كتاب المواطن / سلامة كيلة
أسباب انتصار الإسلاميين
في هذا الوضع كان طبيعيًا انتصار الإسلاميين، فقد أهدى الإسلاميون “الانتصار” من قبل العسكر، حيث جرى الاعتراف بهم أنهم يمثلون الشعب المنتفض، بعيد ترحيل الرؤساء مباشرة، وأصبحت تمارس (في مصر مثلًا) وكأنها السلطة منذئذ. ولقد ظهرت في تحالف مع المجلس العسكري في مصر، وكداعم لحكومة السبسي في تونس. كما ظهر أن الولايات المتحدة باتت تسهل دخول الإسلاميين فيها لتوسيع قاعدتها السياسية، والتوضيح أن السلطة باتت سلطة للأحزاب التي كانت تعارض النظم التي سقطت.
ما كان يجعل الإمبريالية، والطبقات الرأسمالية المافياوية المسيطرة، يعيدان إنتاج السلطة عبر إشراك الإسلاميين، هو أن هؤلاء ليسوا في تناقض مع النمط الاقتصادي (الذي أنتج كل التهميش والإفقار اللذين قادا إلى الانتفاضة)، بل إنهم ينطلقون من الحرية المطلقة للملكية وللتجارة، ويبررون كل الممارسات الاقتصادية “السوداء”، وإنهم لا يتعارضون مع السياسة الخارجية رغم كل الديماغوجيا التي جرى استخدامها في إطار الصراع ضد النظم، واستغلالهم العداء للإمبريالية وللدولة الصهيونية في هذا الصراع، ومن ثم فهناك علاقة تاريخية طويلة مع الغرب، قامت على التحالف ضد الشيوعية والحداثة والقومية والتقدم.
بالتالي كان واضحًا أن وصول الإسلاميين إلى السلطة لن يغيّر لا في النمط الاقتصادي ولا في السياسة الخارجية والمعاهدات والتحالفات، وهو الأمر الذي فرض أن “يرثوا” الانتفاضة، ويعتبروا أنفسهم قادتها رغم مشاركتهم الضعيفة فيها، ولهذا أصبح الإسلاميون موضع دعم إعلامي ومؤسسي وسياسي من قبل السلطة التي تقود المرحلة الانتقالية، كما عملوا على استقطاب قطاعات من اعضاء الأحزاب التي كانت حاكمة (الحزب الدستوري والحزب الوطني) أو التحالف الانتخابي مع بعضهم، وككل انتخابات تجري في إطار نظم غير محايدة يكون الأكثر حظًا هم أولاء المدعومين.
لكن هذا هو الجزء الأخير من الصورة، فما فرض ذلك هو أن الإسلاميين تحولوا إلى قوة حقيقية في الشارع، ربما لعبت الإمبريالية دورًا في ذلك، من خلال اعتبار أنهم القوة التي تواجهها، والخطر الذي يتهددها، لكن كان انهيار التجارب “القومية” والاشتراكية، وتلاشى اليسار بعد أن تلبرل قسم كبير منه. وتبنى الإسلاميين لسياسات شعبية مثل المقاومة (حركة حماس وحزب الله) ومحاربة الغرب والنظم، هي كلها التي حولتهم إلى قوة أساسية في المعارضة.
وكان يساعدهم على ذلك بنيتهم التنظيمية الدقيقة والوفرة المالية التي تشكلت عبر العلاقة مع الأموال النفطية، وبالتالي الدعم السعودي الخليجي المستمر منذ عقود.
لقد ظهر أن الإسلاميين هم المعارضة في وضع كانت قوى المعارضة أهزل من أن تثبت ذاتها. وعملوا مع قوى أخرى في إطار تحالفات ديمقراطية، ومن أجل الديمقراطية، وكان يظهر أنهم الأصلب في الصراع ضد النظم، والأكثر “شعبية” في الانتخابات من كل أطراف المعارضة الأخرى، رغم أن منطقهم ظل يقوم على الإصلاح وليس على التغيير، وعلى بقاء النظم وليس تغييرها. وسُوِّقوا كقوة ديمقراطية من قبل الأحزاب الأخرى، خصوصًا من اليسار الذي اعتقد أن هؤلاء قد تطوروا وتحدثوا فأصبحوا ديمقراطيين.
كل هذه العناصر لعبت دوراً في أن يصبح هؤلاء هم الأغلبية الحاكمة. فهم في توافق مع الوضع العام للنظم والتكوين العالمي، ويحملون شحنة “ثورية” باسم الانتفاضة، ويحمِّلون الأمل في تحقيق مطالب الفئات الاجتماعية المفقرة، خصوصًا من فئات راهنت على أن تصبح الانتخابات هي المدخل لتحقيق مطالبها. وبالتالي أن يحصلوا على نسبة أقل من الخمس في تونس، وربما مثلها في المغرب، وأكثر قليلًا في مصر نتيجة الصيغة التي تحققت فيها الانتخابات (وضع غرامة على من لا ينتخب)، وكل هذه الأرقام هزيلة بالمعنى العام، لأنه في المقابل هناك أضعافها في وضع آخر، مشتتين ومشوشين، لكنهم ليسوا مع الخيار الأصولي.
لكن هل يستطيع الإسلاميون الحكم؟ أظن لا، نتيجة أن برنامجهم الاقتصادي، ورؤيتهم الديمقراطية سوف يفرضان استمرار صراع الطبقات الشعبية ضد كل حكومة جديدة، وضد كل حزب لا يحمل حلًا لمشكلات هذه الطبقات، بالتالي فقد دخلنا في مرحلة عدم استقرار على صعيد النظم، مع استمرار حركات الاحتجاج بمستويات مختلفة، وهو ما ظهر واضحًا في مصر، حيث انتهى حكم الإخوان بثورة شعبية، وفي تونس حيث تراجعت حركة النهضة بعدما شهدت ما جرى في مصر، لكن كل ذلك لمصلحة إعادة إنتاج النظام القديم.