المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
منذ ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962/م ومروراً بثورة الـ14من أكتوبر 1963/م التي اندلعت بعد قيام الأولى بعام واحد، وحتى ثورة 11 فبراير 2011/م التي تفجرت جماهيرياً بعد خمسة عقود من ثورتا سبتمبر واكتوبر، استطاعت تعز خلال هذه الفترة الغير مستقرة سياسياً أن تقنع صنعاء وعدن، وكل اليمن بخصوصيتها السياسية والثقافية، بكونها المدينة التي تشكل حاملاً سياسياً وثقافياً وحتى مدنياً لمشروع الدولة في اليمن، بل إنها بدأت في كثير من المنعطفات تشكل الجهاز المفاهيمي الذي ينفخ الروح في حركة الثورة وفي مسار التغيير وقد تجسد ذلك بشكل كبير في الثورة الثالثة التي قاد شباب اليمن وشباب تعز على وجه التحديد فعلها الثوري / الجماهيري/ في 2011 بدون وساطة من النخب السياسية التي كانت تخوض معارك سياسية مطلبية مع نظام صالح الذي غالباً ما كان يتعاطى مع مطالب المعارضة السياسية بمنطق فائض القوة لديه، وتحديداً من بعد حرب 1994/م، التي خلقت في اليمن واقعاً سياسياً واجتماعياً يبرران بكل مافيهما من انحراف سياسي وتصدع إجتماعي لمشروعية النضال السياسي وحتى الثوري من أجل مستقبل الأجيال وبناء الدولة الوطنية في اليمن.
وبالعودة إلى صلب الموضوع في هذه المقالة فإن تعز علاوة على ماذكر استطاعت خلال الفترة الممتدة منذ قيام الثورة الأولى في اليمن وحتى الثورة الثالثة أن تنتج أسماء كبيرة خاضت برؤية وطنية معترك التغيير السياسي والثقافي والوطني – لا يتسع المجال هنا للوقوف على تلك ألاسماء – كل ذلك كان كافياً بأن يقنع اليمنيين بالحقيقة ( النظرية ) التي تقول أن تعز هي مدينة الثقافة والسياسة والثورة، وحتى مدينة العلم حين يتم مقارنة مخرجات التعليم مع بقية المحافظات في اليمن، ناهيك عن كون هذه المدينة في زمن -الإنقلاب والحرب- الذي علاء فيه صوت المقاتل والمقذوف على صوت السياسي لا سيما في بداية الحرب التي شهدت إنفلات شامل في منظومة السلطة والسياسية استطاعت تعز خلال ذلك أن تظل مع هذا الإنفلات الشامل هي المساحة الجغرافية المتبقية أمام الأحزاب السياسية لممارسة دورها وفعلها السياسي.
واذا كان ماذكر قد أعطى سياسياً لتعز ميزة في وعي المجتمع اليمني على المستوى الأفقي والذاكرة الوطنية، فإنه في المقابل قد جعل من تعز أو من حضورها على المستوى الرأسي فوبيا سياسية على الدوام، وهو ما جعل القوى التقليدية التي تداولت على حكم شمال اليمن منذ انقلاب 5/ نوفمبر 1967م تعمل على خنق محافظة تعز تدريجياً على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى الجغرافي وكأن لسان حالها كان يقول = لو تمكن أبناء هذه المحافظة من حكم اليمن لتم بناء الدولة التي سوف يفقدون معها مصالحهم الغير مشروعة، وقد كانت هذه الفوبيا السياسية تجاه تعز هي التي تدفع الحكام إلى تحديد الأفق السياسي المسموح به لهذه المحافظة في الحضور على المستوى الرأسي منذ أحداث اغسطس1968 م، التي تم خلالها إزاحة عبدالرقيب عبدالوهاب ورفاقه ليتم بعد ذلك احتكار قيادات الجيش والسلطة بمعيار المناطقية، بمعني آخر كان هذا الأفق السياسي المسموح به يعني لامانع أن تشكل تعز مصدراً للكادر المؤهل وظيفياً في الدولة دون أن تملك نخبها السياسية القرار السياسي في السلطة الحاكمة، من هذا المنطلق نستطيع أن نتفهم حماس هذه المدينة لمسألة الدولة الاتحادية في اليمن لكون هذه الأخيرة وحدها كفيلة بأن تلغي سيطرت المركز المقدس على مقاليد السلطة والحكم في اليمن.
لكن المفارقة الجديرة بالقراءة أن تعز منذ أربع سنوات وعلى إثر المعطيات التي أفرزتها الحرب تخضع لإختبار سياسي مع أنائها الثقافي وذاتها مع تاريخها الثوري والحزبي مع تراثها السياسي ورموزها الوطنية، بمعنى آخر تعز من منطلق خصوصيتها التي جعلت منها في الخمسة العقود الماضية حامل سياسي لمشروع الدولة في المخيال اليمني مطالبه اليوم بأن تصنع النموذج الذي حلم به اليمنيين وثارت من أجله تعز، لاسيما وأن نخب تعز السياسية هي من تحكم مدينتها، بدون هيمنة سياسية أو عسكرية من قبل المركز المقدس على غرار ما كان سابقاً، قيادات السلطة المحلية من تعز، الأحزاب السياسية مشتركة في السلطة، قيادات الجيش من تعز وكل أفراد الجيش والأمن من تعز، القضاء وأعضاء النيابة من تعز، ومع ذلك تقول المؤشرات أن ما يحدث في تعز هو تأسيس معمق لثقافة السلطة وليس لمفهوم الدولة، سلطه محليه اكثر فساد منذي قبل، قيادات الجيش والأمن تعتقل الصحفيين خارج سلطة القضاء لمجرد الكلمة أو النقد، بينما أولادهم يشكلون عصابات مسلحة تعتدي على الأراضي وحتى على سيادة القضاء دون رادع، كما أن القضاء هو الآخر حاله اسوى من ذي قبل، أو كما قال أحد الزملاء في حديث معي أن موظفين القضاء في تعز أياديهم وكأنها أوراق تبشع، هذا على سبيل المثال وما خفي كان اعظم.