المواطن/ كتابات ـ أكرم حسين العرشي
شهدت اليمن ومنذ العام 2015 حرب مستمرة بين قوات مليشيا الحوثي وقوات الحكومة اليمنية والتحالف العربي، هذه الحرب دمرت الكثير من المنشآت الطبية مما أثر على الخدمات الصحية الرديئة والقطاع الصحي الهش اساسا، وزاد من سوء المشهد تدهور الوضع الاقتصادي الذي أدى الى عجر اطراف الصراع على تسليم رواتب موظفي الدولة في معظم مناطق اليمن خصوصا تلك المناطق التي تقع تحت سيطرت مليشيا الحوثي والتي تعد أكثر المناطق من حيث الكثافة السكانية.
ومع انتشار وباء كورونا عالميا ظلت اليمن بمعزل عن انتشار الوباء حتى ظهور أول حالة في محافظة حضرموت في العاشر من شهر ابريل الماضي ثم تصاعدت ارقام المصابين بالوباء والوفيات المتلاحقة التي وللأسف ليس هناك جهة رسمية موحدة تستطيع حصرها أو جهة موحدة تستطيع وضع خطة موحدة لمواجهة هذا الفيروس، وبالنظر لخريطة الجمهورية اليمنية فأننا نجد أن مليشيا الحوثي تسيطر على المنطقة الشمالية الغربية في محافظات صعده وحجه وعمران وصنعاء وذمار و امتدادا الى الوسط والجنوب في محافظتي اب واجزاء واسعة من تعز والحديدة كما أنها سيطرت مؤخرا على محافظة الجوف، بينما تسيطر مليشيا المجلس الانتقالي التي اعلنت الادارة الذاتية على بعض المحافظات الجنوبية من جانب واحد على محافظات الضالع ولحج وعدن واجزاء واسعة من ابين في حين تفرض السلطة الشرعية ممثلة بالحكومة اليمنية نفوذها على محافظات مأرب وشبوه وحضرموت والمهرة.
هذا التقسيم في السيطرة على الارض في الجمهورية اليمنية والذي فرضته تبعات العمل العسكري أنعكس سلبا على القدرة على مكافحة فيروس كورونا الوبائي واختلفت استجابات السلطات المسيطرة على الارض شرعيه كانت أو غير شرعيه في طريقة التعامل مع هذا الوباء ومكافحته، وتختلف الى حد بعيد الارقام التي يتم تداولها بين نشطاء في القطاعيين الانساني (منظمات المجتمع المدني) والصحي مع تلك الارقام التي تصدرها السلطات المسيطرة على الارض.
ولاشك ان القانون الدولي الانساني الذي حاول أن يجمع بين مقتضيات العمل العسكري وضرورة مراعاة الجانب الانساني في زمن الحرب قد حصن المنشأة الصحية والطواقم الطبية بشكل كامل من كل انواع الاعاقة أو المنع أو مهاجمة تلك الطواقم الامر الذي يؤدي الى اعاقة العمل الطبي والاغاثي الصحي، كما أن القانون الدولي الانساني سعى من خلال المادة المشتركة الثالثة في اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة الى الحفاظ على توفير مياه نظيفة لكل السكان المدنيين في مناطق الصراع بالإضافة الى حماية الاشخاص المعروضون للخطر بشكل خاص كالأشخاص الذين يعانون من امراض دائمة والاشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة والاشخاص ذوي الإعاقة ويفرض القانون الدولي الانساني على كل اطراف الصراع توفير كل الوسائل والظروف المناسبة لحماية هؤلاء الاشخاص ولتقديم الرعاية الطبية لجرحى المعارك قدر الاستطاعة وبأقصى سرعة ممكنة، بالإضافة الى حماية الاشخاص الذين يكونون في مرافق الاحتجاز سواء كانوا مساجين أو اسرى حرب وتوفير الحماية لهم من انتشار الأوبئة والامراض بينهم خصوصا أنهم في الغالب لا يحصلون على رعاية صحية جيده كما أن وضعهم في السجون والمعتقلات يساعد في انتشار الوباء بينهم وهو الامر الذي حاول القانون الدولي الانساني فرضه في العديد من المواد مثل المواد 22( 1 )و23( 1 )و29-31 من اتفاقية جنيف الثالثة؛ المواد 83( 1 )و85( 1 )و91-92 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ و المادتان ٥-١( ب) و ٥-٢ (ج) من البروتوكول الإضافي الثاني.
ولا شك أن الحكومة الشرعية وحكومة مليشيا الحوثي والمجلس الانتقالي والتحالف العربي ممثلا بالمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة يتحملون المسؤولية القانونية والأخلاقية في مواجه فيروس كورونا والحد من انتشاره بكل الوسائل الممكنة والعمل المشترك بين اطراف الصراع هو واجب أنساني وقانوني لمواجهة هذا الفيروس وهذا بالتأكيد لا يتأتى مع استمرار الصراع وبالتالي فأنه يجب على كل اطراف الصراع السعي لعمل هدنة انسانية ومواجهة الفيروس بشكل مشرك، كما أن الامم المتحدة باعتبارها راعية عملية السلام في اليمن وإعمالا للمبدأ القانوني الراسخ في القانون الدولي (المسؤولية في حماية المدنيين في اوقات الصراع responsibility to protect) فأنه يجب على الامم المتحدة ومجلس الامن السعي لفرض هدنة انسانية على اطراف الصراع في اليمن وفتح المجال أمام المنظمات الدولية والدول المانحة لتقديم المساعدة اللازمة لليمنيين ليستطيعوا مواجهة هذا الفيروس.
الوضع الانساني يزداد سواء كما أن هناك العديد من التقارير تتوقع إصابة أكثر من 16 مليون مواطن يمني بفيروس كورونا المستجد وهذا العدد قد يزداد اذا استمر الصراع الدائر في اليمن كما أنه قد يصل عدد الوفيات الى الآلاف في حال عدم استجابة الاطراف لدعوات فرض الهدنة الإنسانية وفي حال عدم قيام دول التحالف العربي والمجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والأخلاقية في تقديم المساعدة وحماية المدنيين اليمنيين.