كتاب المواطن / سلامة كيلة
الفصل الثاني:
إرهاب اليسار
أسباب الخوف من الإسلاميين
مشهد الإسلام السياسي من المعارضة إلى السلطة، الخوف من فقاعة
أكثر ما يشغل الان هو مشهد الاسلام السياسي، حيث ظهر وكأنه هو المستفيد من الثورات العربية من خلال وصوله إلى السلطة في كل من تونس ومصر، وحتى المغرب، فقد نجح في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وأصبح يحكم في هذه الدول الثلاث، بالتالي هل نحن مقبلون على سيطرة إسلامية على البلدان العربية؟
هذا هو الهاجس الذي يسكن وعي قطاع كبير من اليساريين والعلمانيين، ويخيف “الأقليات الدينية”، ويُظهر “الغرب” أنه متخوف منه، ولهذا يزداد التشكك بالثورات ذاتها، ويظهر التردد عن دعم التغيير وتنتشر حالات من اليأس والاحباط في قطاعات عديدة تخاف من سيطرة هؤلاء، وتتخوف من “حكمهم الطويل” كما تظن، لهذا يظهر الأفق متشحًا بالسواد، فقد حكم الإسلاميون في إيران منذ سنة 1979 إلى الآن، وحكم البشير في السودان من سنة 1989 إلى الآن، وحماس حكمت فاستوطنت وهو الأمر الذي يفضي إلى التأكيد بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة يعطي “تأبيدها” لهم.
هذه صورة سوداوية بالتأكيد، وتنطلق من بعض التجارب السابقة، لكنها لا تنطلق من الواقع القائم، ولا من الظروف الموضوعية التي سمحت بوصول هؤلاء إلى السلطة، وبالتالي من فهم مقدرتهم على الحكم أصلًا، أي مقدرتهم على قيادة السلطة والتصرف بـ”راحة” ودون منغصات، في وضع “ثوري” كالذي بدأ منذ 17/12/2010 في سيدي بوزيد في تونس، وانتشر بسرعة كبيرة إلى مختلف البلدان العربية بشكل أو بآخر، فهل سيتمكنون من الحكم؟ وهل سيستطيعون “إعادة بناء” السلطة لكي يحكمون السيطرة عليها؟
هذه مسائل تحتاج إلى تحليل، وهي في صلب فهم “المشهد الإسلامي”، الذي سيبدو كمشهد كاريكاتوري في فاصل بين ثورتين أو أكثر.
مشهد الإسلام السياسي:
لماذا تحقق انتصار الإسلاميين في الانتخابات بعد ثورات عاصفة؟
فالمعروف أن دورهم في الثورات كان هامشيًا، حيث لم يكن هناك وجود حقيقي لحركة النهضة في تونس نتيجة القمع الذي تعرضت له خلال حكم زين العابدين بن علي، ولم تقرر جماعة الإخوان المسلمين المشاركة في الثورة إلا بعد أن ظهر كسرها لهيبة السلطة بعد خروج الملايين في مختلف انحاء مصر، وظلت مشاركتها مترددة حيث فاوضت عمر سليمان في عز الثورة.
ما لا بد من ملاحظته هو أن الإسلام السياسي كان يظهر في العقدين الأخيرين خصوصًا كمعارض للنظم القائمة، وكـ “مقاوم” للدولة الصهيونية والسياسات الأميركية، وهذا ما أعطاه رمزية مهمة، فوسع من قاعدته، وجعله يبدو قوة المعارضة الوحيدة أو الأساسية، وبالتالي أن يحصد التفاف القوى الأخرى حوله وقبولها كونه “القائد” للصراع ضد النظم، في الوقت الذي كان اليسار بأشكاله القومية والاشتراكية يتراجع ويتلاشى ويحمّل مسئوليات الفشل سواء في “النظم القومية” أو حتى في التجارب الاشتراكية، ويقبل هو دور المُعلي من أهمية و”نضالية ” وحداثية الإسلاميين.
كما لعب الإسلاميون دورًا في استقطاب قطاعات مجتمعية من خلال اشكال “الاحسان” التي يمارسونها عبر الجمعيات الخيرية، وكان ترابطهم “التاريخي” مع المال النفطي يوفر لهم دعمًا كبيرًا كان يستخدم في هذه المجالات، ولهذا بدا أن لهم قاعدة اجتماعية من فئات مفقرة، رغم أن قاعدتهم الأساسية تشكلت من قطاعات تجارية “تقليدية”، ومن نخب من الفئات الوسطى التقليدية المنحى.
هذا وضع جعل لهم رمزية ما، حيث جرى اعتبارهم قوة المعارضة في مختلف البلدان العربية رغم وجود أحزاب أخرى، وأصبحوا محور التحالفات ومركزها، لكنهم حين بدأت الثورات بدوا بعيدين عنها، راشد الغنوشي دعم الثورة التونسية من بعيد، والإخوان المصريون رفضوا المشاركة في إضراب 25 يناير 2011 الذي كان هو المفجر للثورة، وركزوا على الإصلاح فقك، لكن بدا، بعيد سقوط كل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك، أن من أسقطهم يتحالف مع هؤلاء الإسلاميين، الذين باتوا يعتبرون أنهم هم السلطة من لحظتها، وبدا أن تفاهمًا قد تحقق بين “الانقلابيين” (قيادات الجيش) والإسلاميين، وأن إعادة إنتاج السلطة سوف يتحقق عبر دفع هؤلاء الأخيرين إلى واجهة السلطة، لكي يقال إن المعارضة قد اسلمت السلطة بعد الثورة.
في الانتخابات كان الإسلاميون هم القوة المنظمة، والمدعومون من قبل أجهزة السلطة، البيروقراطية والإعلامية والأمنية، وهو ما أوجد شريحة اجتماعية ليست صغيرة تميل إلى انتخابهم تأثرًا في هذا “الجو السلطوي” الداعم، لكن الأهم ربما كان غياب الأحزاب القوية اليت يمكن أن تشكّل عنصرًا منافسًا، ومن ثم ميل قطاع مهم من المشاركين في الثورة إلى دعمهم انطلاقًا من “تجريب” خطابهم الذي كان يقول إنهم يمتلكون حلولًا لمشكلات المجتمع والطبقات الاجتماعية المفقرة، وهذا ما جعل هذا القطاع من الشعب يعتقد أن عليه تجريب هؤلاء.
كل هذه العناصر لعبت الدور المهم في أن يحصد الإسلاميون العدد الأكبر من أعضاء البرلمان (وانتخابات الرئاسة في مصر)، وأن يصبحوا هم السلطة “الجديدة”.
هذا الأمر هو الذي أخاف، وأربك قطاعًا كبيرًا من اليسار والعلمانيين، والإعلام الغربي، ونثر المخاوف حول “السلطة المطلقة” التي يمكن أن تجعل الإسلاميين يحكمون “إلى الأبد” (حسب الشعار السوري)، ويتكرر المشهد الذي حدث في إيران والسودان، ومن ثم ندخل في “حقبة ظلامية” لعقود جديدة، ربما في شكل أقسى مما شهدناه في العقود السابقة.