المواطن/ كتابات – فهمي محمد
4- الحقيقة الرابعة
ماهو مؤكد أن شهيد الغدر الشاعر والأديب محمد محمود الزبيري والمثقف النعمان لم يكونوا عشية الـ26من سبتمبر قيادات سياسية أو عسكرية ولاحتى أعضاء في تنظيم الضباط الأحرار الذي تولى تفجير شرارة الثورة في الشمال على الإمام البدر وعلى الإمامة نفسها كفكرة سياسية سلالية وراثية في بيت حميد الدين، كما أن هؤلاء الإثنين لم يكونوا أعضاء منتمين في أي من الأحزاب القومية، بل لم يكونوا مؤمنين بالدور السياسي المحوري الذي يجب أن تلعبه فكرة القومية العربية على مستوى الوطن العربي = { تحويل الفكرة القومية إلى مشروع سياسي وإجتماعي وهوية جامعة للأمة العربية } فهؤلاء الإثنين كانوا في المقام الأول دعاة إصلاح – ولكن بمخيال سياسي تقليدي – أكثر من كونهم ثوار راديكاليون بالمفهوم السياسي المرتبط بفكرة الثورة والجمهورية الذي تبلور عشية الـ26 من سبتمبر 1962/م، على يد الضباط الأحرار،
هذا التحليل لا يعني قط الإنتقاص من دورهم السياسي الكبير وحتى الأبوي في مقارعة طغيان بيت حميد الدين، بقدر ما هو حديث في إشكالية فكرية ثقافية وفي القطيعة والفجوة السياسية بين هؤلاء الإثنين على وجه التحديد وبين الضباط الأحرار ( الصغار) الذين دخلوا قبل ثورة الـ26/من سبتمبر إلى عالم السياسة من بوابة الإنتماء الحزبي ببعده القومي والتقدمي وتمكنوا في نفس الوقت من قيادة زمان الفعل الثوري في الشمال وحتى في الجنوب .
5-الحقيقة الخامسة
الشهيد الزبيري ( ابو الأحرار ) والاستاذ النعمان هم القيادة السياسية الفعلية في حركة 1948/م، التي استند فعل التغيير فيها على الميثاق المقدس الذي نص يومها على مبايعة الإمام عبدالله الوزير إماماً شوروياً، فمشكلتهم لم تكن مع الإمامة كفكرة سياسية ماضوية رجعية وكنظام سياسي تقليدي في اليمن، ولا حتى مع المفهوم السلالي ببعده السياسي، بل كانت مشكلتهم مع إستبداد بيت حميد الدين كأسرة طاغية، لذلك بايعوا عبدالله الوزير إمام شوروي وهذا ما نقصده بالمخيال السياسي التقليدي عند هؤلاء الإثنين ، فلم تكن حتمية الثورة بمفهومها الراديكالي السبتمبري ولا حتى فكرة الجمهورية بمفهومها السياسي التقدمي حاضرة في مخيالهم السياسي على غرار ما حدث في سبتمبر وتبلور في حزمة أهدافها السته على يد ضباطها الأحرار الذين ثاروا بشكل جذري وبمخيال سياسي حزبي تقدمي قومي .
منهج التغيير عند الزبيري والنعمان في حركة 48/م، كان منهج أشبه بالمنهج المنشفي، فقد جعلوا يومها من مسألة التنفيذ العملي لماورد في الميثاق المقدس أمراً مؤجل الحدوث، إلى ما بعد موت الإمام يحيى حميد الدين، ما يعني أن حركة 48/ لم تستعجل الفعل الثوري ضد طغيان الإمام يحيى وظلمه، كما أن قياداتها السياسية لم تجعل من النظام الجمهوري في ميثاقها المقدس نظام سياسي تقدمي بديل للنظام الإمامي الكهنوتي الرجعي.
العنوان البارز لفعل التغيير في حركة 48 كأن هو التأكد على فكرة الشورى والبيعة كآليات سياسية في مبايعة الإمام عبد الله الوزير بدلاً عن الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، بعد موت أبيه وفي حال نجاح الحركة في ذلك كانت الإمامة سوف تنتقل بالفعل من بيت حميد الدين إلى بيت الوزير ( داخل المفهوم السلالي ) أما مسألة الشورى فمن المؤكد أنها ستصبح فيما بعد غير ملزمه للإمام عبد الله الوزير وبإخراج فقهي إذا إستدعى الأمر، والسبب في ذلك أن فكرة الإمامة نفسها غير مؤهلة سياسياً وثقافياً للتعاطي الإيجابي مع مفهوم الحرية الإنسانية، لكونها تعمل تلقائياً على تأسيس نظام سياسي إستبدادي يتعارض بالمطلق مع مفهوم الدولة والديمقراطية وحتى مع مفهوم الفعل السياسي المدني، ناهيك عن كون الإمامة كفكرة سياسية تظل دائما وأبداً متكئة على الجملة الدينية المذهبية ما يجعلها بالضرورة نقيض مطلق لفكرة الجمهورية التي تتكئ على الجملة السياسي وعلى الفعل السياسي المدني، بل على مفهوم السياسة بشكل عام كأفكار عقلية دنيوية، لذلك يصعب على العقل تقبل وصف ما حدث في 1948/ بالثورة ( فالثورة تعني التغيير الجذري والشامل ) بل هي أشبه بحركة إصلاحية “منشفية” توخت فعل الإصلاح السياسي بمخيال سياسي تقليدي وليس ثوري وجمهوري راديكالي كما هو حال المخيال السياسي لعلى عبد المغني ورفاقه في تنظيم الضباط الأحرار الذين يتولى الإعلام الحكومي والخاص العمل بالصوت والصوره على إزاحتهم من الذاكرة السياسية .
الحقيقة السادسة
بعد فشل مشروع الميثاق المقدس وحدث ما حدث للوزير ورفاقه وحتى للعاصمة صنعاء على يد الإمام أحمد والقبائل، تفرغ النعمان في عدن للعمل في كلية بلقيس ونشر العلم والثقافة والبعثات الدراسية، وظل الزبير متنقل في عدد من العواصم يدين سياسية الإمام أحمد ولا يدين فكرة الإمامة، ومع أن الرجلان بعد 48/ أصبحا يحملان رمزية سياسية ووطنية في مقارعة طغيان بيت حميد الدين، إلا أن مجمل الظروف السياسية والاجتماعية والجغرافية وحتى العلمية والإعلامية المغلقة في اليمن على بعضها، كانت تعمل على عزل الرجلان من مسألة التواصل الفعال مع تلك الإعتمالات السياسية التي تشكلت داخل جيش الإمام أحمد بمفاهيم حداثية = { حزبية وثورية } ذات أبعاد أيديولوجية = { قومية وإشتراكية} بدأت داخل الجيش المتوكلي مع تخرج الضباط الصغار من مختلف الكليات العسكرية في العراق ومصر وغيرها، وعلى وجه التحديد الملازم على عبد المغني ورفاقه الذين شكلوا تنظيم الضباط الأحرار بهدف تفجير الثورة في الشمال وإقامة النظام الجمهوري بديلاً سياسياً وحضارياً عن النظام الإمامي الرجعي في اليمن .