فهمي محمد
قليل من الحزن وكثير من الخزي والآلام ، هو لسان حالنا اليمنيين ونحن نجد أنفسنا كل يوم أمام واقعة قتل واجرام ، تتحول من حجم بشاعتها وعدم ثقتنا بعدالة الحاكم إلى قضية رأي عام ، وإذا كانت قضية المغدور به عبدالملك السنباني هي الجريمة الحاضرة والمتداولة شعبياً في هذا الأسبوع بكونها قضية رأي عام ، إلا أنها تتصف بكون القتلة فيها مجرمين حقيقين اقترفوا في هذه الواقعة عدد من الجرائم المركبة، والتي تعد مظهراً من مظاهر واقعة القتل في حق المجني عليه الشاب عبد الملك السنباني ، وعلى هذا الأساس إذا كان البعض قد وصف واقعة الاعتداء على الشاب المغدور به بكونها جريمة حرابة وهذا صحيح = { تقطع واختطاف وسرقة مال المجني عليه وقتله } إلا أن فداحة فعل الحرابة في حق المجني عليه السنباني يتجلى في مظهر ثاني من مظاهر الجرم وهو أن يصدر هذا ممن اناط بهم القانون حماية أمن المواطنين = { أفراد أمن النقطة } وهذه بحد ذاتها جريمة أخرى تكمن فضاعتها في معنى أن يسرقك ويقتلك من هو مكلف قانوناً بحمايتك من المخاطر = { خيانة الواجب } ومع أن إلزامية الواجب في مسألة الأمن ، ليست قانونية وحسب بل هي ترتبط في كل الأحوال نفسياً ووجدانياً وأخلاقيا في أعماق المواطنين تجاه المكلف بالواجب نفسه.
اتذكر الآن وأنا أكتب هذه السطور واقعة اقتحام الإرهابيين لمستشفى العرضي في صنعاء ، حين بدؤا في قتل كل الموجودين ، ومع هذا الرعب افترش عدد من الموجودين في أحد الصالات وعندما طل عليهم أحد الإرهابيين في اللباس العسكري بدأ هؤلاء بالنهوض تجاهه بأمل النجاة ، وكأن لسان حالهم كان يقول جاء من هو مكلف بحمايتنا من خطر الموت ولكنه ألقى عليهم قنبلة أودت بحياتهم ، ومع أن القاتل هنا إرهابي وليس رجل أمن إلا أن وجه الشاهد هو الارتباط النفسي لدى هؤلاء الضحايا تجاه حامل الزي العسكري ودوره ، فيما لو كان قاتلهم رجل الجيش أو الأمن فعلاً ، وهنا تتجلى فضاعة الجريمة في حق السنباني من زاوية خيانة الواجب الوطني ، وهي جريمة مستقلة بذاتها لأن من قتلوه وسرقوه هم رجال الأمن المكلفين أصلا بحمايته ، سواء كان هؤلاء يتبعون سلطة شرعية أو سلطة أمر واقع.
وفي مظهر ثالث من واقعة مقتل المواطن السنباني تتجلى جريمة ثالثة مستقلة تتعلق بالمساس والإضرار بالاقتصاد الوطني ، فبعد توقف صادرات النفط والغاز بسبب الحرب أصبحت تحويلات المغتربين من الروافد الرئيسية إذ لم تكن الأولى التي تغذي الداخل اليمني بالعملة الصعبة ، ناهيك عن كونها تعول كثير من الأسر ، ما يعني أن قتل مغترب عائد إلى اليمن بسبب ما بحوزته من الدولارات بلا شك سوف يخلق فوبيا لدى المغتربين اليمنيين تتعلق بعودتهم بأموالهم التي تغذي الداخل الوطني بالعملة الصعبة ، وهذه بحد ذاتها جريمة تتعلق بالاقتصاد الوطني مثلها مثل مقتل وخطف السواح الأجانب التي كانت تحدث قبل ثورة الشباب ، ناهيك عن كون هؤلاء القتلة أرادوا من وراء جرمهم الإثراء بلا سبب مشروع وهذا بحد ذاته عمل مجرم يستحق العقاب.
وفي مظهر رابع من واقعة مقتل المغدور به عبدالملك السنباني تتجلى جريمة أخرى أكثر وحشية اقترفها القتلة ، تتعلق بالقتل خارج نطاق القانون وهي من الجرائم الجسيمة التي يجرمها القانون الدولي ، فقتل مواطن لآخر لا يعد قتل خارج القانون يستدعي العقاب المغلض ، بل هو إعتداء على المجني عليه يعاقب فاعله بالعقوبة المقررة قانوناً ، وليس بالضرورة أن يوصف الجاني في كل حالات القتل بالمجرم بالمعنى الحرفي والقانوني لهذه الكلمة ، ولا تسقط عليه الحقوق السياسية أو الوظيفة ، أما حين يقدم رجل الجيش أو الأمن على قتل شخص دون محاكمة أو دون أن يكون المجني عليه يحمل عدواناً يجعل القاتل في وضع الدفاع الشرعي عن النفس أثناء القتل، فإن ذلك يكون قتل خارج نطاق القانون ، ما يعني في النتيجة أن قتلة الشاب عبد الملك السنباني هم قتلة خطيرين ومجرمين وجريمتهم تعد قتل خارج نطاق القانون ، وكذلك الحل ينطبق على كل هؤلاء الذين يقتلون الناس في تعز وهم محسوبين على أفراد الجيش.
وفي مظهر خامس نجد واقعة الاعتداء على الشاب المغدور به، عبد الملك السنباني لم تتوقف عند حدود مقتله وسرقة ماله بالقوة من قبل أفراد النقطة الأمنية ، بل تلى ذلك القيام بتظليل الرأي العام والعدالة عن طريق الكذب المتعمد وإلصاق تهم بالمجني عليه تم نشرها في صحفية واسعة الإنتشار بعد التواصل معها من قبل قيادات عسكرية ومدنية ، بكون المجني متحوث وكونه يصور مواقع ويرسل احداثيات ، مستغلين لغة الجيم لدى الضحية ، وهذا بحد ذاته يؤدي الى تعمق الصراع والشرخ الإجتماعي داخل المكون الإنساني في اليمن على أساس مناطقي ، كل ذلك يعد أفعال مجرمة اقترفها القتلة المباشرون وقيادات مسؤولة عنهم ، لاسيما التى تواصلت مع الصحيفة التي نشرت الخبر ، وهو ما يستدعي إماطة اللثام عن كل تفاصيل واقعة القتل ومن ساهم في الجريمة ، ناهيك عن كون الجريمة بكل أبعادها قد أساءت إلى اليمن وشعبها وإلى السلطة الشرعية على المستوى العالمي ، وهذه الإساءة لا تعني سوى أنها جسدت الصورة النمطية المرسومة في ذهنية الدوائر الحكومية العالمية ، والتي تقول إن المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية تحكمها العصابات المسلحة المنفلتة ، وإن سلاح الجيش في هذه المناطق هو الذي يخلق كل يوم واقع اللادولة.
ومع أن العدالة في مثل هذه القضية سوف تتحقق في حال أن حوكم هؤلاء وتم إدانتهم بحكم يستند في حيثياته على أساس الجريمة المركبة بكل أبعادها ومظاهرها ، إلا أن الملاحظ أن المعنين في الأمر غير مكترثين ، رغم مرور أسبوع ، فلم يتم حتى الآن معرفة تفاصيل الجريمة ولا الكشف عن أسماء القتلة المجرمين أمام الرأي العام ، ولا معرفة نتائج التحقيق مع المجرمين ، فقط كل ما تم عرضه هو مقطع تحقيق مسرحي مع سائق السيارة في حين كان الأجدر هو كشف التحقيقات مع المتهمين ، هذا إذا كان فعلاً قد تم القبض والتحقيق مع متهمين في القضية.
في قضية عبدالله الاغبري لم تمضي سوى يومين على تحولها إلى قضية رأي عام حتى نشرت سلطة الحوثيين الانقلابية تسجيل مصور يتضمن اعترافات المتهمين أمام الرأي العام وبعد المحاكمة المستعجلة تم اعدام أربعة منهم والحكم بالسجن و الدية على بقية المتهمين رغم أن قضية الأغبري أقل خطراً في أبعادها الداخلية والخارجية من قضية مقتل الشاب عبد الملك السنباني .