المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
مملكة إمام المذهب وسلطة السلالة المقدسة
أثناء الاحتلال العثماني لشمال اليمن ، قاتل شيخ القبيلة وإمام السلالة السياسية جنب إلى جنب ضد هذا الوجود الأجنبي في اليمن ، غير أن العقد الأول من القرن العشرين قد شهد دوراً بارزاً في وتيرة العمل العسكري ضد هذا الوجود، لاسيما منذ عام 1905/ العام الذي أعلن فيه عن تولى الإمام ال65 في اليمن يحي ابن الإمام منصور بالله محمد بن يحي المولود في الحيمة في 15/ ربيع الاول من العام 1286 الموافق لشهر حزيران من العام 1869م، وبناءً على ذلك تولى هذا الأخير قيادة المواجهة العسكرية مع العثمانيين انطلاقاً من فلسفة الوصول إلى السلطة عند الزيدية بحيث تمنح شرعية الإمام لمن أدعى أحقيته بالإمامة وسل سيفه في سبيل ذلك، وقد أدت هذه المواجهة إلى اعتراف العثمانيين بأمامة يحي حميد الدين على اليمن في عام 1911/م، وعلى إثر خروجهم نجح تمكن هذا الإمام من تأسيس المملكة المتوكلية التي حكمت شمال اليمن منذ عام 1918م وحتى سقوطها أثناء حكم إبنه الإمام أحمد بن يحي على يد تنظيم الضباط الأحرار – التنظيم العسكري الثوري- بقيادة الملازم الشاب علي عبد المغني الذي تولى تفجير ثورة ال26 من سبتمبر 1962م.
أدى خروج العثمانيين من شمال اليمن إلى فتح المجال السياسي العام أمام مشروع السلالة السياسية على إعتبار أن هذا الخروج قد أدى من جهة أولى إلى متغيرات داخلية وتزامن من جهة أخرى مع متغيرات خارجية أدت بمجملها إلى حدوث فارق كبير في ميازين القوى ، بين شيخ القبيلة وإمام السلالة السياسية داخل المكون الزيدي، بحيث تحول هذا الأخير إلى ملك يحكم دولة مستقلة ذات سيادة مع الاحتفاظ لنفسه بلقب الإمام انسجاماً مع ثقافة المذهب الزيدي .
فعلى المستوى الخارجي كان الخطر السياسي لأبناء العمومة -من العباسيين- قد زال دون رجعة بسقوط خلافتهم في عام 1285/ والأهم من ذلك إن مسألة الخلافة كفكرة سياسية يعول على نجاعة إعتمالاتها السياسية والفكرية في إدارة مسألة السلطة والحكم هي الأخرى قد سقطت من القاموس السياسي بسقوط الامبراطورية العثمانية ، على إثر الحرب العالمية الأولى التي أدت هي الأخرى إلى متغيرات كبيرة على المستوى الدولي والإقليمي ، بمعنى آخر تحول المحيط الإقليمي لليمن منذ عام 1918م على إثر هذه المتغيرات إلى دول مستقلة وأخرى خاضعة لسيطرة الاستعمار الحديث ، وجميعها اعترفت بسلطة الإمام على شمال اليمن بشكل أو بآخر .
أما على المستوى الداخلي فقد نجحت السلالة السياسية في تحويل مشروعها السياسي- الذي كان يعيش منذ قرون في وسط حالة من الصراع التاريخي والسياسي مع مشاريع ودول منافسة له- إلى سلطة سياسية مقدسة تفرض سلطانها المطلق والوحيد على كامل التراب في شمال اليمن وذلك لم يحدث قط منذ قدوم الإمام الهادي ابن الحسين إلى اليمن عام 284 هجرية، ما يعني أن إمام السلالة السياسية قد تمكن بفضل هذه المتغيرات من توسيع مجاله السياسي وسلطته المقدسة إلى خارج فضاء المكون الزيدي في حين ظلت سلطة الشيخ تدور في حِمى القبيلة وعلى مجموع أفرادها فقط… .