المواطن / كتابات _ عمران الحمادي
تعز يامدينة السواد، الأسود يليق بكِ بل هو ظلك الذي رافقك منذ أربعة سنوات.. نبذت فيها مثقفيك والكثير من أبنائك إلى الشوارع،لأنهم قالوا لك كفاكِ نفاقاً يامدينة المنافقين.
كيف انحسرت ثقافتك وتلاشت أمام قتل يهدر الدماء تحت مسمى “الحفاظ على بيضة الدين وحراسة خيمة المسلمين”
في لحظة كان يأمل منكِ كل أبناء هذا الوطن المهزوز منذ القدم،أن تستمري على ما أنتِ عليه من السلمية وثقافة الإختلاف، لكنكِ بتأثير ثقافة سكان الريف حيث التضاريس الريفيّة على مشارف الجبال وفي أحراش الأدوية كنتِ على مرمى قدر من حتفك المرسوم، حيث أوصلت نفسك ِ بواسطة أبناء قراكِ حيث الفائض السكاني من الشباب الفارغ من كل شيء ِ إلى ما رسمهُ لكِ أعداؤكِ بإعلانك مدينة منكوبة سكن العبث جسدها، واستفحل الوباء على كل الأجساد المتهالكة التي بالكاد تسير وهي واقفة.
إنكِ تستحقين ما جنته يداكِ فأنت من ساق الشباب إلى جبهات القتال ،بدل أن تدفعي بهم إلى الجامعات وإلى الوظائف.
أرجوكِ أن تعودي كما كنتِ سابقاً،أن تكفي عن الزج بأبنائك إلى جبهات حرب عبثية تستمد عبثها من منبعك حيث فيضان نهر العبث ما زال يتدفق بغزارة.
أوقفي منبع العبث،أو إستمري كما شئتِ.
كنت أود أن تقفي ثابتة كقلعة القاهرة،أمام كل من يثير الفتن والنزاعات، القاهرة ستعاتبكِ وهي الآن تقف في مواجهتكِ، تطلب منكِ إيقاف نزيف الدماء، تود أن ترى أحفادها الجدد من ذمار وصنعاء.
ولأن الأسود صار لونك المفضل وبكل غباء ألبستي “القاهرة” ثوباً أسوداً حجب عنها الضوء القادم إليها من كل البلدان، أحكمت وضع ذلك الرداء تحت مبرر الدفاع عن آثارها وتاريخها .
كيف سيكتبكِ مؤرخو التاريخ،وبأي وجه ستطلبين منهم ذلك بدعوىِ أنك كنت مضطرة إلى إرتداء كل هذا السواد.
كيف لي أن أكتبكِ نافذة بيضاء مفتوحة، وقد أزعجني بعض أبنائك حد الكتابة، لأقرر الكتابة عنكِ بكل هذا السواد!
أنتِ لا تدركين معنى شخصاً يحبكِ حد الجنون،يعشق طقسكِ كما يعشق الرسام لوحاته، لكنه رفض أن يكون منافقاً هنا داخل أوراق بيضاء، يكفيه أن يكون معكِ رغم ردائك الأسود.
كان عليه أن يبدأ بالأسود،رغماً عنه، كما أُلبستِ أنتِ الرداء الأسود.
أتعلمين أن الأسود يبدو لهذا القلم جميلاً ،يبرز حروفه كما تظهر فتاة بيضاء مرتدية قميصاً أسوداً جعلها في قمة الجمال والشموخ.
وهذا الظل الأسود الذي تعيشين فيه جعل منكِ شامخة،رغم أنف الجميع.
ذلك السواد يشكل الآن حروفاً حزينة، كتبها قلم ينزف كل مساء، وعند كل مرة يكتبكِ بهذا السواد، قلبه يخفق بشدة لأنه أحد أبنائك البسطاء ممن يعيشون حياة لا تشبه حياة الكثير.
لازلت تملكين جمالاً كبيراً حاضراً فيكِ،وثقافة مازالت قائمة وتعليماً مازال مستمراً، ولكن عليكِ التخلص من الضباب الأسود، موقفة بخلع ذلك الثوب الأسود حرباً دامت أكثر من مدتها المرسومة،حينها ستكونين مدينة ناصعة البياض،نقية كشلالاتكِ التي تجري الآن في أوديتك الخضراء الآسرة.