .