فهمي محمد
( 4/3)
عن الموقف الأمريكي
فيما يتعلق بالضغوطات الدولية التي نتحدث عنها في هذه القراءة السياسية الموجزة ، قد يتسأل البعض عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً ( لاسيما وهي الدولة العظمى المؤثرة في توجهات السياسة الدولية الضاغطة وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط ) وعن مصلحتها في إجبار التحالف العسكري وحكومة الشرعية على توقيف معركة الحديدة وبالشكل الذي مكن الحركة من إبقاء سيطرتها العسكرية الكاملة على المدينة وعلى الميناء والمطار بعد أن لامس جيش الشرعية أسوار المطار؟
بلا شك نستطيع القول أن مثل هذا السؤال يكون أكثر مدعاة للإثارة والطرح المشروع ، إذا ما انطلق صاحبه من حقيقة التوصيف السياسي المتداول محلياً ودولياً تجاه الحركة الحوثية ودورها في اليمن ، وهو التوصيف الذي نجده بين مخفف في منطوق حكمه القائل؛ إن الحركة الحوثية متحالفة مع دولة إيران تحالفاً استراتيجياً ={ سياسياً وثقافياً ومذهبياً } وبين توصيف مثقل في منطوق حكمه القائل؛ إن الحركة الحوثية ليست سوى أداه من أدوات إيران في المنطقة، وهي بهذا المعنى تكون شوكة سلاح حادة في خاصرة المملكة العربية السعودية -دولة العِداء التاريخي والمذهبي للنظام الحاكم في طهران – وفي نفس الوقت مخالب قط جارحة في معادلة الصراع القائمة بين النفوذ الأميركي والنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط ، ما يجعل منها أي الحركة الحوثية قيمة مضافة إلى قوة إيران السياسية والعسكرية التي تم إنشاؤها خارج فضاء الدولة القومية في إيران ={ العراق ولبنان واليمن } وعن طريق هذه القوة المضافة تستطيع دولة إيران أن تحقق العديد من أهدافها المرحلية في المنطقة ، على غرار ما تحقق لها في سوريا على يد حزب الله ، وفي العراق على يد المكونات الموالية للنظام الحاكم في طهران ، وعلى هذا الأساس إتخذت إدارة الرئيس ترمب قرارها المتعلق باغتيال قاسم سليماني القائد الفعلي لهذه القوة المضافة وصندوق أسرارها ، ما يعني في النتيجة أنه في حال أن تم البناء السياسي والاستراتجي على هكذا معطيات ، فإن الأجدر بالإدارة الأمريكية أن تدعم التحالف العسكري والشرعية اليمنية نحو حسم المعركة في الحديدة ، لا أن تمارس الضغط عليهما لأجل إيقاف المعركة ، خصوصاً وأن الحركة الحوثية بعد ذلك استطاعت أن تطور قدرتها الهجومية عبر الصورايخ البالستية وسلاح الجو المسير الذي أصبح اليوم يضرب بشكل مكثف ومركز عمق الدولة الحليفة سياسياً واقتصادياً وحتى تاريخياً للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة جيوسياسية مثل منطقة الشرق الأوسط !
أتذكر جيداً أني قبل عشر سنوات قرأت للكاتب السياسي الكبير محمد حسنين هيكل عن سياسية الحماية الأمريكية لدول الخليج العربي ، وما استنتجته من تلك القراءة يومها؛ أن سياسة الحماية الأمريكية ، هي بالأساس سياسة تتعلق باستعادة الدولار الأمريكي إلى الخزانة والأسواق الأمريكية بعد خروجه إلى منطقة الخليج العربي تحديداً ، أكثر من كونها سياسية مبدئية تتعلق بتحالفات إستراتيجية بين دول متحالفة تاريخياً ، أو كونها تتعلق حتى بحماية أمنية أمريكية تقوم على أساس القضاء الجذري للأسباب أو مصدر التهديد للأمن القومي الخليجي ، والسعودي على وجه الخصوص ، بمعنى آخر تدفع الشركات الأمريكية والمستهلك المحلي مليارات الدولارات الشهرية مقابل شراء النفط الخليجي ( ويدفع الأوروبيون أكثر من ذلك ، بالمناسبة يتحدث هيكل أنه خلال الثمانينات جرت في حسابات السعودية فقط ربع أموال العالم ) وهذا يقتضي العمل على إستعادة الدولارات المدفوعة مقابل النفط ، عن طريق بيع صفقات السلاح إلى الدول الخليجية ، وتحقيق ذلك يتطلب دائماً وجود حالة واقعية أو تصورية تعمل على تهدد بقاء الأنظمة الحاكمة في الخليج العربي ، وإذا لزم الأمر يجب أن يخترع خطر التهديد في المنطقة .
في إعتقادي أن إدارة الرئيس ترمب = { ذي العقل التجاري أكثر من السياسي } قد تعاملت مع ملف الحرب في اليمن بناء على قاعدة العمل على إستعادة الدولارات الأمريكية من خزائن السعوديه والامارات ، عن طريق البيع والشراء ، والدفع مقابل الحماية ، وهذا يقتضي إطالة أمد الحرب في اليمن واستثمار الوجود العسكري للحركة الحوثية إلى أبعد مدى ، لاسيما وأن الرجل بمجرد توليه مقاليد السلطة وجد في حرب اليمن فرصة مناسبة للحديث عن الدفع مقابل الحماية وتلك سابقة لم يتحدث عنها رئيس سابق بتلك الطريقة المحرجة للحلفاء في الخليج ، وقد كان له ما طلب ، ناهيك عما تم دفعه مقابل شراء السلاح أثناء الحرب في اليمن ، فالسعودية وحدها تدفع 410 مليار دولار في صفقة سلاح واحدة ، وذلك ما جعل سياسية إستعادة الدولارات -الترامبية- تفصل في سياستها في منطقة الشرق الأوسط بين الملف الإيراني وملف الحرب باليمن بقصد أو بدون قصد ، لذلك تعامل مع إيران بعين حمراء في الوقت الذي حاول أن يغض الطرف عن الوجود العسكري للحركة الحوثية في اليمن ، لكن الإدارة الأمريكية لم تكن تتوقع أن سياسة الفصل بين الملف الإيراني والملف اليمني ، سوف يمكن الحركة الحوثية وبدعم إيراني ( على إثر وقف معركة الحديدة ) من أحداث تطور عسكري جعل الحركة الحوثية قادرة على ضرب العمق السعودي وتعطيل صادرات نفطها، للعالم، وبشكل يكاد أن ينسف سياسية الحماية الأمريكية ويتطاول على هيبتها التي تحققت مع حرب تحرير الكويت 1991/ الأمر الذي شكل أحد الأسباب الرئيسية في توجه الإدارة الأمريكية الجديدة نحو إيقاف الحرب في اليمن لكن تحقيق ذلك ربما يكون على حساب القضية الوطنية في اليمن ؟!.
يتبع…..